بعد أن وصلت المشكلات إلى درجة الأزمة

حان الوقت لأسلوب جديد في التعامل مع دول البلقان

قادة أوروبا أدركوا أنه يجب التركيز على الحلول الحقيقية، للمشكلات التي تعصف بدول غرب البلقان. أرشيفية

عند مراقبة دول البلقان، أظهرت قمة برلين الأخيرة أن قادة ألمانيا وفرنسا أدركوا أنه يجب التركيز على الحلول الحقيقية، للمشكلات التي تعصف بدول غرب البلقان.

وثمة زاوية في رؤية «أوروبا الشاملة الحرة والآمنة» لاتزال غير آمنة هي دول غرب البلقان، التي كان يطلق عليها سابقاً يوغسلافيا، قبل أن تنقسم نتيجة اندلاع الحرب الأهلية فيها والتطهير العرقي ووقوع المذابح. وتتألف دول غرب البلقان من: البوسنة، وكوسوفو، والصرب، ومقدونيا الشمالية، ومونتينغرو، وهي تعيش الآن حالة من الهدوء. لكنه هدوء خادع. وتعيش المنطقة حالة من الاضطرابات، يمكن أن تنتشر بسهولة في شتى أنحاء أوروبا، وتؤثر في مصالح وأمن الولايات المتحدة.

وأكثر هذه المشكلات صعوبة هي العلاقة بين صربيا وجارتها المستقلة الآن كوسوفو، وتتركز الصراعات في البوسنة والهرسك حول الهوية والبقاء. وترجع جذور هذا الصراع إلى الحرب التي طرحت أسئلة أساسية حول الهوية.

وتبدو هذه المشكلات مثل العظم المكسور الذي تم تجبيره على عجل وشفي ولكن بصورة خاطئة، وتؤثر في كل شيء، وستثير المتاعب بصورة متواصلة، هذه المتاعب التي وصلت مرة أخرى إلى مرحلة الأزمة. وإضافة إلى كل هذه القضايا، تعاني هذه المنطقة وباء الفساد، وضعف الدولة، والحكم بالمحسوبية وليس القانون.

وتنامى النفوذ الروسي أيضاً في دول البلقان الغربية، خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن قدرتها على لعب دور حاسم في المنطقة لايزال محدوداً، فإن روسيا يمكن أن تلعب دوراً تخريبيا. وإزاء كل ذلك، ما العمل لإصلاح هذا الوضع؟

حاولت أوروبا والولايات المتحدة إصلاح هذه المنطقة لكنهما لم تنجحا. وثمة حاجة إلى أساليب جديدة للتعامل مع هذه المنطقة، تعترف بخطورة المشكلة وبأنها تتطلب وقتاً طويلاً وأموالاً طائلة لإصلاحها. وأخطأت محاولات الإصلاح السابقة في طريقتين: تجاهل المشكلات الحقيقية، ومحاولة فعل الكثير بسرعة كبيرة.

تحويل الاهتمام

ولسنوات عدة شجعت أوروبا والولايات المتحدة القادة المحليين على تحويل اهتمامهم من المشكلات الصعبة، التي جلبت لهم الصراعات المريرة مع بعضهم بعضاً، إلى العمل الفني والسياسي للاندماج مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وكان الأمل من هذا المسعى هو حلحلة المشكلات الصعبة بحيث يصبح بالإمكان حلها. وبات جلياً الآن أن مثل هذا الأسلوب لن ينجح.

وعلى الرغم من ذلك، كان مصير كل محاولة لاجتراح معجزة، سواء في مجال إعادة صياغة دستور البوسنة، أم تجسير الفجوات بين بلغراد وبريشتينا، هو الفشل المحتم. وأي حل مقبول سيتطلب تنازلات مؤلمة. ولا يمكن حل هذه المشكلات بين عشية وضحاها. وهي لن تنتهي مع دخول دول البلقان إلى الاتحاد الأوروبي. كما أنها تحتاج إلى صبر وعناية خلال سنوات عدة من قبل الشعب وبقيادة لاعبين قادة محليين، وبدعم من أوروبا والولايات المتحدة.

