بمرور العقد الأول على قيامها

حركة «بوكو حرام» تصارع «الموت» في نيجيريا

صورة

على الرغم من أن الرئاسة النيجيرية أعلنت في بيان أصدرته، في 30 يوليو 2019، هزيمة حركة «بوكو حرام»، بعد 10 سنوات من العمليات الإرهابية، الذي قامت الأخيرة بشنها منذ عام 2009، وأدت إلى مقتل 27 ألف شخص ونزوح أكثر من مليونين آخرين، واتسع نطاقها إلى داخل دول الجوار، إلا أنها بدت حذرة في الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أن خطر التنظيمات الإرهابية تراجع في نيجيريا، على نحو يوحي بأن ثمة عوامل عدة مازالت تلك التنظيمات حريصة على استغلالها، بهدف تعزيز قدرتها على البقاء ومواصلة عملياتها الإرهابية، بعد الضربات العسكرية القوية التي تعرضت لها في الفترة الماضية، سواء داخل نيجيريا أو في دول الجوار.

دلالات عدة

كانت الرئاسة النيجيرية حريصة على توجيه تحذيرات من أن التنظيمات الإرهابية التقليدية تتراجع لمصلحة التنظيمات الجديدة التي تضم، حسب ما جاء في البيان الذي أصدرته، «خليطاً» من عناصر حركة «بوكو حرام» ومجموعات إجرامية وإرهابيين انتقلوا من دول في شمال إفريقيا وغربها، مستغلين تصاعد حدة الصراع المسلح في ليبيا والهزائم العسكرية التي تعرض لها تنظيم «داعش» في كل من سورية والعراق خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

ويتوازى ذلك مع التحذيرات التي أطلقتها اتجاهات عدة من أن منطقة غرب إفريقيا ربما تشهد تصاعداً في حدة العمليات الإرهابية من قبل بعض التنظيمات التي تسعى إلى تعزيز نفوذها داخل دولها خلال الفترة المقبلة، في ظل ما تتسم به من سيولة حدودية على نحو يضعف من قدرة الأجهزة الأمنية على منع تنقل الإرهابيين داخل دولها، أو رصد المجموعات الإرهابية الجديدة التي تقوم التنظيمات الرئيسة بتكوينها.

واللافت في هذا السياق، أن هذه التحذيرات جاءت في أعقاب اتساع نطاق الهجمات الإرهابية التي تشنها تلك التنظيمات، على غرار الهجوم الذي نفذه عناصر من «بوكو حرام» في شمال شرق نيجيريا، في 27 يوليو 2019، ما أسفر عن مقتل ما يقرب من 65 شخصاً، رداً على مقتل 11 عنصراً من مقاتليها قبل أسبوعين من قبل سكان محليين، بما يعني أن الهجوم كان بمثابة رسالة لإرهاب السكان المحليين، ودفعهم إلى عدم التعرض لعناصر الجماعة من جديد.

فضلاً عن ذلك، استمرت الهجمات التي تشنها الحركة ضد قوات الجيش، وكان آخرها الهجوم الذي استهدف ثلاثة مراكز في ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا، في بداية مارس 2019، وقامت به إحدى المجموعات الموالية لفصيل أبومصعب البرناوي التابع لتنظيم «داعش». ويتوازى ذلك مع استمرار الهجمات الإرهابية خارج نيجيريا، في ظل قدرة مقاتلي «بوكو حرام» على عبور الحدود مع دول الجوار، حيث أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في شمال الكاميرون، في 13 يونيو 2019، وأدى إلى مقتل نحو 30 شخصاً، بينهم 16 جندياً كاميرونياً.

عقبات مختلفة

قد يكون في مقدور السلطات النيجيرية توجيه ضربات قوية ربما تقلص من قدرة حركة «بوكو حرام» على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، لكن ذلك لا ينفي أنها مازالت تواجه صعوبات عدة في إلحاق هزيمة «نهائية» بالحركة، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- التماسك التنظيمي

تمكنت «بوكو حرام»، على عكس بعض التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في الفترة الماضية، من تعزيز تماسكها التنظيمي، بعد سيطرتها على الانقسام الذي نشب داخلها في أغسطس 2016، عندما قررت القيادة الرئيسة لـ«داعش» الإطاحة بزعيم الجماعة أبوبكر شيكاو، وتعيين أبومصعب البرناوي بديلاً له، وهو ما أدى إلى انقسام الحركة لفصيلين. إلا أن الحركة احتوت تداعيات الانقسام، لاسيما بعد أن تجنبت الاصطدام العسكري بين الفصيلين اللذين اتفقا على تقسيم مناطق النفوذ والنشاط، بل والتنسيق المستمر في التعامل مع الضغوط التي يتعرضان لها.

2- استغلال التضاريس الصعبة

كانت الحركة حريصة في المرحلة الماضية على تعزيز نفوذها في مناطق يصعب على قوات الجيش والشرطة الوصول إليها، بسبب تضاريسها الصعبة، وقد حولت تلك المناطق إلى بؤر انطلاق لشن هجمات ضد المدنيين والعسكريين في آنٍ واحد، مع السعي في الوقت نفسه إلى تقليص الخسائر البشرية التي يمكن أن تتعرض لها بسبب الضربات التي توجهها قوات الشرطة والجيش رداً على العمليات الإرهابية التي تشنها.

3- القدرة على الاستقطاب

مازالت الحركة قادرة على استقطاب عناصر إرهابية للانضمام إليها وتنفيذ عمليات إرهابية داخل نيجيريا وبعض دول الجوار، حيث قامت بتجنيد سيدات، على سبيل المثال، للمشاركة في تلك العمليات، مثل الهجوم الذي نفذته انتحارية تابعة للحركة في منطقة كايغا كيندجيريا بغرب تشاد، في 14 أغسطس 2019، وأدى إلى مقتل ستة أشخاص.

4- الحصول على ظهير محلي

أشارت اتجاهات عدة إلى أن الحركة تمكنت من تكوين أفرع لها داخل دول الجوار، مع القيام بنقل قيادات وكوادر لتدريب العناصر الإرهابية الجديدة التي استطاعت استقطابها للانضمام إليها، على نحو دفع بعض المسؤولين في دول الجوار إلى التحذير من مخاطر نجاح الحركة في الحصول على ظهير محلي لها داخل تلك الدول، إذ إن هذا الظهير يمكن أن يساعد الحركة في تعزيز قدراتها البشرية وتوفير المعلومات وإخفاء العناصر المتورطة في العمليات الإرهابية.

وفي هذا السياق، أشار الرئيس التشادي إدريس ديبي، في 4 يونيو 2019، إلى وجود «تواطؤ محلي» مع الحركة، داعياً إلى «الإبلاغ عن كل الذين يعملون حلقة وصل مع الإرهابيين والتنظيمات التي يتبعونها»، وذلك بعد الهجمات العديدة التي قامت الحركة بشنها داخل تشاد في الفترة الماضية.

هذه العوامل في مجملها تكشف أن المواجهة بين قوات الشرطة والجيش وحركة «بوكو حرام» في نيجيريا ودول غرب إفريقيا ستستمر خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل إصرار الحركة على مواصلة عملياتها الإرهابية، واستغلال الصراعات الداخلية والإقليمية من أجل تعزيز نفوذها وتوسيع نطاق سيطرتها.


المواجهة بين قوات الشرطة والجيش وحركة «بوكو حرام» في نيجيريا ودول غرب إفريقيا ستستمر، في ظل مواصلة الحركة عملياتها الإرهابية.

تويتر