تصويت «النواب» على لائحة اتهامات لإدانته دون موافقة «الشيوخ»على بعضها يمنع عزله

«مكالمة أوكرانيا».. إجراءات الديمقـراطيين تدفع ترامب إلى مواجهة مصير بيــل كلينتون

صورة

نجح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قبل ما يقرب من عام، في تجاوز أزمة تحقيقات «لجنة مولر» في قضية التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، لكن وبعد شهور من انطلاق حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2020، يواجه الرئيس ترامب أزمة ثانية تتعلق بالتواطؤ مع قوى أجنبية، وهذه المرة هي أوكرانيا، للتأثير في الانتخابات المقبلة.

تصرف ترامب دفع الديمقراطيين للبدء فعلياً في إجراءات عزله، وفقاً للقواعد التشريعية والقانونية المستقر عليها في النظام السياسي الأميركي، لكن هذه الإجراءات من غير المحتمل أن تؤدي إلى فقدان ترامب منصبه الرئاسي، حيث إن العملية التشريعية والقانونية لعزله ستدور في إطار السوابق الثلاث نفسها، التي جرت لعزل الرؤساء الأميركيين الثلاثة: (أندرو جونسون، ريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون)، ومن المرجّح أن يواجه ترامب مصير الرئيس السابق بيل كلينتون، بتصويت مجلس النواب على لائحة اتهامات لإدانته، دون أن يوافق مجلس الشيوخ على بعض الاتهامات التي وردت في اللائحة أو كلها.

وتشهد الساحة الأميركية حالياً أزمة سياسية، طرفاها هما الديمقراطيون من جهة، والرئيس ترامب من جهة أخرى، وقد بدأت وقائع تلك الأزمة بعدما نُشرت تقارير صحافية عن مكالمة أجراها ترامب مع رئيس أوكرانيا، فلوديمير زيلينسكي، يطالبه فيها بإجراء تحقيقات بشأن شبهات فساد حول ممارسات نجل نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، جو بايدن، وأنه يقترح ضرورة تعاون الجانب الأوكراني مع المدعي العام الأميركي ومحاميه رودني جولياني، للبحث في قضية الفساد تلك. وفي هذا السياق، يرى الديمقراطيون أن ترامب انتهك القانون، وسعى للتواطؤ مع جهة خارجية للتدخل في الانتخابات، في الوقت الذي يرفض فيه ترامب هذه الاتهامات، وهنا يمكن الإشارة إلى خمسة أبعاد لهذه الأزمة:

1 كيف تعاملت المؤسسات الأميركية مع المسألة الأوكرانية؟: رغم أن الاتصال الهاتفي بين ترامب ورئيس أوكرانيا جرى يوم 25 يوليو 2019، فإن الأزمة تفجرت في النصف الثاني من شهر سبتمبر 2019، بعدما نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، يوم 19 سبتمبر الجاري، تقريراً بشأن كشف أحد العاملين في أجهزة الاستخبارات المحتوى العام للمكالمة، هذا الشخص الذي اعتُبر بمثابة «مطلق الصافرة» أو الذي قرع جرس الإنذار بشأن انتهاك الرئيس للقانون، الأمر الذي دفع وزارة العدل لإجراء تحقيق بشأن الاتصال الهاتفي، لكنها خلُصت إلى أنه لم يتم خرق القانون في هذا الاتصال. هذا الموقف دفع بعض أعضاء الكونغرس، خصوصاً في لجنتي القضاء والاستخبارات بمجلس النواب، لطلب عقد جلسة استماع حول المسألة، لكن البيت الأبيض حاول عرقلة المسألة، وفي ظل تزايد النقاش حول القضية في الإعلام، بدأ الديمقراطيون يتحركون لتوظيفها في مواجهة الرئيس ترامب.

