فتح قنوات الاتصال بين الخصوم ضروري

شبح الهجوم النووي في أوروبا مازال قائماً

صورة

بعد 100 عام من الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى، اجتمع رؤساء دول وحكومات في فرنسا، هذا الشهر، لإحياء الذكرى المئوية، وحضور افتتاح منتدى باريس للسلام. إن هدف المنتدى هو أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولكن الاجتماع عُقد في مواجهة تدهور المشهد متعدد الأطراف، الذي يمكن القول إنه يشكل التهديد البارز للسلم والأمن الدوليين، والذي بات في أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، الأمر يتعلّق بخطر استخدام الأسلحة النووية.

وقد تركز الكثير من الاهتمام في أعقاب إحياء يوم الهدنة على مفهوم «جيش أوروبي حقيقي»، الذي قدمه قادة فرنسا وألمانيا، وهو اقتراح يرتبط بمشهد الخطر النووي المتزايد. والحقيقة أن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لجيش دفاعي أوروبي، جاءت رداً مباشراً على إعلان الولايات المتحدة أنها ستنسحب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى لعام 1987، حيث تم تحديد الأمن الأوروبي بأنه «الضحية الرئيسة»، ما يدعو الأميركيين إلى مواصلة جهودهم في الحماية. ولكن حتى مع وجود جيش أوروبي على أرض الواقع، وحتى لو كانت الولايات المتحدة وروسيا ستحلان قضاياهما وتلتزمان بواجباتهما، فإن شبح الاستخدام النووي في القارة مازال قائماً.

كان لتدهور العلاقات بين الدول الكبرى، في ما يخص السلاح النووي، خلال السنوات الأخيرة، عواقب حقيقية على إمكانية استخدامه في أوروبا، سواء عن قصد أو عن غير قصد. ومع بناء روسيا قواتها العسكرية في كالينينغراد، رداً على العلاقات المتوترة مع الغرب، انتهت معاهدة «البداية الجديدة»، التي أبرمت في عهد الرئيس باراك أوباما، وكان من المفروض أن تستمر إلى عام 2021؛ ليبدأ بذلك القادة الأوروبيون في التفكير جدياً في سباق تسلح في قارتهم. ويشكل استمرار وجود الأسلحة الاستراتيجية الأميركية والروسية في القارة خطراً جدياً، واحتمال «الاستخدام العرضي، أو جراء الخطأ في التقدير والتصعيد غير المقصود. ويثير النشاط الأخير في بحر النرويج إمكانية المواجهة مع الأسطول الشمالي لروسيا، وهو سيناريو يمكن أن يعكس تجربة مشابهة لأزمة الصواريخ الكوبية.

هناك شعور بأزمة دبلوماسية نووية في جهود عدم الانتشار والأمن النووي. وهذا أمر مهم، إذ يُقال إن الجماعات الإرهابية لاتزال عازمة على الحصول على المواد اللازمة لبناء سلاح نووي. إن طرد روسيا عام 2014 من مجموعة الثماني، قد أوقف الأنشطة على نحو مُقلق، في إطار الشراكة العالمية لمكافحة انتشار أسلحة ومواد الدمار الشامل. لقد انسحب الرئيس فلاديمير بوتين من الاتفاقية الثنائية مع الولايات المتحدة، الخاصة بأسلحة البلوتونيوم، في عام 2016. وينبغي أن يكون التوقف عن تأمين المواد النووية مصدر قلق للمنطقة التي ثبت أنها معرضة للتهديد الإرهابي.

لكن الاهتمام الأخير بمعاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، يقلل من شأن القضية الأساسية المتمثلة في المخاطر النووية. في الواقع، أوروبا ليست محصنة حتى ضد قدرات كوريا الشمالية. إن الطبيعة المتنوّعة للمخاطر النووية - وأسبابها، تساعد في تفسير سبب اتخاذ عدد من الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا وفرنسا ذات التسليح النووي، إجراءات عملية للحدّ من الأخطار. وفي مايو 2016، حدّد المسؤولون في السويد وسويسرا المخاطر الفريدة المرتبطة بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية، ما أدى إلى دعوة بعض الدوائر إلى حظر عالمي. كما أن هاتين الدولتين أطلقتا منذ زمن طويل دعوات لتقليل الاستعداد العملياتي لأنظمة الأسلحة النووية، أو ما يعرف بـ«إلغاء حالة التأهب». لم تصبح أوروبا في وضع المتفرج في مواجهة احتمال متزايد لهجوم نووي على أعتابها. ومع ذلك، إذا حدثت مواجهة نووية، فإنها لا يمكن أن تكون انتقائية. يجب أن يكون أي جهد يبذل في القارة شاملاً ومدروساً، مع معالجة مسائل أكثر من مجرد جوانب ضيقة من المخاطر. تخيلوا سيناريو، كما حدث في الماضي، عندما أساءت موسكو تفسير رحلة صاروخية تقليدية بأنها نووية.

حتى الدفاع الأوروبي المشترك يمكن أن يفعل القليل لمنع رد نووي انتقامي. ولكن إذا وضعت جميع الرؤوس الحربية غير الاستراتيجية في أوروبا داخل مخابئ التخزين، فإن هذا من شأنه التقليل من احتمال أن موسكو قد تسيء تفسير المهام التقليدية. قنوات الاتصال المباشرة بين الأطراف المعنية يمكن أن تعزّز الحماية ضد التصعيد.

في الواقع لا توجد حلول عالمية، ولكن يجب ألا يغيب عن أولئك الذين يركّزون على مستقبل معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، القضية الأوسع نطاقاً، والمتمثلة في المخاطر النووية. ومع ذلك، فإن قلة في المجتمع الدولي أبدت وجهة نظر شاملة بشأن الحدّ من تلك المخاطر، ناهيك عن معالجة أسبابها والسيناريوهات المصاحبة لها. وبينما بذلت المعاهد البحثية والمسؤولون السابقون جهوداً تستحق الثناء، لاتزال هناك فجوة كبيرة، وهذا لا يمكن أن يستمر. إن الحد من المخاطر النووية هو من المصالح الأمنية المشتركة لجميع الدول. وهي سياسة تتجاوز الأحلاف والمظلات، وحتى الظروف الجيوسياسية التي أسهمت في ركود جهود الحدّ من التسلح ونزع السلاح.

المشاركة المنتظمة والمدروسة في الحد من المخاطر النووية يمكن أن تؤدي إلى إجراء ملموس ومحدد. في الوقت الذي تبدو فيه هذه المخاطر في القارة حادة، فإن الدول الأوروبية لديها كل الأسباب لاتخاذ المبادرة.

ولفرد وان : باحث في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، ويركز حالياً على خيارات الحد من المخاطر النووية.


- قلة في المجتمع الدولي أبدت وجهة نظر شاملة

بشأن الحد من تلك المخاطر، ناهيك عن معالجة

أسبابها والسيناريوهات المصاحبة لها.

تويتر