البحث عن الحلول

وينبغي أن يستمر البحث عن الحلول، ولكن بهدوء، ويفضل أن يكون بعيداً عن أضواء الإعلام، ودون توقعات خيالية في الفوز السريع. ويمكن أن يساعد اللاعبون الخارجيون في المجال الدبلوماسي، بعيداً عن أعين العامة والصحف. ومن المفهوم أن التقدم يمكن أن يستمر لفترة طويلة والمكتسبات الإضافية يمكن أن تضيع من خلال عقبات فجائية.

وفي الوقت الذي يتم فيه البحث عن أجوبة لمشكلات البلقان الكبيرة، والتقدم نحو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ينبغي على أوروبا أن تقدم العون للمنطقة كي تتمكن من إعادة اللحمة بين هذه الدول، وإعادة بناء العلاقات مع الدول المجاورة إلى أكبر درجة ممكنة. وأنها لسخرية محزنة أن يكون السفر من إحدى الدول المكونة ليوغسلافيا السابقة أكثر صعوبة من الرحلة من باريس إلى وارسو. وفي الواقع فإن حرية حركة الناس والأفكار والأموال والبضائع والخدمات ضمن دول البقان ومع المنطقة وأوروبا ككل، من شأنها أن تساعد كثيراً على بناء الثقة، وتعزز المطالبة بالحكومة الرشيدة.

ولايزال الاندماج مع السياسة، والاقتصاد والأمن الغربي هدفاً ضرورياً، لكنه لايزال بحاجة إلى سنوات عدة لتحقيقه. ومع ذلك فإن الاندماج لن يكون بحد ذاته، هو الحل للمشكلات السياسية في المنطقة. والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو هما الوحيدان اللذان يقبلان بالدول المنظمة جيداً، والمتصالحة مع نفسها ومع جيرانها.

تحدٍّ مختلف

والحاجة الملحة لاستقرار منطقة البلقان يؤكدها النجاح الذي تم تحقيقه أخيراً. إنه كان ثمة تحدٍّ من نوع آخر، عندما رفضت اليونان قبول اسم جارتها مقدونيا. وتمكنت الجارتان من حل المشكلة بتنازل جديد في الاسم حيث أصبحت «مقدونيا الشمالية»، وكان هذا أكثر الحلول سهولة في مشكلات البلقان الكبيرة. ومع ذلك فقد استغرق ذلك نحو 30 عاماً، وبتكاليف كبيرة، إذ إن مقدونيا خسرت نحو 15 عاماً من التقدم نحو حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي والناتو، نظراً إلى أن نوعية الحكم فيها انحدرت من الأفضل إلى الأسوأ في المنطقة.

وتسير مقدونيا الشمالية الآن في طريق صعب ولكنه يدعو للتفاؤل. وليس هناك الكثير من الوقت لتضيعه دول البوسنة وكوسوفو وصربيا وبقية المناطق. وقد حان الوقت من أجل قيادة أوروبا بالتعاون مع الولايات المتحدة، لإعادة التركيز على دول البلقان الغربية، ومنح المنطقة وقضاياها الاهتمام الذي تستحقه، والاستقرار والازدهار اللذين تنادي بهما أوروبا والحلفاء الغربيون.

وبناء عليه، ليس كافياً الاعتماد على الآليات الموجودة حالياً، لمعالجة هذه التحديات في غرب البلقان. وكان القادة الأوروبيون على صواب في انخراطهم لإيجاد حل للمشكلات البلقانية، وينبغي على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتقديم الدعم لهذه الجهود.


- حان الوقت من أجل قيادة أوروبا، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لإعادة التركيز

على دول البلقان الغربية، ومنح المنطقة وقضاياها الاهتمام الذي تستحقه،

والاستقرار والازدهار اللذين تنادي بهما أوروبا والحلفاء الغربيون.

- لسنوات عدة، شجعت أوروبا والولايات المتحدة القادة المحليين على تحويل

اهتمامهم من المشكلات الصعبة، التي جلبت لهم الصراعات المريرة مع

بعضهم بعضاً، إلى العمل الفني والسياسي للاندماج مع الاتحاد

الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي.

تويتر