حالة من الغضب والغليان لاتزال تعتمل في الدولة

السودانيون بحاجة لإيصال صوتهم إلى العالم

صورة

انقضى أسبوعان على قيام ميليشيا الجانجويد سيئة الصيت، بالقيام بحملة وحشية لتفريق وقمع الانتفاضة الشعبية ضد حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير. ولاتزال الدولة في حالة صدمة، ففي العاصمة الخرطوم، لايزال الجو في حالة من الترقب حيث يتم إحصاء القتلى والمغتصَبين والذين تعرضوا للضرب. وأصبحت وجوه المفقودين أو الذين اعتبروا في عداد القتلى تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن عائلاتهم في حالة من الترقب على أمل مشاهدة مفقوديهم يظهرون على ضفاف النيل، حيث لاتزال ضحايا الجانجويد تطفو فوق الماء.

ولم يتم الكشف عن حجم الأعمال المرعبة التي تم ارتكابها حتى الآن.

وفي الوقت الذي بدأت تنتشر فيه تسجيلات الفيديو لهذه الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي عمدت الحكومة العسكرية إلى قطع الإنترنت، ما جعل الدولة برمتها تعيش في حالة من الظلام بينما يواصل «الجانجويد» حملتهم للاستيلاء على الدولة. وكان أفراد الميليشيا المتغطرسين يتنقلون في شوارع الخرطوم وهم يطلقون الرصاص بصورة عشوائية، يطعنون كل من يقابلهم بالحراب، ويتحرشون بكل من تقع أعينهم عليه.

ولقد كان التباين مؤلماً، بين الأيام التي شهدت إصرار السودانيين على مطالبهم، وهي ليست بعيدة، عندما كانت الخرطوم مكاناً للاعتصام الكبير الذي أصبح مركزاً ثقافياً وموقعاً للمصالحة الوطنية، وما حدث لاحقاً من أعمال وحشية، لقد شكل ذلك بالنسبة لي حالة من العذاب التي لا يمكن التخلص منها، والحقيقة أنها حدثت بسرعة، لقد اختنقت صرخة السودان من أجل الثورة في حلقه، واختلطت اللوحات الجدارية في الشوارع بدم المحتجين الذين جعلوا العصيان مدرسة عملاقة للأمل.

نعمة

ولكن السرعة التي تم فيها قمع الاحتجاجات ربما تكون النعمة التي تساعد على بقاء الثورة السودانية، ولم يكن هناك متسع من الوقت، ولا فترة فراغ دستوري، ولا فترة انتقالية يشعر الشعب خلالها بأن ثمة تغييراً حقيقياً قد حدث، ولهذا يعيشون حالة من الشعور الوهمي بالأمان. ولم يكن هناك أية اتفاقات أو تسويات يمكن أن تمنح الجيش أو الميليشيا الفرصة للتدخل. ولكن هذه المرة كانت العملية القمعية بنية عدم فسح المجال لأي هفوة أمنية من شأنها أن تساعد المحتجين على الحصول على مساعدة كما حدث سابقاً، لقد نسي النظام فصلاً كاملاً من قواعد لعبة مكافحة الثورات، والمتمثل في تلطيخ الحركة الثورية.

وأدى نفاذ صبر «الجانجويد»، والجيش، والافتقار إلى التخطيط التكتيكي، إلى جعلهم يندفعون نحو الأداة السياسية الوحيدة التي يعرفونها ألا وهي «المجزرة» ولم يكن هناك أي جهود تهدف إلى خلق نوع من الفُرقة بين المحتجين بصورة تدريجية، وبالتالي الوصول إلى تفرقة صفوفهم. ولم يكن هناك وقت لشن حملة مقنعة لتغيير آراء المحتجين بهدف تلطيخ سمعة الثورة، كأن يُقال بأنها انقلاب مدعوم من الخارج، ولم يمنح القادة المدنيون أية فرصة كي يتسلموا السلطة ويرتكبوا الأخطاء، الأمر الذي سيجعل الشعب نفسه يعود إلى الجيش طالباً العون منه. وكانت النتيجة أنه على الرغم من مقتل المئات من الأشخاص، وأن زعيم الجانجويد على ما يبدو الجنرال محمد حمدان داغلو المعروف باسم «حميدتي» أصبح صاحب الكلمة في السودان، إلا أن حالة من الغضب والغليان لاتزال تعتمل في الدولة، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، بصورة أشد قوة عما سبق. وظهرت جهود خرقاء تحاول إلقاء اللوم لما حدث من مجازر على المحتجين نتيجة تصرفاتهم غير الأخلاقية، وربما أن عملية القمع هذه قد نجحت، ولكن لم يتم قمع الثورة تماماً. وهي تعيد تجميع شتاتها في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة إجبار الدولة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

