رؤساء الوزراء أساؤوا تقدير النتائج

حرب العراق والخروج من أوروبا أصعب درسين واجهتهما القيادة السياسية البريطانية

صورة

إن السؤال الأهم حول حرب العراق، وبالتالي حول القرار البريطاني بالانضمام إلى الغزو الأميركي، هو ما إذا كان من المفترض وينبغي توقّع حدوث الفوضى والعنف الذي أعقب ذلك. في يونيو 2002، وصفت مجموعة التخطيط الاستراتيجي التابعة لوزارة الدفاع البريطانية، العراق بأنه «يحتمل أن يكون غير مستقر بشكل أساسي». وبحلول ديسمبر من العام نفسه، وصفت ورقة من وزارة الدفاع مرحلة ما بعد الصراع بأنها «حاسمة من الناحية الاستراتيجية». وفي 15 يناير 2003 وقبل شهرين من الغزو، أخبر رئيس الوزراء حينها، توني بلير، رؤساء الأركان المجتمعين في مكتبه أن «القضية تكمن في ما بعد»؛ وعلى التحالف أن يمنع الفوضى والقتال الداخلي. كان بلير أكثر صراحة مع بوش، في مذكرة أرسلها إليه في 24 من يناير، «إنهم قادرون على قتل بعضهم بعضاً بأعداد كبيرة».

ومع ذلك، توصل تحقيق بريطاني في حرب العراق بقيادة جون شيلكوت إلى أنه «عندما بدأ الغزو، لم تكن حكومة المملكة المتحدة في وضع يُمَكّنها من الاستنتاج بأنه تم وضع خطط واستعدادات لمواجهة التحديات والمخاطر المعروفة بعد انتهاء الصراع في العراق، وتخفيف مخاطر الفشل الاستراتيجي».

وقال بلير في رده إن «الإخفاقات في التخطيط الأميركي موثقة ومقبولة جداً»، لكنه تابع «ألاحظ مع ذلك أن التحقيق يعترف بصدق ونزاهة، أنهم لم يتمكنوا حتى بعد مرور هذا الوقت من تحديد الأساليب البديلة، التي من شأنها أن تضمن نجاحاً أكبر».

هذا هو المكان الذي يكون فيه دفاعه أضعف. السبب في أن تحقيق شيلكوت لم يكن قادراً على تحديد أساليب أفضل للتخطيط لما بعد الغزو، الذي يمكن أن تكون عواقبه سيئة.

يمكن للمرء أن يدّعي أن خطر الفوضى والعنف الطائفي لم يكن الحجة الرئيسة ضد العمل العسكري في ذلك الوقت. في الواقع، كان بالكاد جزءاً من النقاش العام. وقد عارض روبن كوك، الوزير الوحيد في الحكومة الذي استقال قبل الغزو، العمل العسكري لأسباب أخرى، فقد كان قلقاً من الأضرار التي لحقت بالتحالفات الدولية، خصوصاً بسبب ضعف الدعم من قبل الشعب البريطاني.

لم يكن من المتوقع أن يعرف حتى وزراء الحكومة، ما يكفي عن العراق، ليتمكنوا من الحكم على الآثار المحتملة للغزو. وإذا لم يتمكن هؤلاء من تحقيق هذا الأمر، فمن المؤكد أن أعضاء البرلمان والجمهور لن يفعلوا ذلك. بالنسبة للاستخبارات، يحق لبلير أن يقول إن النقاش قبل الحرب كان مفتوحاً وعلنياً. لقد سعى إلى تقديم ما يعرفه، حتى لو تبين لاحقاً أنه خاطئ. ولكن في ما يتعلق بالتخطيط لما بعد الحرب، فقد فشل في التفكير بمدى خطورة ذلك، وعلى الرغم من أن بعض الأخصائيين الأكاديميين أعربوا علناً عن قلقهم، فإن معظم النواب والمواطنين لم يكونوا في وضع يمكّنهم من تقييم العواقب المحتملة. ولو كان هناك جزء صغير من الجهد الاستخباري المخصص لأسلحة الدمار الشامل قد ركز على نتائج حرب الإطاحة بصدام حسين، لربما تم التوصل إلى قرار أفضل.

