أخطأ ترامب في إعلانه الانسحاب من سورية

تهديد «داعـش» لايـزال مسـتمراً رغم هزيمـته

صورة

خلال السباق الرئاسي الأميركي عام 2016، لم يتحدث المرشح حينها دونالد ترامب كثيراً عن مواصفات سياسة الأمن الوطني والسياسة الخارجية باستثناء تعهده بهزيمة تنظيم «داعش»، لكن عند انتخابه عمل على تصعيد الحملة العسكرية المضادة لـ«داعش» التي كان الرئيس السابق باراك أوباما قد بدأها أصلاً، وعزز من الدعم المقدم إلى التنظيمات المحلية في سورية، بما فيها العديد من التنظيمات الكردية وقوات الأمن العراقية، وفي نهاية المطاف حققت هذه الحملة النجاح، ومن خلال حملة عسكرية قادتها هذه التنظيمات والعراقيون خسر «داعش» معظم المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية.

ومنذ شهر تقريباً، أعلن ترامب النصر على «داعش» وكتب في تغريدة قائلاً «لقد هزمنا (داعش) وهو السبب الوحيد لوجودنا هناك». وأشار إلى نيته سحب القوات العسكرية من سورية، وأخيراً قال وزير خارجيته مايك بومبيو من منتدى دافوس الاقتصادي، إن الولايات المتحدة «هزمت (داعش) في سورية والعراق من خلال الائتلاف الذي أقامته وتشكل من عشرات الدول».

ولكن العديد من الخبراء الأمنيين رفضوا ادعاءات إدارة ترامب، محاججين بأنه على الرغم من أن تنظيم «داعش» أصبح في حالة سيئة، فإنه من المبكر جداً القول إنه قد هزم، وكالعديد من الحركات المتمردة، فإن تنظيم «داعش» يتكيف مع الظروف المتغيرة.

وبدأ «داعش» كتنظيم سري متفرق يعتمد على الهجمات الإرهابية، وحرب العصابات، ثم تحول إلى قوة موازية تستخدم الطرق العسكرية التقليدية، والآن يبدو أنه يعود الى جذوره وبداياته. وعلى الرغم من أنه يسيطر على جزء بسيط من الأرض في سورية، فإنه لايزال لديه 30 ألف مسلح. ويهاجر التنظيم إلى أجزاء مختلفة من العالم، حيث يحارب القوى الحكومية بدءاً من نيجيريا إلى أفغانستان والفلبين، في حين أن هجماته الإرهابية وعملياته الإجرامية مستمرة في العراق. وحذر إيلان بيرمان من منظمة مجلس السياسة الخارجية الأميركية من مخاطر الاعتقاد بهزيمة «داعش» قائلاً «النصر على (داعش) والقضاء عليه، وإن كان يبدو مغرياً فإنه من المبكر جداً جداً الإعلان عنه».

دروس التاريخ

وكما هي الحال دائماً، يقدم التاريخ أدلة على ما يمكن أن يأتي لاحقاً، وفي الماضي كانت الهزيمة الشاملة لعدو تحركه الأيديولوجية تتطلب ثلاثة أشياء هي:

أولاً: يجب أن تنتهي العداوة تماماً في ميدان المعركة والمناطق التي يسيطر عليها العدو، ونظراً إلى القوة العسكرية الأميركية الهائلة، فإن تحقيق مثل هذا الشرط يكون سهلاً.

وثانياً: يجب إضعاف الثقة بالأيديولوجية ذاتها التي كانت تحرك هذا العدو، وهذا الأمر أكثر صعوبة، خصوصاً عندما تكون هذه الأيديولوجية تعتمد على الدين.

وثالثاً: يجب تغيير العوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي ساعدت العدو على النمو والتحول إلى قوة كبيرة في البداية، وإلا فإن العدو سيظهر من جديد.

وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة قادرة على فعل الأشياء الثلاثة، وتمت هزيمة ألمانيا النازية، واليابان الإمبريالية عسكرياً، ومن ثم تم احتلالهما، ما سمح لقوات الاحتلال باجتثاث الأيديولوجيات التوسعية ونزع الشرعية عنها في البلدين، وإعادة هيكلة النظامين السياسيين في ألمانيا واليابان لمنع عودة تلك الأيديولوجيات، ويتعين على الولايات المتحدة أن تغير مفهومها عن الصراع مع «داعش» ليس كحرب ينبغي أن تكون فيها النتيجة حاسمة، وإنما إدارة دائمة للتهديد.

