12 عاماً.. وغزة تنزف انقساماً وتزداد بؤساً

في صيف عام 2007 تعرض الفلسطينيون لحدث مؤلم قسم ظهورهم، ومزّق قطبي وطنهم، إذ شهد قطاع غزة موجة من الاشتباكات المسلحة بين عناصر حركتي «فتح» و«حماس»، انتهت بسيطرة الأخيرة على القطاع، ما تسبب في الكثير من الأزمات التي اكتوى بنارها عامة الشعب، حيث عُزلت غزة تماماً عن الضفة الغربية والعالم الخارجي، وفُرض عليها حصار هو الأطول.

ذلك الحصار كان الشعرة التي قصمت ظهور الفلسطينيين، خصوصاً أهالي القطاع الذين يعدون ضحية الحدث الدامي ومن اكتوى بنتيجته الكارثية، إذ تعد غزة الشطر الثاني من الوطن المنقسم، الأكثر تضرراً من استمرار حالة الانقسام.

تبعات الانقسام ونتيجته المتمثلة في فرض الحصار، طالتا كل مجالات الحياة اليومية للغزيين، ولم تقتصر على النواحي السياسية والاقتصادية والإنسانية، بل لمست كل شريحة تتنفس الهواء المحاصر، فشؤون حياتهم كافة متوقفة على فتح المعابر المغلقة، وإدخال المواد الضرورية، وكذلك تصالح الأشقاء المتناحرين، وتحقيق الوحدة الوطنية.

ضحايا الانقسام ونتيجته

من أخطر تبعات الانقسام، هو عدد ضحايا حالة الاقتتال المسلح بين حركتي «فتح» و«حماس»، التي بدأت نهاية عام 2006، وانتهت بالسيطرة العسكرية للأخيرة على القطاع، والمقار الأمنية للسلطة الفلسطينية و«فتح»، صيف 2007.

ففي دراسة متكاملة أعدها مركز «الميزان» لحقوق الإنسان، أسفرت عملية الاقتتال الداخلي بين «فتح» و«حماس»، عن مقتل 300 مسلح من عناصر الطرفين، إلى جانب 22 مدنياً، و16 طفلاً، وخمس سيدات، نتيجة الاشتباكات المسلحة التي شهدتها مناطق القطاع قبل 12 عاما.

فيما أصيب خلال المواجهات المسلحة 1470 فلسطينياً، من بينهم 45 مدنياً، 50% منهم أصيبوا بأضرار بليغة وإعاقات دائمة، بالإضافة إلى من بُترت أطرافهم.

ويقول مدير مركز «الميزان» لحقوق الإنسان، عصام يونس: «إن عملية الاقتتال الداخلي وحالة الانقسام عبارة عن تسونامي ضرب الوطن، ومازالت هناك زلازل ارتدادية يعيش آثارها الأهالي حتى اليوم، فعندما يدور الحديث عن اشتباكات مسلحة داخل مدينة صغيرة تعد من أكثر المناطق اكتظاظاً في العالم، فإن الخسائر التي يتكبدها المجتمع كبيرة، من ضحايا وتدمير مؤسسات أهلية ودولية».

ويضيف أن «ضحايا الاقتتال من المصابين، خصوصاً من فقدوا أطرافهم، يعيشون معاناة لم تتوقف عند الجراح التي استقرت في أجسادهم، ليعيشوا مأساة قاسية من جانب آخر، حيث واجهوا صعوبة بالغة خلال السنوات الماضية في السفر للعلاج، في مستشفيات القدس والضفة الغربية والأردن، عبر المعابر التي تتحكم إسرائيل في فتحها وإغلاقها».

ويشير يونس إلى أن إغلاق المعابر ومنع المصابين، وكذلك المرضى وكافة شرائح المجتمع من السفر، جاءا بفعل فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع، كنتيجة مباشرة لحالة الانقسام، وسيطرة «حماس» على غزة، حيث يعيش الأهالي منذ تلك اللحظة في عزلة عن القسم الثاني من الوطن، وكذلك عن العالم الخارجي.

تأثر النسيج الاجتماعي

إهمال طرفَي الانقسام ملف المصالحة المجتمعية لضحايا الاقتتال، وعدم التوصل إلى اتفاقات تنهي حالة الانقسام، وتوحد شطري الوطن، أصابا النسيج الاجتماعي الداخلي في مقتل، وعقّد العلاقات الاجتماعية بين العائلات، خصوصاً التي قُتل أحد أفرادها خلال عملية الاشتباكات المسلحة.

وعن ذلك يقول مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، في حديثه لـ«الإمارات اليوم»، إن «عملية الاقتتال الداخلي، التي انتهت في يونيو 2007، لم تتوقف على السيطرة على المقار الأمنية، وعدد الضحايا المرتفع، وعزل غزة عن العالم، وفصلها عن الضفة الغربية، بل امتدت تداعياتها الخطيرة على مدار الأعوام اللاحقة، التي طالت جميع مناحي الحياة لشرائح المجتمع».