وكل ما كانت تريده الحكومة هو إعادة الأمور إلى طبيعتها وهي تعمل بقوة لتحقيق ذلك، ولهذا السبب فإنه من المهم الإشارة إلى أن التركيز على السودان لم يعد كما كانت عليه الحال في السابق، عندما كانت هناك حملة عالمية للفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان والتطهير العرقي في دارفور. ومن الواضح تماماً الآن مدى اختلاف العالم. ففي السابق كانت الولايات المتحدة منخرطة بقوة في الحرب على الإرهاب. ولم تكن مؤسسات دولية مثل محكمة الجزاء الدولية والأمم المتحدة قد انكشف مدى ضعفها وقلة حيلتها، نتيجة المعايير المزدوجة التي تستخدم في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان.

تقلص البنية التحتية

ولكن البنية التحتية لحقوق الإنسان والمدعومة بالعضلات الغربية قد تقلصت كثيراً الآن، فالولايات المتحدة يقودها الآن رجل متقلب، وأراهن على أنه لا يعرف أين يقع السودان على الخريطة. وبريطانيا متورطة في حروبها الخاصة بها، والمتعلقة بخروجها من الاتحاد الأوروبي «البريكست»، في حين أن أوروبا مهووسة بمشاغلها المتعلقة بأزمة اللاجئين لدرجة أنها وقّعت اتفاقاً مع القادة السودانيين العسكريين الذين يحكمون السودان الآن، حيث تقدم لهم المال كي يمنعوا خروج اللاجئين من السودان. وحتى لو كانت الآلية الأخلاقية لحقوق الإنسان قوية إلا أنه ثبت عدم فاعليتها، إذ إن العقوبات التي فرضتها سابقاً على حكومة السودان، عن طريق العقوبات الاقتصادية لم يكن لها تأثير يذكر إلا أنها أضرت كثيراً بالشعب السوداني، وعزّزت من قوة الدكتاتور الحاكم.

ولكن الأمور ليست كلها سلبية، إذ إن هناك قوة الخجل لاتزال تعمل، ومما يثبت ذلك أن الحكومة السودانية قطعت الإنترنت لهذا السبب، وكل من يريد مساعدة الشعب السوداني يمكنه القيام بذلك عن طريق مساعدته في إيصال رسالته إلى العالم في الوقت الذي انقطعت فيه الإنترنت. وهذه الرسالة توضح جيداً أن حالات القتل والاغتصاب والتعذيب لم تنجح في تحقيق هدفها، وأنه على الرغم من أنها لاتزال تحدث في السودان فإن معاناة الشعب السوداني لن تكون بلا جدوى، ويجب رفع صوت السودانيين وإيصاله إلى العالم، والقيام بحملات لجمع المساعدات الطبية للسودانيين ودعم الصحافيين الذين يغطون المشكلات في السودان.

• التركيز على السودان لم يعد كما كانت عليه الحال في السابق، عندما كانت هناك حملة عالمية للفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان والتطهير العرقي في دارفور.

• ظهرت جهود خرقاء تحاول إلقاء اللوم لما حدث من مجازر على المحتجين نتيجة تصرفاتهم غير الأخلاقية، وربما أن عملية القمع هذه قد نجحت، ولكن لم يتم قمع الثورة تماماً. وهي تعيد تجميع شتاتها في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة إجبار الدولة للعودة إلى الحياة الطبيعية.

نسرين مالك - كاتبة في الـ«غارديان»

تويتر