عقبات محتملة في طريق الحل

روسيا «تستكشف» فرص إبرام تسوية في أفغانستان

صورة

استضافت موسكو، في التاسع من نوفمبر الجاري، جولة مباحثات جديدة حول التسوية في أفغانستان، تحت عنوان «صيغة موسكو»، اعتبرت أن المكسب الذي يمكن أن ينتج عنها هو مشاركة ممثلين عن حركة «طالبان» فيها للمرة الأولى، بعد نحو عامين من إطلاق الحوار الذي شهد جولتين سابقتين لم تسفرا عن أي نتائج، وغلب عليهما طابع الحوار الإقليمي مع دول الجوار المعنية بالقضية الأفغانية.

وعلى الرغم من إحراز تقدم نوعي في الحوار تتحدث عنه روسيا، إلا أن ذلك لا ينفي أنه يواجه تحديات عدة عكستها مخرجات اللقاء، دون أن ينفي ذلك أن موسكو، ستواصل مساعيها نحو عقد مزيد من الجلسات، خصوصاً في ظل تطور الأوضاع الميدانية المتمثلة في انتقال تنظيم «داعش» من سورية والعراق وبعض دول الشرق الأوسط إلى أفغانستان، وهو ما تعتبره تهديداً جديداً لمصالحها.

صيغة موسكو

تحمل اللقاءات التي تجريها روسيا لتسوية الأوضاع في أفغانستان بين أطراف النزاع المحليين اسم «صيغة موسكو»، كعنوان ظل مقتصراً خلال العامين الماضيين على دول الطوق الأفغاني التي مُثلث في جولتين متتاليتين في فبراير وأبريل 2017، وهي روسيا وإيران والهند وباكستان والصين وخمس من دول الاتحاد السوفييتي السابق (كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان) وسط اتفاق على ضرورة إقرار تسوية داخلية في أفغانستان كمصلحة مشتركة بين هذه الدول.

هدف مركزي

لكن أياً من الجولتين لم يضف جديداً خارج هذا التوجه، على الرغم من وجود هدف مركزي للحوار بشكل عام، وهو «إقرار خريطة طريق للتسوية في أفغانستان». وظل هذا المسار بعيداً عن إحداث أي اختراق في المضمون، بسبب عدم مشاركة الأطراف المعنية بالحوار، وحرص كل منها على وضع اشتراطات وصفتها الخارجية الروسية آنذاك بـ«التعجيزية».

ومن هنا، تعتبر موسكو أن حضور «طالبان» وتمثيلها بخمسة مشاركين من مكتبها السياسي، هو إنجاز يدعم فرص تحقيق الهدف، بشكل قالت إنه يفرض عليها أن تواصل مساعيها لدعوة الحكومة الأفغانية التي تجرى معها حواراً مباشراً عبر مبعوثها الرسمي، للانخراط في المباحثات على غرار «طالبان»، لكنها لم تتمكن من تغيير موقفها، حيث اكتفت الحكومة بإيفاد وفد من المجلس الأعلى الأفغاني للسلام المقرب منها، إلا أنها لم تغلق الباب أمام احتمالات أخرى في المستقبل، حيث ذكر بيان للخارجية الأفغانية، قبيل إطلاق الجولة الأخيرة، أنها «تأمل في أن ترسي المحادثات التي تستضيفها روسيا أساساً لمحادثات سلام مباشرة مع المسلحين في المستقبل».

هدفان رئيسان:

تسعى روسيا من خلال هذه الجهود إلى تحقيق هدفين رئيسين هما:

1- قطع الطريق على تنامي نفوذ «داعش» في أفغانستان

إذ يبدو أن موسكو تتوقع أن تخوض مواجهة في المستقبل مع تنظيم «داعش»، الذي يتصاعد نشاطه بالقرب من حدودها، وتبحث في هذا السياق عن حلفاء محليين يمكنهم خوض تلك المواجهة معها، وهو ما بدا جلياً في حديث وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي اعتبر أن هناك «أهدافاً مشتركة لدى جميع المشاركين في اللقاء، وهي مواجهة ظاهرة تنامي وجود (داعش) داخل أفغانستان». وبحسب نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، فإن «زيادة عدد مسلحي (داعش) في شمال أفغانستان يهدّد أمن آسيا الوسطى، حيث وصل إلى 2000 شخص، بينهم 70% من الباكستانيين، و6% من الأوزبك، و4% من الشيشان، و3% من العرب، و1% من الصينيين، و14% من الأفغان».