ولكن مكافحة التمرد أمر مختلف، إذ إن الولايات المتحدة ليست بوضع يسمح لها بالسيطرة الكاملة على الأراضي وهي لا تستطيع أن تضمن تنفيذ الخطوات الثلاث، فهي تستطيع هزيمة قوات العدو العسكرية، ولكن ليس لها النفوذ الملائم لنزع الشرعية عن الأيديولوجية المتطرفة بصورة شاملة أو تغيير الظروف التي أدت إلى ظهورها. وهذا بالضبط هو الوضع في العراق وسورية الآن، فخطوة النصر موجودة، لكن الخطوتين الأولى والثانية غير موجودتين وربما لن تتواجدا مطلقاً.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تقرر إذا كان ما حققته بشأن «داعش» حتى الآن هو كل ما تريده، وهل إلحاق الأذى بـ«داعش» يكفي بالنسبة لها، وإن كان ذلك أقل إرضاء من النصر الصريح، فإنه ربما سيكون كافياً. وعلى الرغم من أن الوحشية التي يتعامل بها تنظيم «داعش» هي التي دفعت أميركا لمواجهته، فإن المنطق الاستراتيجي الأساسي لتدخل الولايات المتحدة كان هو الاعتقاد بأنه إذا حقق تنظيم «داعش» هدفه فإنه سينفذ مزيداً من الأعمال العنيفة التي سيستهدف بعضها أهدافاً أميركية في الخارج أو ربما في الداخل أيضاً. وكان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن قال مبرراً غزو العراق عام 2003 «علينا محاربتهم هناك كي لا نضطر إلى مواجهتهم هنا في الولايات المتحدة الأميركية».

وحتى لو كان ما سبق صحيحاً، وهو غير مؤكد، فإنه لم يعد كذلك، إذ إن القوى المحلية في الشرق الأوسط سواء الحكومية منها أو الميليشيات مثل قوات سورية الديمقراطية ليس من المرجح أن تسمح لتنظيم «داعش» بتوجيه الهجمات نحو أهداف أميركية انطلاقاً من أراضيهم، لأنهم يدركون أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى رد أميركي ماحق عليها، لكن في الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة عاجزة عن تحقيق هزيمته الحاسمة مقابل تكاليف استراتيجية معقولة.

تغيير مفهوم الحرب

ولهذا السبب يتعين على الولايات المتحدة تغيير مفهوم حربها مع «داعش» ليس كحرب يكون فيها النصر حاسماً، وإنما إدارة لتهديد دائم، إذ يتعين على أميركا مواصلة تقديم الدعم لشركائها الحكوميين والميليشيات، لضمان تفوقهم عسكرياً على المتطرفين. ويجب على واشنطن الضغط على شركائها لمعالجة العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعزز وجود التنظيم، وتتفهم في الوقت ذاته أنهم من غير المحتمل أن يغيروا نظاماً هم مستفيدون منه، ولكن بصورة عامة فإن ترامب على خطأ، اذ إن تنظيم «داعش» لم تتم هزيمته، لأن تهديده لايزال ماثلاً وإن كان أقل من ذي قبل.

ويظهر تورط أميركا لفترة طويلة في العراق، الذي بدأ منذ عام 2003، وأخيراً في سورية، إنها لا تستطيع أصلاً تغيير البيئة الحاضنة للتطرف، إذ إن «داعش» أو شيئاً مشابهاً له سيظل على قيد الحياة، كما أن أيديولوجيته السيئة ستستمر وتتعزز في المناطق التي تتميز بفراغ للسلطة، وفي الزوايا المظلمة من شبكة الإنترنت، ما يشجع على قيام هجمات إرهابية بغض النظر عن الظروف الموجودة في سورية والعراق، وبغض النظر عما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة هناك.

ستيفن ميتز - كاتب في موقع «ورلد بوليتيكس ريفيو»

 

تويتر