عقبات عدة تقف أمام مساعي «التنظيم» لتحقيق أهدافه

«داعش» يحاول العودة إلى معاقله السابقة

التنظيم يرى أن استمرار الصراع السوري يمكن أن يساعده على تفعيل نشاطه ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها. أرشيفية

يبدو أن تنظيم «داعش» الإرهابي مازال حريصاً على العودة إلى المناطق التي خرج منها أو تراجع نفوذه فيها خلال الفترة الماضية، مثل مدينتي الرقة ودير الزور في سورية، حيث شهدت المدينتان، أخيراً، نشاطاً ملحوظاً للتنظيم، بدا جلياً في الهجمات الإرهابية التي تنفذها عناصره واستهدفت من خلالها الأطراف المناوئة له، على نحو أثار مخاوف عدة من احتمال توسيع نشاط التنظيم مرة أخرى، مستغلاً عدم وصول الأزمة السورية إلى تسوية، وتصاعد حدة الاضطرابات الأمنية في تلك المناطق.

نشاط متصاعد

رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها أطراف عدة معنية بالأزمة السورية من أجل تقليص وجود التنظيم في سورية، بعد القضاء على القسم الأكبر من خلاياه في العراق، إلا أنه تمكن من استعادة نشاطه بشكل نسبي في بعض المناطق، خصوصاً الرقة ودير الزور دون أن يعني ذلك أنه نجح في استعادة السيطرة عليها، إذ بدا واضحاً أن التنظيم حريص على مواصلة تنفيذ عمليات إرهابية داخل المدينتين.

ففي دير الزور، التي كانت تعد أحد أهم معاقل التنظيم الإرهابي قبل خروجه منها، تمكنت عناصره من شن سلسلة من الهجمات ضد قوات الجيش السوري، على غرار الهجمات التي وقعت في المنطقة الممتدة من مدينة الميادين إلى بادية الدوير بريف دير الزور، في بداية سبتمبر 2018، التي تزامنت مع اشتباكات عنيفة اندلعت بين جنود الجيش السوري والميليشيات الحليفة له، وعدد من مسلحيه بمنطقة حقل التيم النفطي جنوب مطار دير الزور العسكري.

كما توالت هجمات التنظيم ضد ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، خلال الشهور الأخيرة، على غرار الهجوم الذي وقع في 19 أكتوبر 2018، وقامت به مجموعة من «الانغماسيين» ضد تجمع لهذه الميليشيا في ريف دير الزور، ما أدى إلى مقتل عدد من مقاتليها وإصابة آخرين، والذي سبقه هجوم آخر في منطقة هجين في 13 من الشهر نفسه، أسفر عن مقتل 37 من عناصرها.

ولم يتوقف نشاط «داعش» على العمليات العسكرية، حيث امتد إلى خطف المواطنين السوريين، على غرار خطف 130 عائلة سورية من مدينة دير الزور، في 13 أكتوبر الجاري، يقدر عددهم بنحو 700 شخص، وذلك من خلال هجوم مباغت على مخيم البحرة بالمدينة نفذته «الخلايا النائمة» التابعة له داخل المخيم.

اعتبارات عدة

يمكن تفسير حرص التنظيم على العودة من جديد إلى المناطق التي كان ينشط فيها، خلال الفترة الماضية، في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تكريس النفوذ

يسعى “داعش” إلى ذلك في بؤر محددة، مثل هجين والسوسة شرقي دير الزور، حيث تمكن التنظيم من توسيع نطاق نشاطه في تلك المناطق رغم الضربات المستمرة التي يتعرض لها من جانب أكثر من طرف، على غرار قوات التحالف الدولي والنظام السوري و«قسد».

ومن دون شك، فإن ذلك يمكن أن يحوّل تلك البؤر إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية نوعية ضد الأطراف المناوئة، أو محاولة التمدد داخل مناطق أخرى قريبة منها.

2- تنشيط الخلايا النائمة:

تعد العناصر الخفية وغير المعروفة أمنياً، التي يطلق عليها «الخلايا الداعشية النائمة»، من أهم الآليات التي يحاول التنظيم الاستناد إليها من أجل استعادة نشاطه الإرهابي من جديد في المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، لاسيما أن تلك المناطق لايزال يوجد بها، حسب تقارير عدة، أعداد ممن كان يطلق عليهم «أشبال الخلافة»، الذين يمثلون حالياً، حسب رؤية التنظيم، مورداً بشرياً مهماً، يمكن أن يساعده في تعويض قسم من الخسائر البشرية التي مُني بها بسبب المواجهات المختلفة التي انخرط فيها خلال الفترة الماضية.

وقد باتت هذه الخلايا تمارس الدور الأكبر في تنفيذ الهجمات الإرهابية في كل من الرقة ودير الزور، وهو ما يشير إليه إعلان القوات الأمنية التابعة لميليشيا «قوات سورية الديمقراطية»، في بداية أكتوبر الجاري، عن تمكنها من كشف خلية نائمة تابعة للتنظيم، كانت تخطط لسلسلة من الهجمات في مدينة الرقة، وكذلك تصريح القيادي في هذه الميليشيا، أحمد خلف، في 18 من الشهر ذاته، الذي قال فيه إن «خلايا تابعة للتنظيم هي المسؤولة عن توتر الأوضاع الأمنية في المدينة، حيث تم إلقاء القبض على أربعة من عناصرها، والقضاء على اثنين متورطين في زرع متفجرات وعبوات ناسفة داخل المدينة».

3- استقطاب عناصر جديدة:

يسعى قادة «داعش»، عبر محاولة العودة من جديد إلى المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق، إلى توجيه رسائل إلى العناصر القريبة من توجهاته تفيد بأن التنظيم مازال قادراً على مواجهة الضغوط التي يتعرض لها، وتوسيع نطاق نشاطه من جديد.

وبعبارة أخرى، فإن قادة التنظيم يحاولون من خلال تلك الآلية الترويج إلى أن تراجع التنظيم لا يعني نهاية توجهاته الأيديولوجية التي مازال يحاول تطبيقها، رغم كل الهزائم التي مُني بها في الفترة الماضية، سواء في العراق أو في سورية.

وكان لافتاً أن بعض التنظيمات المنافسة حاولت استغلال هذه الهزائم لتأكيد قرب القضاء على التنظيم، مثل تنظيم «القاعدة» الذي يسعى خلال الفترة الحالية إلى الظهور من جديد في المناطق التي سبق أن سيطر عليها «داعش».

4- الهشاشة الأمنية:

تحظى المناطق التي تعاني تصاعد حدة الاضطرابات الأمنية باهتمام خاص من جانب التنظيم، الذي يرى أن استمرار الصراع السوري يمكن أن يساعده على تفعيل نشاطه ومواجهة الضغوط التي يتعرض لها. ومن هنا، ترجح اتجاهات عدة أن يحاول التنظيم تصعيد عملياته الإرهابية من أجل تعزيز قدرته على تكريس نفوذه من جديد.

لكن رغم ذلك، فإن احتمال نجاح التنظيم في استعادة السيطرة على تلك المناطق من جديد يواجه عقبات لا تبدو هينة، خصوصاً أن الأطراف المعنية بالأزمة السورية لن تسمح بذلك، باعتبار أن هذا المسار سيفرض عواقب خطيرة ستطيل من أمد الأزمة، وتغيّر من توازنات القوى على الأرض من جديد.

- نشاط «داعش» لم يتوقف على العمليات

العسكرية، إنما امتد إلى خطف السوريين، على

غرار خطف 130 عائلة سورية من مدينة دير الزور،

في 13 أكتوبر الجاري. .

تويتر