التوترات الأميركية - الإيرانية.. الحسابـات والمآلات

تُصعّد الولايات المتحدة من ضغوطها على النظام الإيراني بعد إعادة فرض العقوبات على الاقتصاد الإيراني، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2016، في إطار سياسة أميركية عُنوانها «الضغط الأقصى»، شملت: تسمية الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وإنهاء الإعفاء الذي سمح لبعض الدول بشراء النفط الإيراني، إضافة إلى فرض عقوبات إضافية ضد قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس في طهران، التي تُشكّل أكبر مصدر لإيرادات الصادرات غير البترولية، وتمثل 10% من صادراتها، وذلك لمزيد من إضعاف الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن إرسال حاملة طائرات، وقاذفات بي-52، وصواريخ باتريوت، وإعادة انتشار القوات الأميركية في مياه الخليج العربي، ناهيك عن تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بردٍّ قاسٍ إذا هددت طهران القوات الأميركية ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة.

وتهدف إدارة ترامب من سياسة «الضغط الأقصى» ضد إيران إلى منعها من الإقدام على أية خطوة محتملة قد تحاول من خلالها رفع كلفة تلك الإجراءات العقابية التي تتعرض لها، وهو ما يمكن أن يفرض - بدوره - تداعيات مباشرة على دول الأزمات، لاسيما سورية والعراق ولبنان واليمن، وهي الدول التي تسعى طهران إلى استغلال نفوذها لدى بعض الميليشيات الإرهابية الموجودة بها في سياق تصعيدها الحالي مع واشنطن.

في المقابل، فإن إيران مارست التصعيد من قبلها، حيث هدد الرئيس حسن روحاني بالانسحاب من الاتفاق النووي، وبدأت الميليشيات التابعة لطهران في التعرض لمصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، حيث استهدفت أربع سفن في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات قبالة سواحل إمارة الفجيرة، وضربت محطتين لضخ النفط بالسعودية بواسطة طائرات مُسيّرة، فضلاً عن تصريحات لمسؤولين إيرانيين بالرد القاسي على أية ضربة عسكرية أميركية، إضافة إلى بدء التحرك على المستوى الدولي من أجل التواصل مع القوى الدولية المعنية، سواء باستمرار العمل بالاتفاق النووي أو بالعلاقات الثنائية معها.

ويُنذر التصعيد الأميركي - الإيراني المتبادل باحتمالات اندلاع مواجهات عسكرية بينهما، لكن هناك بعض التحليلات التي تُشير إلى تضاؤل فرص حدوثها في مقابل سعي كل طرف لتعزيز موقفه التفاوضي في المرحلة المقبلة. وتسعى طهران لتحقيق ذلك عبر استخدام نفوذها في الإقليم، لاسيما في دول الأزمات، قبل أن توافق بالفعل على قبول هذا الخيار. ويتوازى ذلك مع حرصها - في الوقت نفسه - على تعزيز قدرتها على مواجهة تداعيات العقوبات الأميركية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة المقررة في نوفمبر من العام المقبل، عسى أن تُسفر في النهاية عن تغيير الإدارة الأميركية الحالية، بشكل قد يؤدي إلى حدوث تحول كبير في سياسة واشنطن تجاهها.

وعليه يُناقش هذا الملف، الذي ينشر على ثلاث حلقات، ملامح التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ومؤشرات التصعيد المتبادل، وتأثير التهديدات الإيرانية للمنطقة على أسواق النفط العالمية، واحتمالات اندلاع مواجهات عسكرية بينهما، والتفسيرات التي تُقلل من فرصها، والخيارات الإيرانية لمنع تعرضها لضربة عسكرية، والسعي كلما أمكن للحفاظ على مصالحها، واحتمالات أن يكون التصعيد مدخلاً للتفاوض بين كل من واشنطن وطهران.

