إيران سترد على أي هجوم أميركي

تشديد العقوبات على إيران يزيد فرص الحرب في الشرق الأوسط

صورة

أسهمت الهجمات التي وقعت الأسبوع الماضي في خليج عمان، والتي استهدفت ناقلة نفط نرويجية، وأخرى يابانية، في زيادة التوتر في الشرق الأوسط، وتأجيج الوضع بين إيران من جهة والولايات المتحدة ودول الخليج من جهة أخرى. يجب على واشنطن ألا تترك إيران مُعلقة في صنارة، إذ من المحتمل أن تكون طهران مسؤولة عن هذا الهجوم الذي لا يُغتفر. في الوقت نفسه، يجب على المراقبين أن يُدركوا أن الهجوم هو نتيجة مباشرة لفشل إدارة الرئيس دونالد ترامب، من خلال اعتماده استراتيجية الضغط القصوى، التي تهدف إلى إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن، ولكنها تدفع البلدين بدلاً من ذلك إلى صراع مسلح.

على الرغم من أن إدارة الرئيس ترامب تفتقر إلى الصدقية، وهناك بالتأكيد صقور داخل الإدارة على استعداد لتضخيم المعلومات الاستخباراتية، من المؤكد أن إيران تقف وراء الهجوم، فلدى إيران تاريخ في القيام بهذه الأنواع من العمليات، مثل الهجوم الذي وقع الشهر الماضي.

اعترافاً بأن هذه العملية كانت على الأرجح عملية إيرانية، وأنه يجب على الولايات المتحدة تحميل طهران المسؤولية، من المهم، أيضاً، أن ندرك الدافع وراء الهجوم، والمتمثل في استراتيجية الضغط القصوى لإدارة ترامب. منذ مغادرة الاتفاق النووي مع إيران، في مايو 2018، تبذل إدارة البيت الأبيض كل ما في وسعها لخنق الاقتصاد الإيراني من خلال العقوبات. لمدة عام، ردت طهران بالبقاء في الصفقة، ومحاولة استخدام هذا التقييد لعزل الولايات المتحدة، والحصول على الدعم من الصين وروسيا وأوروبا.

لقد حققت إيران هدف فصل الولايات المتحدة عن بقية الدول (5 + 1) التي وقعت على الاتفاق النووي لعام 2015 (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، وألمانيا)، لكنها لم تتمكن من ترجمة هذا الإنجاز السياسي إلى فوائد اقتصادية، لأن الشركات في هذه البلدان لم تكن راغبة في المخاطرة بفقدان الوصول إلى الأسواق الأميركية، لذلك آمن ترامب بالاستمرار في الضغط على إيران دون مواجهة الانتقام.

لكن يبدو أن إيران لديها ما يكفي، فالقشة التي قصمت ظهر البعير كانت على الأرجح قرار إدارة ترامب في أوائل مايو بعدم منح أي إعفاءات إضافية للدول التي تشتري النفط الإيراني، في محاولة لوقف مبيعات النفط الإيرانية نهائياً. مع القليل الذي تخسره، يبدو أن إيران بدأت الآن في ضرب ناقلات النفط في الخليج كوسيلة لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة ودول الخليج، مفادها أن هناك تكاليف لاستمرار حملة الضغط القصوى.

ادعاء سخيف

عندما بدأت الهجمات في الشهر الماضي، ردت إدارة ترامب بنقل المعدات العسكرية علناً إلى الشرق الأوسط، وتهديد مباشر من مستشار الأمن القومي جون بولتون. قال البيت الأبيض إنه استعاد الردع الذي تبخر في عهد إدارة أوباما، وهو ادعاء سخيف، لأن إيران لم تتبع هذه الأنواع من الإجراءات منذ بدأت واشنطن وطهران التفاوض بجدية في عام 2013. لم يكن هناك شيئ مفقود لاستعادته. كانت هذه أزمة من صنع إدارة ترامب.

وجاءت الهجمات بينما كان شينزو آبي يقوم بأول زيارة لرئيس وزراء ياباني إلى طهران منذ 40 عاماً. وقد تدعم أصوات أكثر واقعية، مثل الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، بعض هجمات التخريب الهادئة لإرسال رسالة، لكن هذه الأصوات لن تدعم تنفيذها على نحو يحرج آبي ويقوض الزيارة التاريخية. حقيقة أن هذه الهجمات وقعت بعد يوم من اجتماع رئيس الوزراء الياباني مع المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أعلن بعدها رفضه لجهود آبي للتوسط بين إيران والولايات المتحدة، ويبدو أن هذا يشير إلى أن البراغماتيين لم يعد لهم دور في القيادة.