2 موقف الرئيس ترامب والبيت الأبيض: بعد أن تبين أن المسألة الأوكرانية بمثابة أزمة حقيقية، بدأ الرئيس ترامب اتخاذ موقف دفاعي، وذلك بشن حملة مضادة ضد الديمقراطيين وجو بايدن، ركز فيها على أنهم يحاولون تكرار ما حدث في لجنة مولر، من أجل التأثير في موقفه بالانتخابات، كما دافع ترامب عن موقفه في الحديث عن محاميه رودي جولياني، خلال المكالمة. في السياق ذاته، تحرك البيت الأبيض لدعم الرئيس، حيث نشر يوم الأربعاء 25 سبتمبر نص المكالمة الهاتفية، التي جرت بين الرئيس ترامب ورئيس أوكرانيا، وذلك للتدليل على أنه لم يحدث تواطؤ، وأنه لم يحثّ نظيره الأوكراني على بحث مزاعم فساد نجل بايدن.

3 تحرك الديمقراطيين وتغير موقف رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي: دفع موقف ترامب ومساعي البيت الأبيض لعرقلة عقد جلسة استماع في الكونغرس حول المسألة الأوكرانية، وضغوط البيت الأبيض على أجهزة الاستخبارات، والتي دفعت المفتش العام لمجمع الاستخبارات الأميركي إلى التباطؤ في الإبلاغ عن نص المكالمة؛ إلى التحرك لاتخاذ موقف قويّ، بعدما تبين لهم أن ترامب تواطأ مع جهة خارجية، للإضرار بموقف جو بايدن في الانتخابات، حيث إن الهدف من مطالبة ترامب رئيس أوكرانيا بفتح تحقيق في مزاعم فساد نجل بايدن، هو التأثير في موقف بايدن بالانتخابات، وكان العامل الحاسم في تحرك الديمقراطيين هو تغير موقف نانسي بيلوسي، فبعد ضغوط داخلية شديدة داخل الحزب الديمقراطي، غيرت بيلوسي موقفها الرافض في السابق للتحرك داخل المجلس لعزل ترامب، إلى إعلان القيام فعلياً بتلك الخطوات، خلال الفترة المقبلة.

4 موقف الجمهوريين الصعب: رغم حالة الاستياء من بعض الجمهوريين تجاه ترامب؛ فإن أزمة المسألة الأوكرانية فرضت عليهم دعم الرئيس حتى لا ينجح الديمقراطيون في النيل منه، لكنّ حالة الدعم تلك لم تتبلور في موقف قويّ للدفاع عنه، فالكثير من الجمهوريين اكتفوا بالنأي بأنفسهم والبعد عن الجدل المثار حول المسألة، لكن بعد نشر البيت الأبيض نص المكالمة، بدأ أعضاء جمهوريون تحدثوا لصحيفة «واشنطن بوست» في تقرير نشرته يوم الأربعاء الماضي، في القلق من تداعيات نشر هذا النص الذي يشير إلى تورط ترامب فعلياً في المسألة الأوكرانية.

5 الجدل العام في واشنطن: في ظل حالة التوتر الدائمة بين ترامب ووسائل الإعلام الأميركية الرئيسة، أسهمت تغطيةُ بعض تلك الوسائل، مثل صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وشبكة «سي إن إن»، في تسليط الضوء على موقف ترامب، والتركيز على أنه متورط فعلياً. وفي سياق الهجوم من وسائل الإعلام على ترامب، طُرحت تساؤلات حول أسباب إعلان البيت الأبيض وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، قبل الاتصال الهاتفي بأسبوعين، وذلك بغرض الضغط على الأوكرانيين، كما أُثيرت تساؤلات حول موقف ترامب الداعم لرودي جولياني، فقد ركز الكثير من المحللين والخبراء القانونيين على أن صلة جولياني بالمسألة الأوكرانية كلها تثير الشك، فهناك احتمال بأنه هو الذي خطط وأدار مسألة ضرورة إجراء تحقيقات أوكرانية لتشويه موقف جو بايدن في الانتخابات. وفي السياق ذاته، تم التركيز على أن جولياني هو محامي ترامب الشخصي، ولا يعمل لدى البيت الأبيض أو الحكومة الأميركية، ومن ثمّ فهو يدافع عن مصالح ترامب.