بهدف ممارسة ضغوط إضافية (3 - 3)

واشنطن تفرض عقوبات لإصابة قطاع التعدين الإيراني بالشــــــــــــــــــــــلل

تصاعدت حدة الضغوط الأميركية على إيران خلال الفترة الأخيرة، حيث فرضت الولايات المتحدة، في 8 مايو 2019، عقوبات على قطاع التعدين بهدف حظر الصادرات الإيرانية من منتجات الصلب والنحاس والألمنيوم للأسواق الدولية، على نحو قد ينتج تداعيات اقتصادية سلبية، منها حرمان طهران من أهم مصادر عائدات صادراتها غير النفطية، وإبطاء برنامجها التوسعي للقطاع، فضلاً عن قطع إمدادات المنتجات المعدنية عن القطاعات المدنية (مثل السيارات) والعسكرية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران من أجل دفعها إلى القبول بخيار التفاوض مع الولايات المتحدة.

تصعيد جديد

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً، في 8 مايو الجاري، يقضي بفرض عقوبات على قطاع التعدين في إيران، وبموجبها لن يُسمح للشركات والكيانات في العالم بإجراء أية تعاملات تجارية مع إيران في هذا القطاع، أي يحظر عليها استيراد منتجات المعادن الإيرانية، بما في ذلك الحديد والصلب والنحاس والألمنيوم.

وسبق أن أدرجت الإدارة الأميركية قطاع التعدين في جولة العقوبات المفروضة في أغسطس 2018، بيد أن عملاء إيران في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط استمروا في استيراد المنتجات المعدنية الإيرانية دون الأخذ في الاعتبار هذه العقوبات، وذلك بسبب الجودة العالية للمنتجات الإيرانية ورخصها.

ولدى إيران صناعات تعدينية قوية تشمل بالأساس الحديد والنحاس بجانب الألمنيوم، وتدير معظمها الشركات الحكومية أو شبه الحكومية. وخلال 10 أشهر من السنة المالية الإيرانية الماضية (مارس 2018- يناير 2019)، تجاوز إجمالي المنتجات المعدنية في إيران نحو 65 مليون طن، صدرت منها ثمانية ملايين طن، أي أقل من 12% من إجمالي الإنتاج.

وفي العادة، يأتي الصلب على قائمة الصادرات المعدنية بما يتجاوز 7.5 ملايين طن، وبقيمة 3.9 مليارات دولار، يليه النحاس بـ138 ألف طن، بما يقارب من 700 مليون دولار، وغيرهما من المعادن التي تبلغ قيمتها الإجمالية خمسة مليارات دولار، حيث تشكل معاً نحو 11% من الصادرات غير النفطية، أو نحو 5% من إجمالي صادراتها للعالم.

آثار محتملة

تفرض جولة العقوبات الأميركية الجديدة على قطاع التعدين الإيراني تداعيات اقتصادية، عدة:

أولها، حرمان إيران من عائدات صادرات تقدر بخمسة مليارات دولار. وعلى الرغم من أنها لا تمثل رقماً كبيراً قياساً بالخسارة المتوقعة لصادرات النفط بقيمة 50 مليار دولار، وفقاً لبعض التقديرات، إلا أنها ستؤدي إلى زيادة الضغوط المالية عليها.

وربما تكون الشركات الحكومية أكثر المتضررين من هذه الخطوة، حيث إن أكبر ثلاث شركات منتجة للصلب في البلاد مملوكة للدولة، وتنتج معاً أكثر من 50% من الحديد والصلب، فيما تعتبر صناعة الألمنيوم مملوكة بشكل شبه كامل للدولة، مع العلم بأن الحرس الثوري الإيراني لديه بعض الحصص في شركات الألمنيوم، بما يعني أنه هو الآخر سيحرم من دخل إضافي بسبب العقوبات.

وثانيها، إبطاء برنامج إيران للتوسع في الصناعات المعدنية، حيث كان لدى الأخيرة طموح في أن تصبح سادس أكبر منتج للصلب في العالم، ومضاعفة الطاقة الإنتاجية من 30 مليون طن إلى 55 مليون بحلول عام 2025. فيما كان من المقرر خلال هذا العام تشغيل بعض مصاهر الألمنيوم الجديدة، التي من المفترض أن تضيف 300 ألف طن منه.

