على الرغم من خسارة الجمهوريين مجلس النواب

ترامب يزداد خطورة بعد انتخابات الكونغرس النصفية

صورة

لم يكن وزير العدل الأميركي، جيف سيشنز، مناسباً للعمل في هذا المنصب. فقد كذب بشأن سجله في الخدمة، وادعى أنه ألغى مدارس الفصل العنصري بولاية ألاباما، في حين أنه في واقع الأمر لم يفعل ذلك، حسب ما اعترف في ما بعد عندما كان تحت القسم. ولقد ضلل هو وأتباعه الرأي العام بإصراره على أنه بدأ حياته السياسية في حملة ضد نصيرة الفصل العنصري، لورلين والاس، من دون أن يذكر أن خصمها في الحزب الجمهوري كان أيضاً من أتباع التمييز العنصري. وبالغ في وصف دوره في محاكمة أعضاء عصابة «كو كلوكس كلان» العنصرية المتطرفة، الذين أعدموا الشاب الأميركي ذا الأصول الإفريقية، مايكل دونالد. وأثنى جيف على قانون الهجرة العنصري الذي صدر عام 1924، والذي استهدف الملونين من شرق وجنوب أوروبا واليهود. وتم رفض جيف لمنصب قاضٍ فيدرالي لأنه كان قد وصف محامياً أسود بأنه «صبي»، ومحامي حقوق مدنية بأنه «خائن إثنيته»، وكان جيف يقف في كل قضية تتعلق بالحقوق المدنية خلال الـ40 عاما الماضية في الجانب الخاطئ.

وضلل جيف الكونغرس وهو تحت القسم، بشأن علاقاته مع المسؤولين الروس خلال الحملة الانتخابية عام 2016، ومن ثم كذب. وإذا كان سجله المعارض للحقوق الدستورية الأساسية للمجموعات المهمشة ملائماً فإن كثرة كذبه كافية للإساءة إليه.

وبصفته وزيراً للعدل، أسهم جيف في تراجع حركة الحقوق المدنية، وفشل في رفع قضية حقوق انتخابات واحدة في الدولة، حيث قام الحزب الجمهوري بحرمان مناطق انتخابية منافسة من التصويت كتكتيك للفوز في الانتخابات، وفشل في واجبه منع الرئيس من التأثير في تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، المتعلقة بالتدخل الروسي في انتخابات عام 2016، ومن ثم ساعد الرئيس في تقديم تبرير كاذب لطرد مدير مكتب التحقيقات، جيمس كومي. وفي واقع الأمر فإن جيف يجب أن يدخل التاريخ باعتباره أسوأ وزير عدل يتسلم هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة.

ولكن من ناحية أخرى ومهمة، فإن طرد جيف من منصبه يعتبر أمراً مرعباً. وعلى الرغم من كل أخطاء جيف إلا أنه كان يرى أن منصب وزير العدل يجب أن يقاوم الضغط السياسي من البيت الأبيض، وأن ولاء هذا المنصب يجب أن يكون للدستور. وهذه هي الرؤية التي جعلت جيف يوافق تحت الضغط لإنقاذ نفسه من تحقيقات التدخل الروسي. وهذا الأمر يعتبر مناقضاً للعقيدة المركزية لترامب، التي مفادها أن كل الولاء يجب ألا يكون للشعب ولا للدولة ولا للدستور وإنما لترامب نفسه. وما أثار غضب ترامب أن محاولة جيف إنقاذ نفسه تعني أنه لن يتمكن من السيطرة على التحقيق بنفسه، وبالطبع فإنه لن يرتكب مثل هذه الخطأ عندما سيختار وزير العدل المقبل.

ويبدو أن خسارة ترامب في انتخابات نصف المرحلة بالكونغرس، لن تجعله أكثر حذراً، وأنما سيكون أكثر خطراً من قبل. ومن المعروف أن الالتزام الأيديولوجي الوحيد لترامب هو رؤيته العنصرية الغالية للمواطن الأميركي. ويبدو حبه للاستبداد متأصلاً به كغريزة أكثر منه أيديولوجية، ومرتبط ارتباطاً وثيقاً برغبته في إثراء نفسه وبطانته من دون مواجهة النتائج القانونية لذلك. وإذا كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينقذ بها الرئيس نفسه أو الآخرين المشاركين في أعمال فساده، تتمثل في انتهاك حكم القانون، فإنه ليس لديه رادع من ضمير يمنعه من القيام بذلك. ولكن بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب فإن الرئيس ترامب لايزال واثقاً من أنه قادر على انتهاك القانون على نحو صارخ، ويقنع أنصاره في الوقت ذاته بأنه لا يفعل ذلك. وفي الحقيقة فإن حماية حكم القانون تقع على عاتق الأغلبية الجمهورية في الكونغرس، التي يبدو استعدادها للقيام بذلك محل شكوك عميقة.

وبالطبع فإن الرئيس قال الكثير، خلال مؤتمره الصحافي الأربعاء الماضي، حيث حذر الديمقراطيين في مجلس النواب من أنهم إذا حاولوا النبش في حملته الانتخابية أو ضرائبه، فإنه سينتقم منهم. وقال ترامب «إذا كانوا يستطيعون تهديدنا فنحن نستطيع تهديدهم أيضاً، وستكون العملية صداً ورداً بيننا وبينهم، وسيكون هذا الأمر ملائماً جداً بالنسبة لي من الناحية السياسية، لأني أعتقد أني أكثر براعة منهم في هذه اللعبة».

وتعتبر العنصرية مسألة أساسية في السياسة الترامبية، إذ يعتقد ترامب أنه وأصدقاءه وحلفاءه فوق القانون، إذ يمكن أن يرتكبوا أي عمل يريدونه من دون أن تكون له عواقب قانونية. وفي الوقت ذاته، فإن أي عمل يقوم به منتقدوه أو منافسوه سيكون عرضة للمحاسبة القانونية، إذا أراد هو ذلك. والموضوع ليس أن الرئيس ببساطة لا يؤمن بحكم القانون، وإنما يؤمن بأن القانون درع لحمايته وسيف يمكن استخدامه لضرب أعدائه. وليس هناك أي شيء يوضح ذلك أكثر من مطالبته المستمرة بمقاضاة منتقديه، وقراره إصدار إعفاء اتحادي عن رجال، مثل اليميني المتطرف دينش دوسوزا والمناوئ للهجرة جو أربايو اللذين يعتبر انتهاكهما للقانون مسألة تافهة، فقط لأنهما من بطانة ترامب والمتملقين له.

وبالطبع فإن مثل هذه التصرفات يجب ألا تحدث في الأنظمة الديمقراطية، لكنها تحدث في الولايات المتحدة. ومع مغادرة جيف لعالم السياسة، سيبحث ترامب عن بديل له ينظر إلى القانون بطريقته نفسها، أي باعتباره مجموعة من القوانين التي تطبق على أعدائه وليس عليه أو على الدائرة المحيطة به. وفي الحقيقة فإن الخطر على الديمقراطية الأميركية لم ينخفض مع هزيمة الجمهوريين في انتخابات نصف المرحلة وإنما تزايد.


العنصرية تعتبر مسألة أساسية في السياسة «الترامبية».

تويتر