أداء ترامب يتجه إلى الأسوأ في النصف المتبقي من رئاسته

بدأ النصف الثاني من ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بتعرض الحكومة الفيدرالية للإغلاق، وتأرجح الأسواق، وطرد أعضاء مجلس الوزراء من مناصبهم، أمثال الجنرالين جون كيلي وجيمس ماتيس. وفي حين يصف خصوم ترامب هذه الأحداث بالكارثية، فإن مؤيديه يصفون الانتقادات الموجهة إليه بأنها هستيرية، ودللوا على ذلك بأن الجميع كانوا يقولون قبل عام واحد إنه من الفأل السيّئ أن يكون هناك الكثير من الجنرالات في الحكومة.

أي تقييم موثوق به لفترة ترامب يتطلب من الذين يحبون أميركا أن يصموا آذانهم لفترة وجيزة عما تنقله الأخبار، فمع بدء النصف التالي لولاية الرئيس التي تستغرق أربع سنوات، هناك ثلاثة أسئلة تحتاج إلى إجابة: إلى أي مدى تبدو الفترة الفائتة سيئة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسوء الفترة التالية؟ وكيف ينبغي أن يستعد الأميركيون والحكومات الأجنبية لعرض ترامب التالي؟

يتعرض ترامب للاستقطاب بشكل حاد لدرجة أن منتقديه يزدرون أي شيء يمكن اعتباره إنجازاً. قبل أعياد الميلاد بوقت قصير، وقّع على قانون إصلاح القضاء الجنائي، الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، كما أجرى بعض التغييرات التنظيمية المفيدة للمدارس والشركات، وفي الشأن الخارجي، وجدت أيضاً محاولة تغيير شروط العلاقات الاقتصادية الأميركية مع الصين ترحيباً من الأميركيين. لكن أي رئيس جمهوري يتمتع بتأييد مجلسي الكونغرس ربما كان سيحقق أكثر من ذلك بكثير.

غريزة لا يمكن كبحها

ما يميّز العامين الأولين لترامب في الرئاسة هو غريزته التي لا يمكنه كبح جماحها، والتي تعمل بمثابة آلة تحطيم لما قد يبدو إنجازاً. كان من المفترض أن تؤثر تكتيكاته التدميرية على النخبة في واشنطن، لكن استبداده، وكذبه وفضائحه حالت دون ذلك، وكان في أقصى درجات التخبط بشأن الهجرة، وكوريا الشمالية، وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، فقد تولى ترامب مهام منصبه بتعهدات لإعادة صياغة قوانين الهجرة الأميركية وجعلها تستند إلى جدارة المهاجر، كما هي الحال في كندا. لكن بما أنه هو وطاقمه يتصرفون بطريقة خرقاء مع الكونغرس، فقد ضاعت هذه الفرصة الآن. ومن الناحية الأخرى فإن الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، لايزال يمتلك برنامج الأسلحة النووية، ولم يتنازل عن أي شيء، بل إنه يطالب الآن أميركا بمكافأته. وفي جانب حلف الناتو فقد يلتزم الأوروبيون بدفع المزيد من الأموال للمساهمة في ميزانية الناتو بناء على دعوة ترامب، لكن ترامب قضى في غضون عامين على الجهد الذي بذلته أميركا خلال نصف قرن من الزمان وأنفقت فيه مليارات الدولارات لبناء علاقة متينة مع أوروبا.

قد يكون العامان القادمان أسوأ مما كانت عليه الحال من قبل، وكبداية، قد يكون حظ ترامب على وشك التحول للأسوأ، ففي الوقت الذي حالفه فيه الحظ في النصف الأول من فترة ولايته، ولم يواجه أي صدمة من النوع الذي واجهه الرئيسان السابقان: أحداث 11 سبتمبر، أفغانستان، العراق، الأزمة المالية، وسورية- منحه انتصاره في الانتخابات، وقوة الاقتصاد المتصاعدة، والأسواق المالية المزدهرة، جواً من القوة والحصانة. إلا أن هذا الوضع تغير حتى من دون صدمة، فعلى الرغم من أن الاقتصاد لايزال قوياً إلى حد ما، فإن تأثير التخفيضات الضريبية يتلاشى، ويتباطأ النمو في الصين وأوروبا. أما الأسواق التي وصفها ترامب كدليل للنجاح الاقتصادي فقد أصبحت متقلبة، وتعرض الجمهوريون لهزيمة في مجلس النواب في الانتخابات النصفية. وستقوم الأغلبية الديمقراطية الجديدة بالتحقيق في سلوك الرئيس، وفي وقت ما سيستكمل المحامي الخاص روبرت مولر تقريره حول العلاقة بين روسيا وحملة ترامب.

