حتى يتمكن من تحقيق نتائج ذات معنى

مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سورية بحاجة إلى نهج سياسي جديد

صورة

عينت الأمم المتحدة مبعوثاً جديداً إلى سورية، قد يغير أسلوب تعامل الأمم المتحدة على نحو جذري مع الصراع في هذا البلد. وبدلاً من إحياء عملية سياسية عاجزة عن تحقيق أي إصلاح، يجب على المندوب الجديد وهو النرويجي جير بيدرسون، أن يجمد عملية الأمم المتحدة الحالية كي يجبر اللاعبين السوريين والدوليين، الذين لايزال العديد منهم بحاجة لموافقة الأمم المتحدة، على الانخراط في المرحلة الأخيرة بصورة أكثر جدية. وباختصار، فإن المبعوث الجديد بحاجة إلى قتل العملية السياسية الحالية كي ينقذ مستقبل أي مفاوضات سياسية تقودها الأمم المتحدة.

وكان المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا كرّس السنوات الأربع الماضية في محاولته لصياغة حل سياسي للأزمة السياسية، وخلال العام الماضي ركز بصورة أساسية على عملية إصلاح الدستور، التي كانت تهدف إلى إجراء انتخابات مدعومة من الأمم المتحدة، لكن هذا المسار وصل الآن إلى طريق مسدود.

وحقق الرئيس السوري بشار الأسد الانتصار في الحرب الأهلية التي عصفت بسورية خلال السنوات السبع الماضية، حتى وإن لم يتمكن من استعادة كل الأراضي السورية، كما أنه غير مستعد الآن لتقديم أي تنازلات سياسية ذات معنى. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أكثر من ذلك، حيث أبلغ دي ميستورا خلال رحلة هذا الأخير إلى دمشق في أكتوبر الماضي بأنه ليس هناك مجال لأي تدخل خارجي من أجل إصلاح دستور الدولة.

وعلى الرغم من أن الداعم الرئيس للأسد، أي روسيا، تدعي أنها تدعم العملية السياسية للأمم المتحدة، فإن موسكو أوضحت انها تتوقع إتمام عملية الإصلاح الدستوري بقيادة الأسد، وأظهرت عدم استعدادها للضغط على سورية من أجل التوصل إلى تسوية ذات معنى. وفي نهاية المطاف فإن مواصلة الأمم المتحدة والدعم الدولي لهذا المسار في المسألة السورية ربما سيؤدي إلى أسوأ النتائج الممكنة، أي استمرار تضاؤل القواسم المشتركة بين الطرفين المتحاربين حتى تتم الموافقة الدولية على إصلاحات ليست ذات معنى وعملية انتخابية فارغة المضمون، وعلى الرغم من أن ذلك ربما يمنح اللاعبين الدوليين الرضا الذي يستثمرونه في تأمين الشكل الخارجي للاتفاق السياسي فإنه سيكون عديم القيمة على الأرض.

إبقاء العملية حية

وحاول دي ميستورا إبقاء العملية السياسية حية حتى في الوقت الذي كانت فيه ميتة على الأرض، على أمل أن يقوم اللاعبون الخارجيون في نهاية المطاف بتغيير المعادلة لصالحه، لكن هذه العملية فشلت ليست بسبب دي ميستورا وإنما بسبب اللاعبين الدوليين، بمن فيهم روسيا وإيران وتركيا، الذين لم يقدموا أي شيء مهم للضغط على حلفائهم السوريين للمشاركة في العملية بصورة ذات معنى.

وبدلاً من ذلك كان اللاعبون السوريون والدوليون يستفيدون من الغطاء السياسي الذي قدمته مبادرات دي ميستورا للدفع قدماً بطموحاتهم المتناقضة على أرض الواقع.

وكان الأسد والروس في مركز هذه العملية الخادعة، حيث دفعوا باتجاه تحقيق المزيد من الانتصارات العسكرية في الوقت الذي كانوا يعربون عن دعمهم للمفاوضات الجارية، لكنهم لم يكونوا وحدهم يقومون بذلك، وعلى الرغم من أن القرار الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة التزام الولايات المتحدة بالانخراط في عملية سياسية في سورية قد شجع داعمي المعارضة، فإن السياسة الأميركية الآن تركز على إبعاد إيران من سورية، وبات ينظر إلى العملية السياسية كوسيلة لتحقيق هذا الهدف، وأي شخص يراهن على دعم الولايات المتحدة لعملية سياسية سيصاب بخيبة الأمل على الأرجح.

نفوذ خاص

ويتعين على بيدرسون تشكيل نفوذه الخاص عن طريق الكشف عن المواقف الجوفاء للاعبين السوريين والأجانب، وبدلاً من أن يترك العملية السياسية في غرفة الإنعاش، عليه تجميد رعاية الأمم المتحدة لهذه العملية، ويتضح جيداً أنه لن يدير عملية كاذبة بالمطلق، ويتعهد بإعادة الانخراط في العملية حالما يُظهر اللاعبون ذوو الصلة التزاماً حقيقياً لتحريكها قدماً.

