أردوغان يناور للبقاء ضمن برنامج «إف 35» والاحتفاظ بصواريخ «إس 400»

خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض أتيحت للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فرصة نادرة للتعبير عن آرائه، ومخاطبة ملايين المشاهدين من الشعب الأميركي والمجتمع الدولي، وفيما ظل أردوغان يستخف بوضوح بالاتفاقات الغربية، مثل شراء معدات عسكرية روسية، وحبس صحافيين، وغزو شمال سورية، والسماح لحلفائه السوريين بارتكاب جرائم حرب دون رادع، كرّس الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، معظم عباراته للثناء على تركيا ونظيره التركي، عندما قال: «تركيا، كما يعلم الجميع، حليف عظيم لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وشريك استراتيجي للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم»، وشكر أردوغان على جهوده في دعم وقف إطلاق النار في شمال شرق سورية، رغم أن القتال لم يتوقف فعلياً أبداً، ولإسهامات تركيا الحيوية في العمليات بأفغانستان، وضد تنظيم «داعش»، على الرغم من أن تركيا في الحقيقة لم تلعب أي دور مهم في مقتل زعيم «داعش»، أبوبكر البغدادي، في غارة للعمليات الأميركية الخاصة على بعد أميال فقط من حدود تركيا مع العراق. وقال ترامب: «أنا أبرز المعجبين بالرئيس»، ولم يشر ترامب إلى الاتهامات بارتكاب جرائم حرب مروعة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، خلال غزو شمال سورية، بما في ذلك استخدام ذخائر محملة بالفسفور الأبيض ضد المدنيين، وإعدام سجناء، واستهداف النساء والأطفال.

منبر

يقول الصحافي التركي، راغب سويلو، معلقاً على «تويتر»: «يجب أن يكون أردوغان سعيداً بحقيقة أن ترامب قدم له منبراً في البيت الأبيض للدفاع عن نفسه، في الوقت الذي تتعرض حكومته باستمرار للانتقاد الساخن من وسائل الإعلام الدولية»، ويضيف: «هذا يعتبر نجاحاً للعلاقات العامة لأردوغان، حيث ظلت القنوات التلفزيونية العالمية تبث تصريحاته دون انقطاع لمدة 15 دقيقة».

كان من الممكن أن يمهد اجتماع المكتب البيضاوي - الذي ضم أيضاً مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين، ومن بينهم ليندسي غراهام - للزعيمين للتوصل إلى اتفاق بشأن عدد لا يحصى من القضايا، بما في ذلك شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسية «إس 400»، الذي يهدد المقاتلات الأميركية، واتفاق تجاري محتمل بقيمة 100 مليار دولار، وحتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن أي من المسألتين.

وكانت الإدارة الأميركية قد طرحت «حلاً» ينطوي على موافقة تركيا على عدم تنشيط نظام «إس 400»، التي وصلت إلى تركيا هذا الصيف، ما يمهد الطريق أمام واشنطن كي تسمح لأنقرة بالانضمام مرة أخرى لبرنامج «إف 35». لكن خبراء يؤكدون أن أردوغان انسحب مرة أخرى بسرعة بشأن هذه القضية. ويقول الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توماس كاراكو، إن مجرد الموافقة على عدم تفعيل جهاز «إس 400» لا يعتبر تنازلاً، ويمكن عكسه بسهولة، ويقول «بالتأكيد، يمكن إيقاف تشغيله، لكن لا يمكن إيقافه، بل يمكن تخزينه، ولكن مستوى الثقة بأن تركيا لن تستخدمه بعد ستة أشهر من الآن أو بعد عام من ذلك، هو أساساً صفر».

يكمن القلق في أن تركيا قد تستخدم نظام «إس 400»، الذي تم تصميمه لتتبع الطائرات المقاتلة الأكثر تطوراً في الولايات المتحدة، وأيضاً للحصول على معلومات أساسية حول كيفية عمل طائرة «إف 35» عندما تكون في وضع التخفي. وستنطلق مثل هذه الأفكار بسرعة إلى موسكو، التي تشارك بشكل أساسي في تدريب القوات المسلحة التركية، على كيفية تشغيل منظومة «إس 400» قبل الشراء، وبالفعل أرسلت تركيا أفراداً إلى روسيا لبدء التدريب.