على مدى العامين الماضيين، أظهر ترامب أنه يتعامل مع أي محنة أو عقبة بالتهديد دون أي اعتبار للعواقب. وليس بالضرورة أن يتماثل حجم أو هدف رد فعله مع مقدار وجهة الاستفزاز. في الأسابيع القليلة الماضية، أعلن عن انسحاب القوات الأميركية من سورية وأفغانستان، واتخذ هذا القرار على ما يبدو، جزئياً لأنه تعرض لانتقادات لفشله في بناء جدار حدودي جنوبي، وفي وقت لاحق تخلّى عن الانسحاب من أفغانستان، أما الانسحاب من سورية فلايزال يسوده الضباب، وكانت النتيجة أنه لا يستطيع أحد أن يفهم سياسة أميركا، والآن بعد أن فقدت حكومته جنراليها القويين، توقعوا المزيد من هذا الغموض المدمر.

علاوة على ذلك، فإن ترامب عندما يتصرف لا تردعه حدود قانونية أو أخلاقية، وقد تورط بالفعل في جنايتين والعديد من مستشاريه السابقين في السجن أو في طريقهم إليه، ومع تزايد مشكلاته، سيصبح أقل التزاماً بالآليات المؤسسية. وإذا اتهم مولر أحد أفراد عائلة ترامب، فيجوز للرئيس أن يوجه مدعيه العام بإنهاء الأمر برمته، ومن ثم يستخدم سلطات العفو الممنوحة به بوصفه رئيساً، وقد يكتشف ديمقراطيو مجلس النواب وثائق تشير إلى أن شركات ترامب كانت تستخدم في غسل الأموال الروسية. ثم ماذا بعد؟

التشويش والفوضى

التشويش والفوضى وانتهاك المعايير هي الطريقة التي يعمل بها ترامب. إذا افترضنا أن الحكومة الفيدرالية هي عبارة عن شركة، فإن عمليات الاستقالات والطرد من الوظائف العليا في البيت الأبيض كانت ستؤدي إلى نفور المستثمرين، غالباً ما تؤدي تدخلات ترامب إلى عكس ما كان يبتغيه. انتقاده لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، لكونه متشدداً، سيجعل الاحتياطي الفيدرالي ذا العقلية المستقلة، أكثر تشدداً، ويخشى مفاوضوه الخاصون من أنه قد يفصلهم عن وظائفهم إذا ما استبد به المزاج، وأكد معظم كبار الموظفين الذين غادروا الإدارة أنه مصاب بالاستغراق الذاتي، ومشتت الذهن، وسيّئ الاطلاع، يحب الولاء المطلق، وعندما يحصل عليه، لا يقدم أي شيء في المقابل.

كيف يستطيع الكونغرس والعالم الاستعداد لما هو آتٍ؟ يجب على الحلفاء الأجانب المشاركة مع التحوّط، والعمل مع ترامب عندما يستطيعون ذلك على أن تكون لديهم خطة بديلة تحسباً من خذلانه لهم، ولدى الديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس النواب خط رفيع ينبغي ألا يتجاوزوه، حيث ينادي البعض منهم بعزل ترامب، لكن حتى الآن، لا يحبذ مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، محاكمته وعزله. وكما يعكس الوضع الراهن فمن الأفضل أن يجيء الحكم من استطلاعات الرأي، وبدلاً من ذلك، يجب أن يحاسبوه، على ألا يشعروه بأنهم بمثابة داعمين لحملته الدائمة.

معضلة

يجد العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ أنفسهم الآن في معضلة مألوفة لديهم، إما أن يتحدثون في العلن ويجازفون بخسارة مقاعدهم في الانتخابات الأولية، أو أن يظلوا صامتين ويخاطرون بخسارة حزبهم وضمائرهم. وعليهم في هذه الحالة اتباع نهج ميت رومني، الذي استهل دخوله إلى مجلس الشيوخ هذا الأسبوع بانتقاده سلوك ترامب. لقد أصبحت عودته إلى السياسة موضع ترحيب، كما هي الحال مع المعارضة النشطة الموجهة إلى ترامب من قبل نشطاء المجتمع المدني خلال الانتخابات النصفية، وبهذا تقوى شوكة الديمقراطية الأميركية، التي تعرضت في عهده لكثير من الضربات.

بعد عامين من الفوضى، يتضح أن استعراض ترامب هو شيء علينا أن نتحمله. ربما سيحالفنا الحظ وتعود العلاقة الجيدة بين أميركا والعالم، لكن الحظ هو أمل ضعيف لبناء الرخاء والسلام.

أي تقييم موثوق به لفترة ترامب يتطلب من الذين يحبون أميركا أن يصموا آذانهم لفترة وجيزة عما تنقله الأخبار.

ما يميّز العامين الأولين لترامب في الرئاسة هو غريزته التي لا يمكنه كبح جماحها، والتي تعمل بمثابة آلة تحطيم لما قد يبدو إنجازاً.

الأكثر مشاركة