العدوان اللدودان تعاونا لفترة طويلة بدافع الضرورة العملية

إسرائيل و«حماس» على أعتاب مرحلة تصعيد جديدة لن تغيّر الكثير

صورة

الحرب مثل السياسة تصنع أصدقاء غرباء. تستعد إسرائيل حالياً لمواجهة محتملة مع حركة «حماس». خلال الأسبوع الماضي، أطلقت الحركة صواريخ على إسرائيل، ودعت إلى تنظيم مسيرة مليونية، نهاية الأسبوع الماضي، على طول الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة للاحتفال بالذكرى السنوية لمسيرة العودة. قد تتلاشى الاحتجاجات أو تثير جولة مكثفة من الصراع. لكن مهما حدث، لن يقوض هذا العلاقة الغريبة والمتبادلة التي تطورت بين «حماس» والحكومة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. هذان اللاعبان الرئيسان في الشرق الأوسط يعتمدان على بعضهما بعضاً.

من المستبعد أن تكون إسرائيل و«حماس» شريكين. إنهما تدعوان إلى تدمير بعضهما بعضاً، وخاضتا ثلاث مواجهات عسكرية كبرى، كانت آخرها عام 2014. ومع ذلك، تعاون هذان العدوان اللدودان لفترة طويلة بدافع الضرورة العملية. وفي ما يتعلق بقضايا معينة - بما في ذلك إدارة النزاع عبر مصر، ومنع السلطة الفلسطينية من إعادة توحيد غزة والضفة الغربية - إذ يتماشى ذلك مع أهدافهما. ورغم أنهما لا تريدان الاعتراف بذلك، فإن إسرائيل و«حماس» بحاجة إلى بعضهما بعضاً.

ثنائي غريب

لطالما كانت «حماس» موجودة، فقد حافظت على علاقة وظيفية غريبة مع إسرائيل. في سبعينات القرن الماضي، وحتى قبل تأسيس «حماس»، اعتقدت تل أبيب أن الجماعات الإسلامية الفلسطينية يمكن أن تكون بمثابة توازن مفيد مع حركة فتح، الحزب السياسي الأكثر علمانية وثورية (في ذلك الوقت)، الذي سيطر على منظمة التحرير الفلسطينية. فمن أجل تقويض فتح، سمحت إسرائيل لهذه الجماعات، بما في ذلك قادة «حماس»، بقدر لا بأس به من الحرية للتنظيم في غزة. في عام 1979، اعترفت إسرائيل رسمياً بمؤسسة خيرية إسلامية أنشأها أحمد ياسين، أحد مؤسسي «حماس». وفي غضون خمس سنوات، تم القبض على ياسين بتهمة تهريب الأسلحة، واغتاله الإسرائيليون في مارس 2004، في محاولة لوقف هجمات «حماس».

في سبعينات القرن الماضي، احتاج الإسلاميون في غزة إلى موافقة إسرائيل من أجل النمو. لكن منذ عام 1987، عندما تأسست «حماس» كمنظمة مستقلة، اعتمدت الجماعة شرعية أيديولوجية، من خلال خوض صراع وجودي مع الدولة الإسرائيلية. واستمرت هذه المفارقة حتى يومنا هذا، مع مفارقة إضافية متمثلة في أن «حماس»، التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007، تعتمد بشدة - من أجل بقائها - على إسرائيل ومصر.

وتستخدم «حماس» ترسانتها من الصواريخ، للحفاظ على صورتها المحلية للنضال المسلح ضد إسرائيل، وكوسيط لإجبار تل أبيب على تقديم تنازلات اقتصادية دورية. ومن خلال استخدام التصعيد الخاضع للرقابة، تسعى الحركة إلى تذكير إسرائيل بأن غزة ستبقى تهديداً، ما لم تفِ إسرائيل ببعض مطالبها، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، وإطلاق سراح السجناء، وتخفيف القيود على حركة البضائع والأشخاص من وإلى خارج القطاع. إلا أن «حماس» بذلك تكون تمشي على خط رفيع: فهي تريد الضغط على إسرائيل، دون التسبب في رد إسرائيلي واسع النطاق. ويتعين على الحركة القتال مع إسرائيل والتعاون معها، على حد سواء. وبالنسبة لإسرائيل، فإن الواقع المرير هو أنه على الرغم من إرهاب «حماس» وجهودها لجعل السكان «متطرفين»، فإن الجماعة هي البديل الأقل سوءاً لإدارة غزة. والنتيجة هي الديناميكية الحالية: تكيف ممزوج بالمواجهة.

أفضل الأصدقاء

من وقت إلى آخر، يبدو أن إسرائيل و«حماس» مهتمتان بترتيب طويل الأجل. في مايو 2018، على سبيل المثال، أطلعت الاستخبارات الإسرائيلية القيادة السياسية في البلاد بأن الحركة، التي تواجه أوضاعاً اقتصادية متدهورة في غزة، منفتحة على الموافقة على وقف إطلاق النار لمدة عام مقابل تخفيف الحصار الإسرائيلي، وإطلاق سراح السجناء من الحركة، وتطوير البنية التحتية. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ظهرت تقارير تفيد بأن تل أبيب، قدمت تنازلات في مقابل ضمان أن «حماس» تمنع تظاهراتها، في نهاية كل أسبوع، من أن تصبح عنيفة.