بعد وصول أنظمة «إس 400» إلى تركيا، هذا الصيف، قامت وزارة الدفاع الأميركية بإخراج تركيا رسمياً من برنامج «إف 35»، مشيرة إلى أن أنقرة ينبغي أن تتوقف عن عملها الإنتاجي بشأن الطائرة بحلول مارس 2020. لكن المسؤولين الأميركيين تركوا الباب مفتوحاً أمام تركيا للعودة إلى البرنامج، إذا وجدوا طريقة لمعالجة مشكلة «إس 400».

ويقول قائد القيادة الأوروبية الأميركية، الجنرال تود وولترز، في أكتوبر: «يجب ألا يكون النظامان مشتركين في الموقع نفسه» أي البلد، ويمضي قائلاً «الكرة الآن في ملعب تركيا، وسنستمر في المضي قدماً في ذلك، لكن تركيا ستظل حليفاً مهماً للناتو، والعلاقة بين العسكريين من منظور الولايات المتحدة والناتو تظل قوية».

كرر وزير الدفاع الأميركي، مارك اسبير، مخاوفه لنظيره التركي عندما اجتمعا، الشهر الماضي، وأكد قائلاً أمام الصحافيين: «كنت واضحاً للغاية في لقائي الأخير مع وزير الدفاع التركي، قلت له مرة أخرى لا يمكنكم الحصول على نظام (إس 400) ومواصلة برنامج (إف 35)، لأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديداً لهذا البرنامج».

عقوبات قاسية

تسليم النظام الروسي هذا الصيف إلى تركيا قد يقود أيضاً إلى فرض عقوبات قاسية بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا لعام 2017، الذي يستهدف البلدان الحليفة التي تشتري معدات دفاع روسية. لكن ترامب أرجأ فرض هذه العقوبات، على الرغم من احتجاجات المشرعين. ومن المرجح أن يثير أي اتفاق حول حل هذه المشكلة غضباً بين المشرعين، الذين هددوا بعواقب وخيمة منذ أن عبّرت أنقرة عن رغبتها في شراء نظام الصواريخ الروسي.

ويقول كاراكو إن أردوغان لديه أسباب عدة لشراء منظومة «إس 400»، رغم أن الولايات المتحدة عرضت عليه نظام صواريخ باتريوت كبديل. السبب الأول سياسي، حيث ان أردوغان ينظر إلى شراء المنظومة كـ«تكريم» للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. أما السبب الآخر فهو فني، ويتمثل في أن نطاق رادار «إس 400» يبلغ 360 درجة، بينما يبلغ نطاق باتريوت، الأغلى سعراً، 180 درجة. يضاف إلى ذلك أن أردوغان، الذي هاجمته قواته نفسها عام 2016 باستخدام طائرات مقاتلة أميركية من طراز «إف 16»، يريد نظاماً مصمماً لإسقاط الطائرات الغربية.

لارا سليغمان محللة في «الفورين بوليسي»

أوباما

ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باللوم على الرئيس السابق، باراك أوباما، في تأجيج هذا النزاع، مدعياً أن إدارته رفضت بيع أردوغان منظومة باتريوت. لكن هذا الاتهام ليس دقيقاً تماماً. لقد رفضت تركيا فعلياً «باتريوت» مرتين قبل العرض الأخير، الذي تضمن شروطاً أفضل لكل من التسعيرة والإنتاج المشترك، إلا أن وزارة الخارجية أفشلت رسمياً الصفقة هذا الصيف. وفشلت الصفقة في كلتا الحالتين لأن أنقرة أصرت على نقل تكنولوجيا الصواريخ، وهو أمر رفض المسؤولون الأميركيون القيام به، ومع ذلك، لايزال أردوغان يأمل شراء «باتريوت»، رغم أنه من غير الواضح ما ستفضي إليه المناقشات.

يجب أن يكون أردوغان سعيداً بحقيقة أن ترامب قدّم له منبراً في البيت الأبيض للدفاع عن نفسه، في الوقت الذي تتعرض حكومته باستمرار للانتقاد الساخن من وسائل الإعلام الدولية.

أردوغان لديه أسباب عدة لشراء منظومة «إس 400»، الأول سياسي، حيث إن الرئيس التركي ينظر إلى شراء المنظومة كـ«تكريم» للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. أما الثاني فهو فني، ويتمثل في أن نطاق رادار «إس 400» يبلغ 360 درجة، بينما يبلغ نطاق باتريوت 180 درجة.

الأكثر مشاركة