بهدف حماية مسؤولين من حكومة سلفا كير

توجّه أميركي لإلغاء محكمة جـرائم الحرب في جنوب السودان

صورة

يقوم دبلوماسيون أميركيون سابقون، الآن، بالضغط لمصلحة دولة جنوب السودان لمنع تشكيل محكمة جرائم حرب، على الرغم من أن حكومة جوبا وافقت على إنشاء هذه المحكمة كجزء من اتفاق السلام الذي تدعمه الولايات المتحدة، وذلك وفق ما كشفت عنه وثائق مجموعة الضغط.

واستأجرت حكومة جنوب السودان شركة «غينفول سولوشنز انك»، وهي مجموعة ضغط مقرها في ولاية كاليفورنيا، في عقد يستمر لمدة عامين بقيمة 3.7 ملايين دولار، بهدف تعزيز العلاقات بين جنوب السودان وإدارة الرئيس دونالد ترامب. ومن ضمن الأشياء المطلوبة من مجموعة الضغط الدفع باتجاه «التأجيل، وفي نهاية المطاف منع تأسيس محكمة مختلطة متوقعة» بموجب اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة بقيادة الرئيس سلفا كير ومنافسه اللدود زعيم المعارضة رياك مشار.

وقدمت حكومة الولايات المتحدة، التي تدعم اتفاق السلام، 4.8 ملايين دولار من خلال الاتحاد الافريقي لتأسيس المحكمة، وفق ما أكده متحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية لمجلة فورين بوليسي، حيث قال «المشروع قيد التأسيس».

ويوفر عقد الضغط لمحة صريحة عن أهداف حكومة جنوب السودان لتقويض اتفاق السلام الذي التزمت به. وأثار عمل مجموعة الضغط غضب مسؤولين حاليين وسابقين أميركيين جراء تورط دبلوماسيين سابقين في العقد المذكور للحصول على ملايين الدولارات من سلفا كير، الذي تتهم حكومته بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات في جنوب السودان.

ويدير الدبلوماسي الأميركي السابق مايكل رانبيرغر شركة «غينفول سولوشنز»، بعد أن عمل سفيراً لواشنطن في كينيا في الفترة ما بين 2006 حتى 2011، يشاركه الناشط في مجال ممارسة الضغط سهيل نزير كنغرلو. وكانت الموظفة السابقة في وزارة الخارجية بيري نيومان، المسؤولة في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية في ظل إدارة جورج بوش الابن، قد تم تعيينها مستشارة وفق ما كشفت عنه الملفات والوثائق في وزارة العدل.

نقض التعهدات

وتشير هذه الملفات التي يرجع تاريخها إلى 18 أبريل الماضي، إلى أن حكومة جنوب السودان تنقض تعهداتها بمعالجة جرائم الحرب، وفق ما ذكره المسؤولون السابقون والحاليون الذين تحدثوا عن ذلك مع «فورين بوليسي». وفي الوقت الذي كانت فيه حكومات أجنبية مثل السودان تتفق مع مجموعات ضغط كي تخفف العقوبات الاميركية المفروضة عليها، كانت حكومة جنوب السودان - كما كشفت الملفات - تطلب من شركة غينفول سولوشنز الغاء العقوبات الحالية ومنع عقوبات محتملة.

لكن نيومان «لا تؤيد الغاء المحكمة، ولن تشارك في أي جهود تهدف الى تفكيكها»، وفقاً للبيان الذي نشرته بعد نشر «فورين بوليسي» قصة العقد. وقال البيان إن دور نيومان في المشروع «محدود جداً»، مشددة على أنها ليست موظفة في شركة غينفل سولوشنز. وقال الدبلوماسي والموظف في مجلس الأمن القومي الاميركي سابقاً بشأن قضية جنوب السودان، كاميرون هدسون: «تقريباً لم يكن معروفاً أن هذه الشركة حصلت على المال مقابل المساعدة على تقويض اتفاق سلام وقعت عليه الحكومة الأميركية، كما أن الولايات المتحدة هي الراعي له»، وقال أحد الخبراء في المنطقة ويعمل في الحكومة الاميركية، مشيراً إلى نيومان ورانيبرغر بالقول: «هذان الاثنان كانا مدركين تماماً للأعمال الوحشية التي وقعت في جنوب السودان. فكيف يقومان بعمل يهدف إلى عدم محاسبة مرتكبي تلك الأعمال».

ويأتي عقد ممارسة الضغط قبل أسابيع من الموعد النهائي لاتفاقية السلام الهشة، حيث سيعود مشار إلى جنوب السودان ويصبح نائب رئيس حكومة وحدة مع سلفا كير. لكن المعارضة تدفع باتجاه تأجيل للموعد النهائي لمدة ستة اشهر، حتى يتم تحضير ظروف أمنية أفضل يتم من خلالها ضمان سلامة مشار، الأمر الذي رفضته حكومة جنوب السودان. ويخشى الخبراء من أن هذا التأجيل يمكن أن يقوض اتفاقية السلام، ما يغرق الدولة في مستنقع الصراع من جديد ويفاقم من حدة الأزمة الإنسانية. وتعتبر المحكمة المختلطة جزءاً أساسياً من اتفاقية السلام، حيث تهدف الى محاسبة مجرمي الحرب في الحرب الاهلية الوحشية التي نجم عنها مقتل نحو 400 ألف شخص، وأجبرت نحو أربعة ملايين من جنوب السودان على الهرب من ديارهم.

