فرنسا تريد أن تقود أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة

أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقابلة استثنائية مع مجلة الـ«إيكونوميست»، قال خلالها إن «حلف الناتو يشهد حالياً موتاً دماغياً»، وإن سبب هذه «الوعكة» هو تخلي الولايات المتحدة عن أوروبا.

ويشكك ماكرون في جدوى تفعيل بنود الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي، قائلاً: «أرى أنه يجب علينا إعادة تقييم عمل حلف الناتو في ضوء التزام الولايات المتحدة»، متابعاً «ما نريده هو أن تستعيد أوروبا سيادتها العسكرية» من الولايات المتحدة. هذا طموح، على أقل تقدير.

تقدّر المساعدة العسكرية الأميركية لأوروبا نحو 347 مليار دولار، ويُقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن فك الارتباط سيستغرق 20 عاماً. وخطط ماكرون الطموحة تبدو غير معقولة.

يبرهن ماكرون على أنه مؤرخ ضعيف بقوله إن «دونالد ترامب هو أول رئيس أميركي لا يشاركنا فكرتنا عن المشروع الأوروبي». في الواقع، لم يشارك معظم الرؤساء الأميركيين فكرة فرنسا حول المشروع الأوروبي؛ لأن وجهات نظر باريس كانت تميل دائماً نحو توحيد أوروبا من خلال استبعاد الولايات المتحدة. وعدم تخلي أميركا عن أوروبا هو بالمثل عنصر أساسي في العلاقة عبر المحيط الأطلسي.

موقف الرئيس الفرنسي، باختصار، هو ارتداد لسلفه شارل ديغول، الذي أعاد إحياء تقدير فرنسا لذاتها بعد الحزن الناجم عن الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية. كما كان ديغول يعتقد، سيوحد ماكرون أوروبا بمفهوم فرنسا، مع دفع ألمانيا الفاتورة. مثل ديغول، يتصور ماكرون أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا (ممثلة لأوروبا) يجب أن تجعل قواتها العسكرية تحت قيادة ثلاثية لتحديد السياسات الأمنية للغرب.

لكن الاستراتيجية تعثرت، سواء بالنسبة لديغول أو ماكرون. أولاً، لم تقنع فرنسا بعد شركاءها الأوروبيين بأنها أكثر موثوقية من الولايات المتحدة. المواطنون الأميركيون أكثر استعداداً من نظرائهم الفرنسيين لاستخدام القوة العسكرية للدفاع عن حليفهم، وعلى الرغم من سياسة ترامب، يعلم الأوروبيون أن أميركا قدمت 70 عاماً من القيادة العسكرية في «الناتو».

الصعوبة الثانية هي أن ماكرون يتوقع من الأوروبيين الآخرين زيادة مساهماتهم العسكرية، مع عدم أخذ مخاوفهم في عين الاعتبار. علقت مجلة الـ«إيكونوميست»، في عام 2002، ساخرة بأن فرنسا تطمح إلى أن تكون «الفارس الرشيق والوحيد في أوروبا، بعد الحرب، على صهوة حصان ألماني قوي، ولكنه مطيع». ليست الولايات المتحدة من يكبح طموحات باريس، بل الأوروبيون الآخرون. يدعم ماكرون سياسة روسيا لإعادة الارتباط الأوروبي مع الكرملين والتفاوض على نظام أمني جديد في أوروبا، لا تؤيده دول البلطيق ولا البولنديون؛ إنه يدافع عن جيش أوروبي لا تريده ألمانيا، لكن على برلين، أكثر من غيرها، تمويله.

السياسات الأميركية

لقد تفوقت الولايات المتحدة تقليدياً على فرنسا في ما يتعلق بقضايا الأطلسي، لأن السياسات الأميركية كانت أكثر انسجاماً مع المشاعر الأوروبية، ولأن أميركا بذلت جهداً في بناء الإجماع. في عام 1966، أخطر ديغول واشنطن بأن جميع القوات الأميركية والمقر العسكري لحلف الناتو يجب أن تبتعد عن فرنسا. لايزال رد الرئيس ليندون جونسون المقيد والموضوعي أحد أفضل الأمثلة على القيادة الأميركية. بعد نقاش طويل، خلُص الرد الأميركي إلى ما يلي: «إن الدول الـ14 الأخرى الأعضاء في حلف الناتو لا تشاطر وجهة نظر حكومة فرنسا في هذه الظروف. الولايات المتحدة مصممة على الانضمام إليهم في الحفاظ على نظام الردع للحلف؛ بل في تقويته لدعم الأهداف المشتركة الحيوية للغرب».

أسلوب ترامب

وتؤكد تعليقات ماكرون أن أسلوب إدارة ترامب القاسي أصبح مكلفاً بالنسبة للولايات المتحدة. فرنسا ليست البلد الوحيد الذي يقلل من المساهمات الأميركية في أوروبا.

في ذكرى مرور 30 عاماً على توحيد ألمانيا، شكر الوزير الألماني، هايكو ماس، كلاً من فرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي (جميع الدول التي عارضت الوحدة)، ولم يقل شيئاً عن الولايات المتحدة (الدولة الوحيدة إلى جانب ألمانيا الغربية التي دعمت الوحدة وعملت على تحقيقها). هذه هي كلفة إرسال شخص مثل ريتشارد غرينيل سفيراً إلى برلين، وتجاهل المخاوف الألمانية وتدمير مصالحها. إنها كلفة توبيخ رئيس لحكومات صديقة في قمم حلف الأطلسي، والتعامل مع الالتزام الرسمي بالدفاع المتبادل بشكل غير مقبول.

- ماكرون يدعم

سياسة روسيا لإعادة

الارتباط الأوروبي

مع الكرملين

والتفاوض على

نظام أمني جديد

في أوروبا، لا تؤيده

دول البلطيق

ولا البولنديون.

- 70

عاماً من القيادة

العسكرية قدمتها

أميركا لحلف

شمال الأطلسي.

- 347

مليار دولار

حجم المساعدة

العسكرية

الأميركية لأوروبا.

الأكثر مشاركة