وعلى الرغم من أن روسيا بالتحديد ربما تعارض هذا النهج الجديد في العملية السياسية، فإنه يظل الأمل الوحيد بالنسبة للمبعوث الجديد هو الإصرار على أهمية الأمم المتحدة وحقن الزخم في العملية السياسية. وفي نهاية المطاف، فإن تقارير بيدرسون إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ودعمه سيكون له الدور الأهم في استمرارية هذا النهج، لكن يمكن أن يحظى بالدعم أيضاً من الاتحاد الأوروبي، وربما يكون هناك قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

والسبب الذي يمكن أن يحقق نجاح هذا النهج لتحقيق تقدم محدود في سورية هو أن عدداً من اللاعبين الأساسيين بحاجة إلى الشرعية الدولية الناجمة التي تقدمها الاتفاقات السياسية المدعومة من الأمم المتحدة خصوصاً روسيا، التي طالما كانت تنشد الموافقة الدولية على المشروع السوري. ويتجلى ذلك من خلال تواصلها المكثف مع أوروبا من أجل دعم إعادة الإعمار الذي يستند أولاً وقبل كل شيء إلى الرغبة في تأمين دعم سياسي أوروبي لسياستها في سورية بدلاً من الرغبة في إعادة بناء سورية.

وبالطبع فإن تغيير المبعوث الدولي الجديد لمسار العملية السياسية المتعلقة بسورية سيشكل تحدياً لموقف موسكو، وبدلاً من أن يكون الموضوع على عاتق الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فسيكون العبء على روسيا لتضغط على الأسد كي يقدم تنازلات ذات معنى كبديل للانخراط الأممي في العملية السياسية. والجدير بالذكر أنه في الوقت الذي كانت تلعب فيه الأمم المتحدة دوراً حازماً على هذه الجبهة، أي قبل مؤتمر سوتشي الذي كان برعاية روسية في يناير الماضي، قدمت روسيا تنازلات أمام مطالب الأمم المتحدة.

من جانبه، رفض الأسد بجلاء الحاجة إلى شرعية غربية لدعم إعادة البناء، لكن خلف هذا الدعم ثمة ضعف وهشاشة، اذ إن العقوبات المالية الأوروبية على سبيل المثال، والتي لن يتم رفعها إلا من خلال عملية مدعومة من الأمم المتحدة، تمنع حتى الشركات الروسية من القيام بالعمل في مشاريع سورية، وعلى الرغم من أن الأسد لا يريد مال الدول الغربية، فإنه يريد بعض أقنية الدعم المالي الخارجي لتلبية مطالب داعميه بعد 7 سنوات من الحرب.

لا مرحلة انتقالية

وفي نهاية المطاف، فإن هذا النهج لن يقود إلى مرحلة انتقالية ولا إلى العدل المنشود، ولا إمكانية إجراء انتخابات في المستقبل القريب، ولن يسفر الاستمرار في كلا النهجين عن نتيجة مثمرة بالنظر إلى موقف الأسد القوي والطموحات الروسية، لكن وجود نهج مدعوم من الأمم المتحدة أكثر حزماً يوضح لموسكو ودمشق أنهما لن يستطيعا الحصول على موافقة الأمم المتحدة باعتباره أمراً مسلماً به؛ يمنح المبعوث الجديد فرصة أفضل لفرض إصلاحات سياسية. ولا ينبغي ترجمة موقف الأمم المتحدة المتشدد على الجبهة السياسية باعتباره خروجاً كاملاً عن الموضوع السوري، بل على العكس، فبدلاً من العمل على إحياء مسار سياسي بائد، يتعين على المبعوث الجديد إعطاء الأولوية للاهتمام الدولي بالتطورات الحاسمة على الأرض التي تشكل الحياة اليومية للمدنيين السوريين أكثر بكثير من العملية السياسية الراكدة.

ويجب أن تكون الأولوية هي الحفاظ على وقف إطلاق نار هش في ادلب، بما يضمن انتقال بشري كامل عبر الدولة، والعمل على إنشاء وإدارة آليات دعم الاستقرار المحلي، التي يقوم من خلالها برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة بنقل مساعداته بشفافية، وتقديم ضمانات الحقوق للحصول على الأمن والممتلكات بالنسبة للاجئين والأشخاص النازحين داخلياً والذين ينشدون العودة إلى منازلهم، وتركيز شديد على ضمان وصول المعلومات المتعلقة بعشرات الآلاف من المعتقلين وعائلاتهم والذين لايزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن. ويجب أن يكون التقدم في هذه القضايا أحد الشروط الضرورية لاستئناف العملية السياسية.

وعلى الرغم من أنه كان هناك الكثير من الأحاديث حول دستور لتقاسم السلطة، يتعين على المندوب الأممي الجديد التركيز أولاً على إبلاغ الأسد بتنفيذ الإجراءات الدستورية الموجودة أصلاً، مثل القانون رقم 107، المتعلق باللامركزية في سورية والذي من المفروض أن يسمح بدرجة معينة من السلطة المحلية. وليس هناك مجال أمام دمشق وموسكو لاتهام الأمم المتحدة بأنها تمثل تدخلاً خارجياً في قضايا السيادة إذا ركزت على الضغط على الأسد كي ينفذ القوانين الموجودة أصلاً في القانون السوري.

ولن تحل هذه الجهود مكان التسوية السياسية التي لابد منها لمعالجة جوهر المشكلة التي فجرت الحرب الأهلية في سورية، لكنها قد تساعد على خلق مستقبل أفضل ولو بشكل بسيط للسوريين، وستمثل تقدماً ملحوظاً على الوضع الراهن، وإذا فشلت فإن الأمم المتحدة تكون على الأقل قد نأت بنفسها عن عملية سياسية عبثية.


يجب على المندوب الجديد، أن يجمد عملية الأمم المتحدة الحالية كي يجبر اللاعبين السوريين والدوليين، على الانخراط في المرحلة الأخيرة بصورة أكثر جدية.

على الرغم من أن القرار الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة التزام الولايات المتحدة بالانخراط في عملية سياسية في سورية قد شجع داعمي المعارضة؛ فإن السياسة الأميركية الآن تركز على إبعاد إيران من سورية.

تويتر