منذ انتخاب ترامب في عام 2016 والانسحاب الأميركي من الصفقة النووية، العام الماضي، تمكن ظريف وروحاني من الاستمرار في السيطرة على الملف الدبلوماسي، ولكنهما كانا، في الوقت نفسه، يقاومان الانتقادات الشديدة من قبل المتشددين. حتى إعلان روحاني، الشهر الماضي، بأن إيران ستمنح القوى العالمية 60 يوماً للوفاء بالالتزامات الاقتصادية التي وعدت بها في الصفقة النووية قبل التوقف عن العمل بالاتفاقية، كانت له مقاربة تدريجية حذرة دعا إليها الرئيس، السنة الماضية. وتمثل أحداث الخميس الماضي خروجاً مثيراً عن تلك الاستراتيجية، وقد تشير إلى قرار خامنئي ومن حوله باتباع سياسة أكثر عدوانية ومواجهة مع الولايات المتحدة، ما سيزيد بشكل كبير من فرص نشوب صراع.

مفاوضات جديدة

كان آبي في إيران بتشجيع من ترامب، الذي لايزال يرغب في مفاوضات جديدة مع إيران، حتى وهو يحاول خنق اقتصادها. أفضل طريقة للتواصل مع ترامب مباشرة هي من خلال رئيس دولة يمكنه أن يقوم بدور، بعيداً عن وزير الخارجية مايك بومبيو وبولتون وآخرين. كانت دعوة كوريا الجنوبية المباشرة إلى ترامب هي التي دفعت بمفاوضات كوريا الشمالية، العام الماضي، والمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ترامب في ديسمبر 2018، والتي أدت تقريباً إلى انسحاب جميع القوات الأميركية من سورية.

كان بإمكان آبي توفير قناة مماثلة لإيران لتهدئة التوترات. بدلاً من ذلك، يتم تدمير الجسر، والأسوأ من ذلك، قد يرى ترامب هذه التطورات بمثابة إهانة مباشرة، فهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن الرئيس الأميركي لا يريد حرباً طويلة في الشرق الأوسط، ولكن أحد الطرق لاستفزازه هو إحراجه علناً.

رد فعل بومبيو الأولي على هجمات الناقلات كان دعوته إلى التحرك الدبلوماسي في الأمم المتحدة، وليس العمل العسكري. لكن ليس هناك شك في أنه في الأيام المقبلة ستكون هناك أصوات في واشنطن وفي الإدارة تضغط من أجل ضرب إيران. سيدافعون عن شيء مشابه للضربات المحدودة التي أمر بها ترامب ضد نظام بشار الأسد في سورية في عام 2017، وسيدعون أن إيران لن ترد إذا أرسلت الولايات المتحدة رسالة واضحة بضرب المنشآت البحرية الإيرانية.

لا يجب تصديق هذه الحجج، فالمنطق نفسه يقول إن ترك الصفقة النووية، وممارسة أقصى قدر من الضغط، لن يؤديا إلى أي رد إيراني. إيران ليست «بقايا دولة» يحكمها الأسد، دمرتها سنوات الحرب الأهلية، فطهران لديها القدرة على الرد بقوة، وعلى الأرجح ستستجيب للضربات بهجمات على القوات الأميركية، أو المزيد من الأعمال البحرية، أو من خلال إطلاق الصواريخ على القواعد العسكرية في دول الخليج. خطر التصعيد مرتفع، ولا يستحق الكلفة. ستكون هذه لحظة حكيمة لكي يتبع ترامب النصيحة بعدم الوقوع في حرب، وألا يُورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط.


إيران حققت هدف فصل الولايات المتحدة عن بقية الدول (5+1) التي وقّعت على الاتفاق النووي لعام 2015 (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، وألمانيا)، لكنها لم تتمكن من ترجمة هذا الإنجاز السياسي إلى فوائد اقتصادية، لأن الشركات في هذه البلدان لم تكن راغبة في المخاطرة بفقدان الوصول إلى الأسواق الأميركية، لذلك آمن ترامب بالاستمرار في الضغط على إيران دون مواجهة الانتقام.

كان آبي في إيران بتشجيع من ترامب، الذي لايزال يرغب في مفاوضات جديدة مع إيران، حتى وهو يحاول خنق اقتصادها.

تويتر