الخلاصة: تشهد الولايات المتحدة الأميركية حالياً أزمة سياسية، تتعلق ببدء الكونغرس الإجراءات القانونية لعزل الرئيس ترامب، وهذه الإجراءات التي قد تستغرق أشهراً عدة، ستظل محوراً للجدل والنقاش الموسع داخل الدوائر الأميركية، ورغم أنها قد لا تنتهي بإقالة ترامب فعلياً؛ فإن تداعياتها ستمتد من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2020.

إجراءات عزل ترامب

في ظل تحرك الديمقراطيين فعلياً للبدء في الإجراءات القانونية لعزل ترامب، والعمل على توجيه لائحة اتهام له؛ يمكن الإشارة إلى الأطر العامة الحاكمة لإجراءات عملية العزل وكيف تجري، في الجوانب التالية:

1 عزل الرئيس في الثقافة السياسية الأميركية: يشير مصطلح Impeachment في الثقافة السياسية الأميركية إلى مجموعة الإجراءات التي يتم بموجبها عزل الرئيس من منصبه، وهذه الإجراءات هي بمثابة عملية طويلة تجري داخل الكونغرس، وتتم وفقاً لخطوات يلعب فيها مجلسا النواب والشيوخ دوراً، وهذه الإجراءات لا يعني القيام بها أن يتم عزل الرئيس، فقد تتم إجراءات العزل، لكن قد تكون نتيجتها النهائية عدم الوصول لقرار بعزل الرئيس وإقصائه عن المنصب. وقد حدد الدستور الأميركي الأطر العامة لإجراءات عزل الرئيس، وذلك في المادة الأولى التي تتعرض للكونغرس وصلاحياته، وفي المادة الثانية التي تتناول الرئيس وصلاحياته. واستناداً إلى ما جاء في المادتين، فإن إجراءات عزل الرئيس الأميركي تتم على مرحلتين: الأولى داخل مجلس النواب، والثانية داخل مجلس الشيوخ.

2 العملية القانونية لعزل الرئيس الأميركي: تجري إجراءات عزل الرئيس الأميركي في إطار عملية تشريعية وقانونية تتم على مرحلتين: المرحلة الأولى: تجري داخل مجلس النواب، حيث يقوم المجلس بإجراء تحقيق وبحث اتهام الرئيس بارتكاب ما يستوجب الإقالة من المنصب، وحدّد الدستور الأفعال التي تستوجب الإقالة بثلاثة، تشمل: (الخيانة، وتلقي الرشوة، وارتكاب جرائم أو مخالفة سلوك من النوع الذي يمثل خطورة). وعقب إجراء التحقيق يتم التصويت على إدانة الرئيس، وتتطلب هذه الإدانة موافقة أغلبية بسيطة من أعضاء مجلس النواب على الاتهام ليصبح نافذاً، ويتم بعد ذلك الانتقال للمرحلة الثانية. والمرحلة الثانية في عملية العزل تجري داخل مجلس الشيوخ، وفيها يقوم المجلس بإجراء محاكمة رسمية للرئيس، يُمثّل فيها أعضاء المجلس دور هيئة المحلفين، ويشرف رئيس قضاة المحكمة الدستورية العليا على عملية محاكمة الرئيس، وحتى يتم عزل الرئيس فعلياً، يجب أن يوافق ثلثا أعضاء المجلس على صحة الاتهامات الموجهة للرئيس. وفي حال عدم موافقة ثلثي الأعضاء، فإن ذلك يعني أنه لا يوجد توافق على اتهام الرئيس بارتكاب الأفعال التي تستوجب إقالته من المنصب، ومن ثم يستمر في منصبه بغض النظر عن كل الإجراءات السابقة التي تمت لمحاولة إقالته من المنصب.