2- الحدّ من تداعيات التحركات الأميركية في أفغانستان

والتي تعتبر روسيا أنها تشكل تهديداً لمصالحها. ووفقاً لرؤيتها، فإنه بعد 17 عاماً من الحرب في أفغانستان لم تحسم فيها الولايات المتحدة الأوضاع هناك، رغم ارتفاع فاتورتها التي تصل إلى نحو تريليون دولار، حسب بعض التقديرات، لا يبدو أنها عازمة بالأساس على هذا الحسم، بما يعني أن موسكو تبدي شكوكاً في النوايا الأميركية في الإبقاء على الوضع في أفغانستان تحت السيطرة.

مواقف حذرة

اللافت في هذا السياق، هو أن روسيا بدت حذرة في تقييم نتائج المباحثات الأخيرة، وهو ما انعكس في تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان زامير كابولوف، في نهاية المباحثات التي قال فيها: «أُفضِّل تجنب إطلاق عبارات مثل الاختراق أو تذويب الجليد، فالهدف الأساسي الذي تريده موسكو، وهو الوصول إلى خريطة طريق، لايزال غير واضح الملامح وغير مختمر، وتنفيذه يعتمد على عوامل كثيرة قد يكون أبرزها الانتخابات المقبلة في هذا البلد». وربما يعود ذلك إلى أن ثمة تحديين قد تواجها الجهود الروسية في هذا السياق. يتمثل الأول، في إصرار أطراف الصراع على وضع شروط مسبقة للمشاركة في مفاوضات مباشرة برعاية موسكو، حيث تشترط الحكومة الأفغانية اعتراف «طالبان» بالدستور، وبالتالي بشرعية الحكومة، وهو ما ترفضه الحركة التي تعتبر، وفق قادتها، أن «الحكومة غير شرعية»، وأنها «مدعومة من القوات الأميركية». وينصرف الثاني، إلى رفض «طالبان» التراجع عن وقف إطلاق النار قبل التفاوض على جدول انسحاب القوات الأميركية، وهو موقف لا يبدو أن روسيا يمكن أن تنجح في تغييره قريباً. ورغم أن اتجاهات عدة اعتبرت أن إعلان الحركة، في 13 أكتوبر الماضي، عن إجراء مباحثات مع المبعوث الأميركي زالماي خليل زاد، قد يؤشر إلى حرص الحركة على توسيع هامش الخيارات المتاح أمامها، إلا أن ذلك لا يعني أن واشنطن قد تسعى إلى عرقلة التحركات الروسية، خصوصاً مع الإعلان عن زيارة محتملة قد يقوم بها زاد إلى موسكو في الفترة المقبلة.

صعوبة الحل

في ظل الظروف الحالية، يمكن القول إن الوصول إلى تسوية للأزمة الأفغانية يبدو صعباً، خصوصاً أنه لا توجد مؤشرات يمكن أن تعزّز من احتمال الوصول إلى توافق وطني على أطر ومحددات تلك التسوية، على ضوء تفاقم الصراع بين الأطراف المحلية الرئيسة، وتباين مواقف القوى الدولية والإقليمية المعنية بالتطورات السياسية والميدانية في أفغانستان.

- إعلان «طالبان» في 13 أكتوبر الماضي،

إجراء مباحثات مع المبعوث الأميركي زالماي خليل زاد، يؤشر إلى حرصها

على توسيع هامش الخيارات أمامها، لكن ذلك لا يعني أن واشنطن

قد تسعى إلى عرقلة التحركات الروسية، خصوصاً مع الزيارة المحتملة

لـ«زاد» إلى موسكو في الفترة المقبلة.

تويتر