إن محاولة الطرفين التوصل لاتفاقات من هذا القبيل بشكل دوري، تدل على أن إسرائيل و«حماس» تدركان أن النصر الكامل على الطرف الآخر أمر غير مرجح، أو مكلف على الأقل بشكل غير مقبول. وتعرف «حماس» أنها تحتاج إلى موافقة إسرائيل بحكم الأمر الواقع لضمان سيطرتها على غزة، ونزع فتيل الغضب الشعبي بسبب الظروف الرهيبة على الأرض؛ إنها تعرف أيضاً أنه لا يمكنها هزيمة الجيش الإسرائيلي، وأن عليها الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر، التي تسيطر على المعبر المهم للغاية في رفح، وتعمل الآن عن كثب مع إسرائيل لمحاولة استباق التصعيد. لقد أثبتت تل أبيب، لاسيما تحت قيادة نتنياهو، أنها تنفر من المخاطرة، من جانبها. لا يريد نتنياهو شن عملية برية كبيرة في غزة، مثل تلك التي جرت عام 2014، خصوصاً الآن، قبل أسابيع فقط من الانتخابات الإسرائيلية. وليست لدى إسرائيل رغبة في إعادة احتلال القطاع، الذي انسحبت منه عام 2005.

ومع ذلك، فإن فشل الطرفين في الوصول إلى اتفاق دائم يدل على أن كليهما، بطريقته الخاصة، يستفيد من الوضع الراهن. بالنسبة لنتنياهو، ربما تكون «حماس» الخيار الأقل سوءاً في غزة. ويشعر الإسرائيليون بالقلق من علاقات «حماس» مع إيران، وقدرتها على إطلاق صواريخ على إسرائيل (الإثنين الماضي، على سبيل المثال، أطلق صاروخ من غزة، ودمر منزلاً شمال تل أبيب). لكن لدى إسرائيل القليل من الخيارات الجيدة. إن إعادة احتلال إسرائيل لغزة ستكون مكلفة للغاية. وتدمير «حماس»، في الوقت نفسه، سيخلق فراغاً يمكن أن تملأه مجموعات مسلحة أكثر خطورة. وتعتبر «حماس» مفيدة أيضاً، فهي توفر هدفاً سهلاً للدعاية الإسرائيلية، لكنها أيضاً حركة تعرف إسرائيل أنها تستطيع التفاوض معها، سواء عبر مصر أو الأمم المتحدة أو ربما (في بعض الأحيان) بشكل مباشر.

سفينة نوح

من الناحية النظرية، يمكن للإسرائيليين الضغط من أجل سلطة فلسطينية أكثر اعتدالاً، التي تهيمن عليها فتح، للعودة إلى القطاع، بعد أن كان قد أطيح بها من قبل «حماس» عام 2007. وقد يتم ذلك في ظل حكومة إسرائيلية مختلفة. لكن تقسيم الفلسطينيين بين «حماس» في غزة، والسلطة الفلسطينية بقيادة فتح في الضفة الغربية، يجعل ذلك مستحيلاً. وهذا الانقسام يخدم نتنياهو بشكل جيد. وتبدو الحركة الوطنية الفلسطينية الآن كأنها سفينة نوح: هناك نوعان من كل شيء.. دويلتان صغيرتان، وجهازان أمنيان، ونظامان حكوميان، ورؤيتان لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقبلية. بالنسبة لنتنياهو، فإن حماس بمثابة سياج ضد حركة فلسطينية موحدة، تركز على مفاوضات جادة للتوصل إلى حل الدولتين. حماس، في هذه الأثناء، تفعل ما بوسعها لأخذ مكان منظمة التحرير الفلسطينية. دون الرغبة في تعزيز قوة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يفضل كلٌّ من نتنياهو وحماس، الوضع الحالي - حقيقة واقعة بثلاث دول، بدلاً من حل الدولتين.

الاحتجاجات التي تقودها «حماس»، في نهاية هذا الأسبوع، قد تؤدي إلى جولة جديدة من التصعيد مع إسرائيل، أو لا. لكن حتى الانفجار الخطير من غير المرجح أن يغير كثيراً. خلال الحرب بين إسرائيل و«حماس» عام 2014، قُتل نحو 2000 فلسطيني، من بينهم 1200 مدني. لكن الأثر طويل المدى في علاقات إسرائيل مع «حماس» كان ضئيلاً. بعيداً عن خلق لحظة فاصلة، فإن أحداث نهاية هذا الأسبوع، أياً كان ما سيحدث، ستكون على الأرجح بمثابة مرحلة دموية أخرى في صراع بين طرفين، يبدو أنهما لا يستطيعان العيش مع بعضهما بعضاً، كما أنه ليس باستطاعة طرف أن يستغني عن الآخر، أيضاً.

آرون ديفيد ميلر كاتب سياسي


محاولة إسرائيل و«حماس» التوصل إلى اتفاقات مؤقتة، بشكل دوري، تدل على أن كلتيهما تدرك أن النصر الكامل على الطرف الآخر أمر غير مرجح، أو مكلف على الأقل بشكل غير مقبول.

تبدو الحركة الوطنية الفلسطينية، الآن، كأنها سفينة نوح: هناك نوعان من كل شيء.. دويلتان صغيرتان، وجهازان أمنيان، ونظامان حكوميان، ورؤيتان لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الفلسطينية المستقبلية.

تويتر