3 مسار الإجراءات الفعلية لعملية عزل ترامب: منذ إعلان رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بدء الإجراءات الفعلية لعزل ترامب، والتي يقف وراءها الديمقراطيون بالأساس؛ فإن الخطوات التالية لعملية عزل ترامب ستجري وفقاً لخطوات عدة، تبدأ بقيام اللجان المختصة: (اللجنة القضائية، ولجنة الاستخبارات، وبعض اللجان الأخرى)، في المجلس مناقشة لائحة الاتهام التي سيتم تقديمها ضد ترامب. وفي هذا السياق، ووفقاً لما هو مثار حالياً، فإن الديمقراطيين سيركزون على توجيه اتهام للرئيس يتعلق بالمسألة الأوكرانية، وهي مخالفة قانون «تمويل الانتخابات»، التي تتمثل في التواصل مع جهة خارجية بغرض التأثير في الانتخابات، أو القوانين ذات الصلة بالانتخابات، والهدف من التركيز على هذه القوانين، هو توجيه اتهام للرئيس بمخالفة صلاحياته الرئاسية، وقيامه بشكل من أشكال الخيانة الوطنية كرئيس. وبعد المناقشات المستفيضة في هذه اللجان والتصويت على لائحة الاتهام النهائية، يتم التصويت في مجلس النواب بأكمله على توجيه لائحة الاتهام للرئيس، وفي حال التصويت عليها بموافقة الأغلبية البسيطة يتم الانتقال للمرحلة الثانية من إجراءات العزل التي تتم داخل مجلس الشيوخ، هذا مع الوضع في الاعتبار المدى الزمني لمسار هذه العملية التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، خلال المرحلتين الأولى والثانية، لكن تقارير صحفية تقول إن الديمقراطيين يريدون الانتهاء من إجراءات عزل ترامب داخل مجلس النواب قبل نهاية العام.

3 سيناريوهات

بدء الإجراءات التشريعية، داخل مجلس النواب لعزل ترامب، لا يعني فعلياً عزله من منصبه، لكنه يقتصر على توجيه لائحة اتهام رسمية له، تمهيداً لمحاكمته في مجلس الشيوخ، والبت في المسألة. ووفقاً للسوابق التي جرت لعزل ثلاثة رؤساء أميركيين: أندرو جونسون، ريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون، فمن المرجح أن النتائج النهائية لعملية عزل ترامب لن تخرج عن هذه السوابق، وذلك على النحو التالي:

وفقاً للسيناريوهات الثلاثة السابقة، فإن المسار المحتمل لعملية عزل ترامب، يتضمن ثلاثة احتمالات: الأول إجراءات عزله غير مكتملة على غرار ما حدث مع جونسون، وفي هذا الإطار يتم تقديم لائحة اتهام في مجلس النواب، لكن التصويت عليها يفشل لعدم اكتمال النصاب القانوني، وهذا أمر مستبعد نسبياً، نظراً لأن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب، ومن ثم من المرجح أن يصوت المجلس بالموافقة على تقديم لائحة اتهام، لتنتقل الإجراءات إلى مجلس الشيوخ، وفي هذه الحالة سيتكرر سيناريو عزل كلينتون مع ترامب، حينما رفض مجلس الشيوخ الموافقة على لائحة الاتهام، وهذا هو الاحتمال الأقرب في حالة ترامب، نظراً لسيطرة الجمهوريين على المجلس. أما احتمالات قيام الرئيس ترامب بتقديم استقالته على غرار الرئيس نيكسون، فأمر مستبعد نسبياً.


- ترامب بدأ باتخاذ

موقف دفاعي،

بشن حملة مضادة

ضد الديمقراطيين

وجو بايدن.

- سيناريو عزل كلينتون، حينما رفض مجلس الشيوخ

الموافقة على لائحة الاتهام، هو الاحتمال الأقرب

في حالة ترامب، نظراً لسيطرة الجمهوريين

على المجلس.

تويتر