إذا كان الدرس المستفاد من تحقيق شيلكوت هو أن على القادة الذين يفكرون في العمل العسكري أن يتخيلوا أسوأ سيناريو، فإن خطأ بلير كان أنه تخيل السيناريو الخطأ. بالنسبة له، كانت أسوأ حالة هي أن الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وحتى النووية، التي تنتجها دول «مارقة»، مثل العراق وليبيا وكوريا الشمالية، ستقع في أيدي إرهابيين يستلهمون نهج تنظيم «القاعدة»، الذين قتلوا أكثر من 3000 شخص في 11 سبتمبر؛ وكان بإمكانهم قتل 30 أو 300 ألف إن استطاعوا. وتخيل بلير - وكان مخطئاً - أن لديه فرصة للمساعدة في وقفهم.

وعلى عكس الحكمة التقليدية، فإن القادة السياسيين غالباً ما يتعرضون للحزن والأسى بسبب مبادئهم بدلاً من عدم وجودها.

لقد دعم بلير العمل العسكري الأميركي لأنه كان يعتقد أن صدام حسين كان تهديداً كامناً للشعب البريطاني؛ وأن التخلص منه سيكون مفيداً للشعب العراقي وجيرانه؛ وأن بريطانيا يجب أن تدعم الولايات المتحدة، وأن تحاول التأثير في السياسة الأميركية. لكن كان يتوجب عليه أن يُدرك أن هذه الأهداف معرّضة لخطر كبير.

الاستفتاء

الأمر ينطبق على رئيس الوزراء المحافظ، ديفيد كاميرون، الذي كان بإمكانه أن يفوز بالاستفتاء عن عضوية الاتحاد الأوروبي، بشكل مريح، ولربما بقي رئيساً للوزراء إلى الآن. إن هذا الأمر لا يمكن تصوره أكثر من أن يتراجع بلير عن العملية العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولا يكشف هذا الأمر إلا عن مدى التزام كاميرون بقضية مصيرية، إذ كان يصف نفسه بأنه متشكك في أوروبا. وبالمثل، كان جون ميجور مرتبطاً جداً بآلية سعر الصرف الأوروبي كضمان لصدقية سياسته لمكافحة التضخم. كان بإمكانه تعليق عضوية الجنيه الإسترليني في إدارة مخاطر المؤسسات قبل إجباره على الخروج في عام 1992. لقد كان الأمر محرجاً، وربما كان سيوفر شيئاً من سمعته وسمعة حزبه. وكان تصميم مارغريت تاتشر على حماية دافعي الضرائب الذين يمتلكون منازلهم من المطالب التعسفية للمجالس المحلية، قوياً للغاية، وقد كانت ستبقى في رئاسة الوزراء لفترة أطول لو تخلت عما يسمى بـ«ضريبة الرأس».

في كل حالة من هذه الحالات، ونتيجة لقناعاتهم الراسخة، أصبح رؤساء الوزراء هؤلاء محاصرين في مسار عمل بات من الصعب عليهم الفرار منه.

جون ديفيس:  مدير «ستراند غروب» في معهد السياسات بجامعة كينغز كوليدج في لندن.

- توصّل تحقيق بريطاني في حرب العراق،

بقيادة جون شيلكوت، إلى أنه «عندما

بدأ الغزو، لم تكن حكومة المملكة المتحدة

في وضع يُمكّنها من الاستنتاج بأنه تم وضع

خطط واستعدادات لمواجهة التحديات

والمخاطر المعروفة بعد انتهاء الصراع

في العراق، وتخفيف مخاطر الفشل الاستراتيجي.

- كان تصميم

مارغريت تاتشر

على حماية

دافعي الضرائب

الذين يمتلكون

منازلهم من

المطالب التعسفية

للمجالس المحلية،

قوياً للغاية، ما

كلّفها منصبها.

تويتر