3 مسارات محتملة لاتجاه العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة

قرار أميركا بوقف المفاوضات مع «طالبان» مرتبط بإقالة بولتون

صورة

ألغى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 7 سبتمبر الجاري، اجتماعاً كان مقرراً مع قادة من حركة «طالبان» الأفغانية، والرئيس الأفغاني أشرف غني في منتجع كامب ديفيد، إثر الهجمات التى وقعت في كابول، قبل ذلك بيومين، وتسببت في مقتل عدد من المدنيين وعسكريين أحدهما أميركي. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بإقالة مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، في 10 من الشهر نفسه، بسبب الخلافات التي نشبت بينهما، وكان الملف الأفغاني أحد أهم محاورها.

وفى حين كادت المباحثات، التي أجريت بين واشنطن والحركة، أن تنتهي بالوصول إلى اتفاق بعد 18 جولة منها كانت آخرها قبل نحو أسبوعين، إلا أن اتجاهات أميركية عدة أبدت مواقف حذرة إزاءها، بالنظر إلى الكثير من التحديات الخاصة بمسار التفاوض، بالإضافة إلى تأثيرها في الداخل الأميركي، حيث وجهت إليها انتقادات عدة تزايدت مع الإعلان عن الاجتماع مع قادة من «طالبان» في الولايات المتحدة، قبيل أيام من حلول الذكرى السنوية الثامنة عشرة لهجمات 11 سبتمبر. ومع توقف العمل بهذا المسار، فإن ثمة تساؤلات تطرح حول مستقبل العلاقة بين الحركة والولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة.

دلالات مختلفة

رغم أن المفاوضات كانت تتسم بقدر من السرية، فإن طبيعة انعقادها ومسارها، فضلاً عن التسريبات التي خرجت حول مضامينها والتي حملت طابع «الصفقة» التي تهدف إلى سحب أقل من نصف القوات الأميركية، بحدود 5000 جندي، بشكل آمن، على أن تتولى القوة المتبقية، وقوامها 8600 جندي، تدريب القوات الأفغانية، كشفت عن عدد من الدلالات في هذا السياق منها على سبيل المثال:

أولاً: تباين المواقف: عكس الموقف الأميركي غياب التوافق حول الصفقة مع «طالبان». فبحسب تقارير أميركية عدة، كان هناك انقسام بشكل عام داخل المؤسسات الأميركية، وبينها وبين بعضها بعضاً حول مشروع التفاوض بالأساس. ففي حين بدا أن الرئيس الأميركي مهتم بإنجاز الوعد الذي قطعه أمام ناخبيه بإعادة الجنود الأميركيين إلى الوطن أكثر من أي شيء آخر، ظهر في المقابل أن هناك مسؤولين في الإدارة ركزوا على ضرورة أن يجري ذلك في سياق حسابات تتسق مع الأمن القومي الأميركي، وهو ما انعكس في انقسام فريق الإدارة بين جناح مؤيد، يمثله وزير الخارجية مايك بومبيو، مقابل آخر معارض يقوده جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي، على نحو كان له دور في إقالة الأخير من منصبه.

ووفقاً لهذه التقارير، فإن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عارضت مشروع التفاوض بشكل عام، وليس فقط مجرد الاجتماع بين الرئيس وقادة من «طالبان»، حيث أكد بعض المسؤولين في الوزارة أنها «لا تبدي ثقة بالحركة الأفغانية، التي يجب ألا تحظى بها». وتوازى ذلك مع رفض بعض القيادات في الحزبين: الجمهوري والديمقراطي للمفاوضات السابقة.

ثانياً: غياب الحكومة الأفغانية: استندت بعض الاتجاهات في تبرير انتقاداتها للمفاوضات إلى غياب الحكومة الأفغانية عنها، في ظل رفض «طالبان» ذلك، حتى إن الاجتماع الذي كان سيعقد في كامب ديفيد، بين الرئيس ترامب وقادة من الحركة والرئيس أشرف غني، كان سيتم بشكل منفصل. ومن هنا، اعتبرت هذه الاتجاهات أن غياب الحكومة عن الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى إضعافها على الساحة الداخلية. وقد وجه بعض المسؤولين الأفغان بالفعل رسائل عدة في هذا السياق، تفيد بأن ثمة مخاوف من المعطيات الجديدة التي يمكن أن يفرضها هذا الاتفاق المحتمل، خصوصاً في ما يتعلق بتأثيره في التوازنات الداخلية.

ثالثاً: تصعيد «طالبان»: بدت الحركة حريصة، بالتوازي مع إجراء المفاوضات، على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة طالت بالإضافة إلى بعض المدنيين جندياً أميركياً. وفي الجولة الأخيرة التي عقدت قبل أسبوعين، كان لافتاً أنه لم يصدر بيان ختامي يشير إلى أنه تم التوصل إلى تفاهمات أو خطة نهائية يمكن أن تؤهل أطراف التفاوض إلى توقيع اتفاق، على نحو يعني أن إصرار «طالبان» على مواصلة التصعيد مثل عقبة رئيسة في هذا الصدد.

عمليات مستمرة

تشير محصلة تلك الدلالات إلى استنتاج أساسي، يتمثل في أن المفاوضات لم تثمر أي تفاهمات، لاسيما أنه كان من المتصور أن تبدأ بمبادرة الحركة بوقف إطلاق النار ضد الحكومة والقوات الأميركية، إلا أن العكس هو ما حدث، حيث بدا لافتاً أن الحركة رفعت مستوى عملياتها أخيراً. فعلى سبيل المثال، شنت الحركة هجوماً على قاعدة أميركية فى شوراب بإقليم هلمند، أول مارس 2019، بينما نفذت ثلاث هجمات فى الفترة الأخيرة.

فضلاً عن ذلك، كانت هناك إشكاليات عدة تتعلق بجدول أعمال المفاوضات، زادت احتمال تعرضها للفشل، يتعلق أبرزها بغياب الضمانات، حيث لم يذكر على أي نحو أن الحركة قدمت ضمانات بوقف الهجمات ضد الجنود الأميركيين في أفغانستان، خصوصاً أولئك الذين سيقومون بعملية تدريب القوات الأفغانية.

سيناريوهات محتملة

على ضوء ذلك، يمكن طرح ثلاثة مسارات محتملة قد تتجه إليها العلاقات بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة: يتمثل الأول في التصعيد العسكري، حيث قد تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات قوية ضد الحركة في الفترة المقبلة، خصوصاً أن الأخيرة لم توقف عملياتها في الفترة التي أجريت فيها المباحثات. وقد عقَّب وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، على قرار الرئيس ترامب، بتأكيده أن «الولايات المتحدة ستواصل الضغط على (طالبان)، مع تقديم الدعم العسكري للقوات الحكومية».

وينصرف الثاني إلى مراجعة المسار، من خلال إعادة النظر فى نتائج المفاوضات. وقد أشار الرئيس ترامب إلى أن الحركة تهدف إلى تعزيز موقفها التفاوضي، بما يعني أنه يحاول قطع الطريق عليها للاستمرار في تحقيق ذلك. وفى المقابل أيضاً، بدت الحركة حريصة على عدم استبعاد خيار العودة إلى المفاوضات من جديد.

فيما يتعلق الثالث بتجميد المفاوضات، وذلك لحين نضوج الظروف التي يمكن أن تهيئ المجال أمام الوصول إلى اتفاق، على نحو بدا جلياً في حرص واشنطن على الربط بين استمرار الضغوط التي ستفرضها على «طالبان»، وبين قدرة الأخيرة على الالتزام بما يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات من نتائج.

تويتر