لا يُعرف ما إذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة مستعدة للمضي في مغامرة «الجمهــورية الجديدة»

توازن القوى بين «اللاعبين الســياسيـين» يعتبر لغزاً لمعظم الجزائريـين

صورة

حقق المتظاهرون الجزائريون مكتسباً كبيراً إثر إعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أو أحد أفراد بطانته، أنه لن يرشح نفسه للمرة الخامسة.

ومنذ 22 فبراير الماضي، كان الشارع الجزائري في كل المدن والعديد من البلدات يطالب بتنحي الرئيس البالغ عمره 82 عاماً، والذي كان قد أصيب بسكتة دماغية عام 2013، بعد سلسلة من الأمراض الخطرة، ولم يشاهد أو يسمع صوته إلا نادراً منذ ذلك الوقت. وتم انتخابه للمرة الأولى عام 1999، وكان عدم احترامه للفترات الدستورية التي عمل فيها، يرمز إلى احتقار حكومته للشعب، الذي من المفروض أن يقوم بخدمته.

وتبلغ أعمار نصف سكان هذه الدولة، البالغ عددهم 42 مليون نسمة، والتي تعتبر الأكبر في افريقيا من ناحية المساحة، أقل من 30 عاماً، كما أن معظم هؤلاء عاطلون عن العمل، وليس لهم مستقبل سوى التفكير في الهجرة من الدولة. وفي الحقيقة فإن الجزائريين، هاجروا إلى فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، إضافة إلى أميركا الشمالية، منذ الحرب العالمية الأولى. ولكن الهجرة تعتبر موضوعاً مؤثراً في الدول التي كانت مستعمرة سابقاً. وبناء عليه فإن ما سيحصل لاحقاً يعتبر مسألة تتجاوز أهميتها دولة الجزائر ذاتها. وقد يؤدي انحدار الدولة نحو الفوضى السياسية الى تحفيز حدوث موجات من الهجرة أكبر من المعتاد، في حين أن النجاح في تحقيق فترة انتقالية ناجحة نحو الحرية والديمقراطية، التي وعدت بها الحركة المناهضة للاستعمار من شأنها أن تشكل تأثيراً طيباً للجزائر، وربما إلى شمال إفريقيا وأبعد من ذلك.

وفي رسالته إلى شعبه، قال الرئيس الذي عاد إلى الجزائر من أحد مستشفيات جنيف، حيث خضع لـ«فحوص» إنه سيدعو الى مؤتمر وطني دستوري هدفه تأسيس جمهورية «جديدة»، وتم تأجيل موعد الانتخاب الذي كان في 18 أبريل، إلى أجل غير مسمى.

وكان هذا الإعلان يمثل محاولة لوقف او تخفيف التظاهرات المناوئة للنظام. لكن المتظاهرين لم يأخذوا هذا الاعلان على محمل الجد، واعتبروه مجرد إهانة لهم وللشعب بصورة عامة. وستكون خطوات الحكومة في إنجاز ما أعلنت عنه، وكذلك سرعتها في عقد مؤتمر وطني، تحت رقابة دقيقة.

وإذا تم تنظيم اجتماعات، وحتى مؤتمرات، متنافسة خارج سيطرة الحكومة، فإن مدى الموازنة بين التظاهرات والتغيرات السياسية هو الذي سيحدد ما اذا كانت الدولة ستفشل أو تنجح في السنوات المقبلة.

ومن المعروف أن المؤتمرات الوطنية التي تفضي إلى مؤتمرات دستورية يكون لها نتائج سعيدة، كما أنها يمكن أن تؤدي إلى كوارث أيضاً. وعلى كل الأحوال فان توازن القوى بين اللاعبين السياسيين في الجزائر يعتبر لغزاً حتى لمعظم الجزائريين، إن لم نقل جميعهم.

وهناك الجيش، الذي قام قائده العام بوتفليقة بإفراغه من معظم الشخصيات المخيفة والمتنفذة. ويعتبر رئيس الأركان أحمد قايد صالح موالياً لبوتفليقة، وكان قد حذر سابقاً انه على الرغم من أن هذه التظاهرات شرعية، إلا أنها يمكن ان تشكل تهديداً للأمن الوطني.

ولم يحدد قايد صالح ماذا كان يقصد، لكن الجزائريين ليسوا بحاجة إلى التذكير بما حدث في تسعينات القرن الماضي، حيث وقعت حرب أهلية أدت إلى تدمير قرى بأكملها، وكانت نتيجتها مقتل نحو 200 ألف ضحية، استناداً إلى تقديرات رسمية. ولكن هذه الحرب انتهت بوصول بوتفليقة الى السلطة عام 1999، حيث وضع سياسات للمصالحة والسلام تتضمن العفو عن الإسلاميين المتمردين.

تلميح بالتهديد

وليس من المعروف ما إذا كان الجنرال صالح لمح إلى أن التهديد لايزال ماثلاً. ولا يدري أحد مدى ولاء القوات المسلحة وتماسكها في الوقت الحالي، وما إذا كانت الطبقة السياسية الحاكمة مستعدة للمضي في مغامرة «الجمهورية الجديدة»، وهناك قواعد سلطة دستورية ومحلية، والتي يمكن أن تصبح فرقاً سياسية.

ولم تفصح كل من الولايات المتحدة وفرنسا عن موقفهما صراحة منذ بدء نهاية هذا النظام. وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن رضاه عن التظاهرات السلمية، وكان سريعاً في تهنئة بوتفليقة على قراره الاستقالة، وتطوير النظام السياسي. من جهته، طار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى جيبوتي للتأكيد على نفوذ فرنسا في دول جنوب الصحراء الافريقية. وماكرون نفسه لديه تظاهراته الخاصة به التي تثير القلق، إضافة إلى الانتخابات الأوروبية في شهر مايو المقبل.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بالادينو، الأسبوع الماضي، إن «الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التجمع السلمي»، ومن المعروف أن مقر الاسطول السادس الأميركي في مدينة نابولي الإيطالية، أي على بعد نحو 200 ميل بحري عن الجزائر العاصمة.

وفي الحقيقة، وباستثناء فض الخلافات التي نشبت بين فصائل القوميين بعد مغادرة فرنسا للجزائر، ومحاربة الإسلاميين في تسعينات القرن الماضي، لم يتم استخدام الجيش الجزائري في معظم الأحوال إلا لقمع الأشخاص الذين يحاولون التعبير عن السخط السياسي، الذي حدث في منطقة القبائل.

وفي الحقيقة فإن انهيار النظام سينطوي على العديد من العواقب الوخيمة، مثل ارتفاع معدل الهجرة بصورة غير مسبوقة، وانخفاض تصدير الطاقة الذي تعتمد عليه أوروبا. وكالعادة، فإن الشعب الجزائري الذي عانى الكثير سيكون أكثر المتضررين، ولكن أي تدخلات للأميركيين أو الفرنسيين غير واردة.

وحظي تمسك التظاهرات الجزائرية برفض العنف بالإطراء، فبعد الكوارث والمآسي التي نجمت عن محاولات الإصلاح، في العالم العربي، يبدو أن الجزائريين يحققون نصراً جيداً من خلال نبذ العنف، ويجب أن يحافظوا على ذلك.


- إذا تم تنظيم

اجتماعات، وحتى

مؤتمرات، متنافسة

خارج سيطرة

الحكومة، فإن مدى

الموازنة بين

التظاهرات والتغيرات

السياسية هو

الذي سيحدد

ما إذا كانت الدولة

ستفشل أو تنجح

في السنوات

المقبلة.

تويتر