رغم تحسّن اقتصادها بعد دخولها إلى الاتحاد الأوروبي

«البريكست» غير مأمون العواقب وسيُضعف بريطانيا

صورة

لاتزال دراما خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (البريكست) مستمرة، على الرغم من أن الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي توصلا إلى اتفاق انسحاب، تم تنقيحه، في منتصف أكتوبر، ولكن رئيس الحكومة بوريس جونسون لم يكن قادراً على دعم هذا الاتفاق، عبر البرلمان، كي تكون المملكة المتحدة قادرة على مغادرة الاتحاد الأوروبي بالتاريخ الذي كان يأمله جونسون وهو 31 أكتوبر. ولهذا منح قادة الاتحاد الأوروبي المملكة البريطانية ثلاثة أشهر، أي في 31 يناير المقبل كموعد نهائي للبريكست، وخلال هذه الفترة ستعقد المملكة المتحدة انتخابات برلمانية يمكن أن تساعد على حل المأزق الحالي.

وحصل جونسون على اتفاق الانسحاب جزئياً، من جهة، عن طريق تغيير موقفه السابق بصورة كاملة، وقبول دفع الجمارك على الحدود بين إيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة، ومن جهة أخرى، عن طريق قبول تسوية لشروط أسوأ مما قبلت به سلفه رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي. وعلى الرغم من أنه لايزال يتعين على الاتفاقية أن تحلحل بعض العقبات البرلمانية، وعملية الانتخابات المقبلة ستكون أكبر هذه العقبات، إلا أننا سنكون قادرين قبل انقضاء زمن طويل على فهم ما إذا كان البريكست سيكون سيئاً او جيداً بالنسبة للمملكة المتحدة.

وهنا ربما يتوجب على الجميع وقفة للمراجعة، فعلى افتراض أن البريكست قد تم، وانطوت السنوات التي تلته على صعوبات اقتصادية للمملكة المتحدة، فإن أنصار البريكست سيقولون لنا إنه يجب علينا الانتظار لمزيد من الوقت. وفي الواقع، قال أحد كبار وزراء جونسون إنه ربما نحن لا نعرف الآثار الاقتصادية للبريكست بصورة شاملة، على مدى الـ50 عاماً المقبلة. ومن الآن حتى ذلك الوقت، يجب أن تكون النتائج جيدة كي نعوض ما سنخسره لدى مغادرة الاتحاد الأوروبي.

وقف الانحدار الاقتصادي

وكان رئيس الحكومة السابق هارولد ماكميلان، الذي حكم في بداية تسعينات القرن الماضي، هو الذي أكد أن المملكة المتحدة يجب أن تنضم إلى السوق الأوروبية المشتركة كي تعمل على وقف الانحدار الاقتصادي الذي تتعرض له منذ أمد بعيد. وفي الفترة ما بين 1951 و1973 كانت المملكة المتحدة في المرتبة الأخيرة بين دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، حيث كان معدل نموها 2.7% سنوياً. وكانت اليابان هي الأسرع نمواً، حيث كانت تحقق نمواً بمعدل 9.5% سنوياً، في حين أن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كان نموها نحو 5% أو أعلى قليلاً.

وكان صناع السياسة البريطانية مهووسين بسؤال مفاده «ما الأمر الخاطئ الذي ارتكبناه»، وجربنا النسخة الخاصة بنا من التخطيط المركزي الفرنسي. واستثمرنا في المشافي الجديدة، والطرق، وأغلقنا السكك الحديدية التي كانت تحقق الخسائر. ولكننا كنا دوماً نعود إلى الحاجة إلى الانضمام إلى التجمع الأوروبي الذي تعاملنا معه من الأساس باحتقار.

وجاء رئيس حكومة محافظ آخر هو إدوارد هيث، الذي أدخلنا من الباب الأوروبي إثر وفاة الرئيس الفرنسي السابق تشارلز ديغول، والذي كان الخصم الرافض بشدة لعضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

أداء اقتصادي أفضل

وفي عام 1973 عندما انضمت بريطانيا إلى أوروبا حتى عام 2016 (وهو العام الذي جرى فيه استفتاء على البريكست) ظل اقتصادنا ينمو بسرعة أعلى من اقتصاد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا. وبعد بدء السوق الموحدة في عام 1992، وهي أحد أهم إنجازات رئيسة الحكومة السابقة مارغريت تاتشر، كان أداء المملكة المتحدة الاقتصادي أفضل بكثير من منافساتها التقليديات على الأقل حتى عام 2016.

وبالطبع هناك عوامل أخرى مثل إصلاحات تاتشر النقابية التي أسهمت في نجاح بريطانيا. ولكن القصة الأكثر أهمية من كل ذلك كان التراجع الاقتصادي قبل دخول الاتحاد الأوروبي، والتقدم السريع بعد الانضمام. وإضافة إلى ذلك، حققت المملكة المتحدة هذا النجاح بشروطها إلى حد كبير، فلم ننضم إلى اليورو، وشجعنا التجارة الحرة، وكنا الرواد في توسيع الاتحاد الأوروبي إلى وسط أوروبا وشرقها.