إلغاء المحاسبة

وسلّط هدسون الضوء على ثمن العقد، بالنظر الى المجاعة الشديدة التي تضرب جنوب السودان، وقال: «إنه أمر مثير للاشمئزاز أن يتم دفع هذا الثمن من أجل عقد يهدف إلى إلغاء محاسبة مرتكبي الجرائم، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي في الدولة في حالة بائسة»، وأضاف هدسون «إن اللغة التي تحاول منع فرض عقوبات في المستقبل توحي بالنسبة لي أن حكومة جنوب السودان ستواصل ارتكاب الاعمال التي أدانتها مجموعات حقوق الإنسان، وهي تشير إلى أنهم لن يغيروا سلوكهم بالمطلق».

نوايا شديدة الوضوح

وعبر أحد مسؤولي الإدارة الأميركية عن دهشته من مدى وضوح نوايا هذا العقد الذي كتبه مسؤولون من جنوب السودان، مشيراً إلى انهم ربما لا يدركون أنه سيتم نشره على العلن. ولم تردّ شركة غينفول سولوشنز ولا نيومان على التساؤلات التي أرسلت إليهم للتعليق على هذه القصة.

وانخفضت وتيرة العنف منذ توقيع اتفاق السلام في عام 2018، لكن الصراع وانتهاك حقوق الانسان لايزالان مستمرين في أجزاء عدة من الدولة، وفق المجموعات المراقبة لحقوق الانسان. وتميزت الحرب الأهلية في جنوب السودان بالأعمال الوحشية، بما فيها الإبادة الجماعية للمدنيين، وكذلك عمليات الاغتصاب والتعذيب من قبل الميليشيات والقوات التي كانت تقاتل إلى جانب كير أو مشار.

ووافقت جنوب السودان على انشاء المحكمة المختلطة لإنصاف ضحايا العنف في اتفاق سلام سابق تم التوقيع عليه عام 2015، لكنها تلكأت في تحقيقها بالتعاون مع الاتحاد الافريقي. وقال العضو السابق في اللجنة التابعة لحقوق الانسان في الأمم المتحدة بجنوب السودان والاتحاد الافريقي، غودفري موسيلا: «ينظر كل من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي إلى هذه المحكمة باعتبارها جزءاً مهماً لإعادة انشاء دولة جنوب السودان على أساسات جديدة من الاحترام لحقوق الإنسان والمحاسبة»، وأضاف أن المحكمة المختلطة «تشكل تهديداً وجودياً» لبعض عناصر حكومة كير، الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الانسان بصورة مباشرة. ونحن نواصل دعوة حكومة جنوب السودان لاتخاذ الخطوات الضرورية لإنشاء المحكمة المختلطة في جنوب السودان، كما تعهدت بذلك في اتفاقي سلام تم توقيعهما في عامي 2015 و2018».

وعلى الرغم من مرور ثماني سنوات على استقلال جنوب السودان، إلا أنها لاتزال موطناً لأسوأ أزمة إنسانية في العالم. ويمكن أن يتعرض 6.8 ملايين نسمة، أي ما يعادل 60% من تعداد السكان، لأزمة غذائية قد تصل إلى حد المجاعة خلال العام الجاري، وفق منظمة الرعاية الإنسانية (كير).

أما في واشنطن، فيهدف العقد بين حكومة كير وشركة غينفول سولوشنز إلى تحسين العلاقات الاقتصادية وكذلك التعاون العسكري بين جنوب السودان والولايات المتحدة، بما فيها «فتح قناة اتصال بين الرئيس كير والرئيس ترامب وادارته»، وتشجيع الشركات الأميركية على «الاستثمار في النفط والموارد الطبيعية والقطاعات الأخرى»، وإقناع إدارة ترامب على «إقامة علاقة عسكرية» مع جنوب السودان بهدف «تعزيز الحرب على الإرهاب وتشجيع الاستقرار الإقليمي».

ويطلب عادة من مجموعات الضغط العاملة لمصلحة حكومات أجنبية الكشف علناً عن العقود التي يحصلون عليها ويقدمونها لوزارة العدل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

روبي غرامر: مراسل أمني قومي ودبلوماسي في «فورين بوليسي»


- تشير ملفات يرجع تاريخها إلى 18 أبريل الماضي،

إلى أن حكومة جنوب السودان تنقض تعهداتها

بمعالجة جرائم الحرب، وفق

ما ذكره المسؤولون السابقون والحاليون

الذين تحدثوا عن ذلك مع «فورين بوليسي».

- تعتبر المحكمة المختلطة جزءاً أساسياً من اتفاقية

السلام، حيث تهدف إلى محاسبة مجرمي الحرب

في الحرب الأهلية الوحشية التي نجم عنها مقتل

نحو 400 ألف شخص، وأجبرت نحو أربعة ملايين

من جنوب السودان على الهرب من ديارهم.

تويتر