وبناءً عليه، يمكن القول إن حظر الصادرات الإيرانية من المنتجات المعدنية سيدفع طهران إلى خفض طاقتها التشغيلية، وغلق بعض خطوط الإنتاج الجديدة والقديمة، وتسريح عدد ليس بقليل من العمالة في هذا القطاع، فيما لم تتمكن من استيراد المواد الخام اللازمة للصناعات المعدنية بسبب العقوبات الجديدة، أو العقوبات المالية والمصرفية المفروضة عليها.

وثالثها، توسيع نطاق الضغوط على القطاعات الأخرى، حيث من المتوقع أن ينتقل أثر هذه العقوبات إلى الصناعات الأخرى، مثل السيارات أو حتى الصناعات العسكرية، التي لن تتمكن من الحصول على احتياجاتها من المنتجات المعدنية بسبب صعوبات الاستيراد من الأسواق الدولية أو ركود القطاع المحلي. وفي العادة، كانت إيران تحصل على احتياجاتها من المواد الخام اللازمة للقطاع من دول خارج المنطقة على غرار الصين وكوريا الجنوبية وكازاخستان وروسيا.

ورابعها، تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، حيث إن هذه الخطوة تأتي بعد أن ألغت الإدارة الأميركية، في 2 مايو الجاري، الإعفاءات الممنوحة لثماني دول لمواصلة شراء النفط الإيراني بهدف حرمان إيران من إيرادات نفطية حيوية تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار سنوياً، الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد حدة المشكلات الاقتصادية، مثل تدهور قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، واتساع عجز الموازنة العامة.

وخامسها، تعرّض الأسواق المستوردة للمنتجات المعدنية الإيرانية لمشكلة مؤقتة بانقطاع الإمدادات لحين استبدالها بمنتجات من أسواق أخرى. ولكن، في المجمل، تشير التقديرات إلى أن إيران منتج صغير نسبياً للمعادن عالمياً، حيث يبلغ إنتاجها أقل من 3% من الإمدادات العالمية من المعادن، ومن ثم لا يتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على استقرار الأسواق الدولية أو أسعار خامات الحديد والصلب والنحاس.

وبخصوص فعالية هذه العقوبات، تشير بعض التقديرات إلى أن الإدارة الأميركية ربما تواجه صعوبات في وقف الصادرات الإيرانية من المنتجات المعدنية بشكل كامل. فبخلاف تجارة النفط، تعد تجارة المعادن في إيران غير مركزية، حيث يتم إجراء المعاملات التجارية في هذا القطاع بين عدد كبير من الشركات الإيرانية من ناحية وشركات أجنبية صغيرة ومتوسطة الحجم من ناحية أخرى، ما يعني صعوبة تتبع هذه المعاملات، فضلاً عن أن إيران قد تلجأ إلى تصدير منتجاتها أو تهريبها لبعض أسواق التصدير الرئيسة القريبة منها، مثل العراق وأفغانستان، التي يصعب مراقبتها بسب القرب الجغرافي وسيولة الحدود معها.

ورغم ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة ربما لن تسمح لعملاء إيران بمواصلة استيراد المنتجات المعدنية من أجل تطبيق العقوبات بفاعلية، وزيادة الضغوط الاقتصادية على إيران لدفعها نحو التفاوض مرة أخرى حول اتفاق جديد.

• بعض التقديرات تشير إلى أن الإدارة الأميركية ربما تواجه صعوبات في وقف الصادرات الإيرانية من المنتجات المعدنية بشكل كامل. فبخلاف تجارة النفط، تعد تجارة المعادن في إيران غير مركزية، حيث يتم إجراء المعاملات التجارية في هذا القطاع بين عدد كبير من الشركات الإيرانية من ناحية وشركات أجنبية صغيرة ومتوسطة الحجم من ناحية أخرى، ما يعني صعوبة تتبع هذه المعاملات.

• إيران قد تلجأ إلى تصدير منتجاتها أو تهريبها لبعض أسواق التصدير الرئيسة القريبة منها، مثل العراق وأفغانستان، التي يصعب مراقبتها بسبب القرب الجغرافي وسيولة الحدود معها.

الأكثر مشاركة