ولكن كيف ستكون حياتنا بعد أن تدخل اتفاقية رئيس الحكومة جونسون حيز التنفيذ؟ قال مدير البنك المركزي في بريطانيا إن اتفاق الانسحاب سيكون أفضل للاقتصاد البريطاني من بريكست فوضوي، على الرغم من أنه أشار إلى أنه يمكن أن يكون أقل إيجابية مما كانت ستكون عليه اتفاقية مايو. والأمر الأكثر وضوحاً أن وزير المالية في حكومة جونسون، وهو ساجد جاويد، رفض وضع أي تقييم لتأثير الاتفاقية الجديدة، ما أثار شكوكاً بأن الحكومة غير واثقة أبداً بنتيجة مثل هذا التقييم.

واستناداً إلى كل ما سبق، كيف يمكن أن تكون المملكة المتحدة أفضل، خارج سوقها المغلقة والكبيرة، مما هي عليه وهي داخلها؟ لماذا يتعين علينا التفاوض مع دول أخرى على اتفاقات تجارية أكبر وأفضل لوحدنا وليس كجزء من سوق كبيرة تعادل 10 أضعاف حجمنا؟ يعتقد بعض المتفائلين أن المملكة المتحدة يمكن أن تفاجئ العالم باعتبارها سوقاً حرة بلا أية قيود أي أنها «سنغافورة على ضفاف نهر التايمز»، ولكنهم يتجاهلون حقيقة أن التخلص من الأنظمة البيئية والصحة والتحقق من السلامة، وحقوق العمال، من شأنها أن تكون نتائجها كارثية على حزب المحافظين.

اتفاقية التجارة

لنفترض أن المملكة المتحدة تغادر الاتحاد الأوروبي بشروط اتفاقية جونسون، فإنها ستنتظر حتى نهاية عام 2020 كي تتفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، إذ يبدو أن الحكومة تعتبر أن «اتفاق التجارة الحرة الكندي» مع الاتحاد الأوروبي هو النموذج الذي تفضله حكومة المملكة المتحدة. ولكن توقعات الأداء الاقتصادي المستقبلي للمملكة المتحدة في ظل سيناريوهات مختلفة للبريكست يصنف هذا الخيار باعتباره في المرتبة الثانية من السوء، أي أنه فقط أفضل من الخروج بلا أي اتفاق.

وإحدى سلبيات الأسلوب الكندي أنه بالكاد يغطي الخدمات، التي حققت فيها المملكة المتحدة فائضاً تجارياً يصل إلى 29 مليار جنيه إسترليني مع الاتحاد الأوروبي في عام 2018. وهذا أحد الأسباب التي تجعل هذا الاتفاق يناسب الاتحاد الأوروبي أكثر من المملكة المتحدة. وإضافة إلى ذلك، فان أسلوب الاتفاق الكندي يتطلب إجراء التدقيق على الحدود حول العديد من البضائع المصنوعة إذا لم نقل كلها.

وكل ما سبق يعتبر تذكيراً بأنه حتى بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فانه سيواجه سنوات من المفاوضات الصعبة التي سيكون فيها البريطانيون في الموقف الضعيف. وصحيح أن الشمس ستشرق كل صباح، وأنه سيكون لدينا العديد من المؤسسات والشركات والأصول ذات التصنيف العالمي، ولكن تماسك المملكة المتحدة بحد ذاته (تتألف من بريطانيا، وأسكتلندا، وايرلندا الشمالية) سيتضرر نتيجة السياسات المدفوعة بالقومية الإنجليزية.

وإضافة إلى ما سبق، سنصبح أكثر فقراً في المملكة المتحدة. وفي الحقيقة، وفق التقديرات التي أجراها عدد من الخبراء الاقتصاديين بناء على طلب من الحكومة، فإن اقتصادنا ربما أقل 2.5% مما كان عليه الحال من دون عملية البريكست. إنه لأمر غريب أن تختار دولة ما أن تكون أقل ازدهاراً ونفوذاً في العالم.

ويقول البعض إن هذا غير مهم، ولكن دعونا نرى ما سيحدث عندما لا نملك المال الكافي لكي نقوم بما نريد فعله كدولة وكأفراد. وستثبت الوعود والتوقعات المتعلقة بالبريكست قريباً أنها مناقضة للواقع.

الحاكم الأخير لهونغ كونغ والمفوض السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية.


- مدير البنك المركزي في بريطانيا قال إن اتفاق الانسحاب سيكون أفضل للاقتصاد البريطاني من بريكست فوضوي.

- رئيس الحكومة السابق هارولد ماكميلان، الذي

حكم في بداية تسعينات القرن الماضي، هو الذي

أكد أن المملكة المتحدة يجب أن تنضم إلى

السوق الأوروبية المشتركة، كي تعمل على وقف

الانحدار الاقتصادي الذي تتعرض له منذ أمد بعيد.

تويتر