ويوضح أن استمرار حالة الانقسام دون التوصل إلى حلول شاملة، أثر في العلاقات الاجتماعية بين العائلات التي قُتل أفرادها، ولم تُرد لها حقوقها، مشيراً إلى أن ذلك يُحدث انعكاسات خطيرة على وحدة النسيج المجتمعي، الذي طالما اعتز بها الفلسطينيون جزءاً من ثقافتهم.

• استمرار حالة الانقسام، دون التوصل إلى حلول شاملة، أثر في العلاقات الاجتماعية بين العائلات التي قُتل أفرادها ولم تُردّ لها حقوقها، ما تسبب في انعكاسات خطيرة على وحدة النسيج المجتمعي، التي طالما اعتز بها الفلسطينيون جزءاً من ثقافتهم.

• إغلاق المعابر ومنع المصابين، وكذلك المرضى وكل شرائح المجتمع، من السفر، جاءا بفعل فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع، كنتيجة مباشرة لحالة الانقسام، وسيطرة «حماس» على غزة.

محاكاة الأزمات

 

 من كواليس أوبريت «كلاكيت آخر مرة» الغنائي. من المصدر

أزمات الانقسام لم تقتصر على ضحاياه وعائلاتهم، بل امتدت لتطال كل الشرائح، وتشمل جميع مجالات الحياة والجوانب الإنسانية والفنية والثقافية، فكل المشاهد الفنية، من أدب وشعر ومسرح، صُبغت بلون الانقسام والحصار، بفعل استمرار حالة التشرذم بين الفصائل المتناحرة.

ومن أكثر الأعمال الفنية التي جسدت الواقع المعاش نتيجة الانقسام، وخاطبت مأساة الشرائح كافة، معبرة عن آلامهم نتيجة استمرار الانقسام، مسرحية «آخر العنقود»، وهي فكرة اجتماعية سياسية عرضت بطريقة كوميدية، مسلطة الضوء على المشكلات كافة التي يعانيها المواطنون، أبرزها ارتفاع معدلات البطالة، والعنوسة، وقلة الدخل المادي.

وعلى الوجه الآخر أنتج عدد من الفنانين أعمالاً فنية عبّرت عن آمال أهالي غزة في تحقيق المصالحة الفلسطينية، للقضاء على تداعيات الانقسام، وإنهاء ويلاتهم بفعل استمراره، وأبرز تلك الأعمال أوبريت غنائي بعنوان «كلاكيت آخر مرة»، أنتج في عام 2018، من أداء مغني الراب الفلسطيني، إبراهيم غنيم، بمشاركة مجموعة من الشباب الذين شاركوا في إنتاج العمل الفني الغاضب من فشل طرفَي الانقسام من الاتفاق، رغم جولات المصالحة التي دارت على مدار 12 عاماً، من دون صمود إحداها في وجه الخلافات السياسية.

ويقول مخرج أوبريت «كلاكيت آخر مرة»، المخرج الفلسطيني الشاب، عمر العيماوي، لـ«الإمارات اليوم»: «جميع فئات المجتمع في غزة متأثرة بالانقسام وتعاني ويلاته، وهذا جعل معظم الأعمال الفنية تتطرق إلى أزماته الممتدة منذ عام 2007 حتى اليوم، فعلى صعيد عملي راودتني أفكار عدة عن هذا الجانب، وكان أبرزها (أوبريت كلاكيت آخر مرة)، الذي يسلط الضوء على أكبر وأعقد قضية تواجهها شرائح المجتمع».

ويضيف أن «طاقم عمل الأوبريت الشبابي أجمع على تنفيذ الفكرة التي استغرقت كتابتها وإصدار الألحان وتصوير المشاهد يومين، لننتج عملاً عبّر عن شعور الفلسطينيين في شطرَي الوطن المنقسم، ووجّه في الوقت ذاته رسالة إلى المسؤولين الفلسطينيين بضرورة صدق النيات للاجتماع حول موقف وطني موحد لإنهاء الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية».

تجدر الاشارة إلى أن الشاب العيماوي أخرج أكثر من فيديو كليب يحاكي أزمات الانقسام التي يعانيها المواطنون، كما أخرج فيلماً وثائقياً بعنوان «أولياء الدم»، تعمق في قضية ضحايا الاشتباكات المسلحة بين «فتح» و«حماس» من قتلى ومصابين، وعدم تنفيذ طرفي الانقسام ملف المصالحة المجتمعية الذي يكفل حقوق الضحايا.

المخرج الفلسطيني الشاب عمر العيماوي. من المصدر

الأكثر مشاركة