التوافق بينهما كان بمثابة مسكّن لأزمة عميقة

انفصال «نداء تونس» عن «النهضة» قد يعزز الديمقراطية في تونس

صورة

في 24 سبتمبر أعلن الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، عن نهاية تحالف دام أربع سنوات بين حزبه العلماني «نداء تونس»، وحزب «النهضة» الإسلامي. بدأ التحالف بين السبسي وحركة النهضة، التي يقودها راشد الغنوشي، سلسلة من الاجتماعات، في أغسطس 2013، ساعدت على نزع فتيل الأزمة الناجمة عن الاغتيال السياسي. وبعد فوز السبسي وحزبه في انتخابات 2014، تعزز التوافق مع حزب «النهضة»، الثاني في ائتلاف كبير حكم حتى اليوم.

أشاد المراقبون بالاثنين، على اختلافهما، لأنهما وضعا مصلحة تونس فوق مصلحة الحزب. من سيجادل، في النهاية، ضد تقاسم السلطة في منطقة نادراً ما تتم مشاركتها؟ لكن بينما كان العالم يحتفل بتونس لنجاحاتها الحقيقية، فإن الجانب الأكثر ظلمة من التوافق بدأ يظهر.

وقد تم تبرير التحالف بين أكبر حزبين في تونس بوجه عام على جبهتين أولاً: سعى السبسي والغنوشي إلى تهدئة الاستقطاب الذي أصاب تونس في عام 2013، وبالتالي منع الانتقال السياسي من التحول إلى انهيار ديمقراطي، ثانياً: اعتقد الرجلان أن التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد، تتطلب الاستقرار السياسي والوحدة. وعلى الرغم من أن الاتفاقات التي وقعت في 2013 قد حالت دون حدوث انهيار ديمقراطي، إلا أن الرغبة في التوصل إلى توافق في الآراء، منذ ذلك الحين، قد قوضت الديمقراطية في حد ذاتها.

لا توجد معارضة

لقد حالت تلك الرغبة دون بروز معارضة قوية، وبوجود أكثر من 80% من البرلمان في الائتلاف الحاكم لم تكن هناك معارضة حقيقية لممارسة الرقابة على الحكومة، الأمر الذي أدى إلى إصدار سلسلة من القوانين الإشكالية التي انتقدتها منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، بسبب التراجع عن حقوق الإنسان. ففي عام 2015، على سبيل المثال، أقر الائتلاف الحاكم في تونس قانون مكافحة الإرهاب الذي تضمن تعريفاً واسعاً ومفرطاً للإرهاب، وشمل النشاط السياسي السلمي، الذي سمح باحتجاز المشتبه في أنهم إرهابيون من دون تهمة ومن دون محامٍ لمدة 15 يوماً. وفي عام 2017 وافق الائتلاف على قانون مصالحة منح الإفلات من العقاب لموظفي الخدمة المدنية المتورطين في الفساد، في ظل النظام السابق لزين العابدين بن علي، حتى عندما أظهرت الدراسات الاستقصائية أن أغلب التونسيين عارضوا القانون.

وعلى الرغم من احتجاجات الناشطين ومعارضة منظمات المجتمع المدني، لم يكن بالإمكان إيقاف القانون أو تعديله بشكل واضح من دون معارضة سياسية قوية، ولم يكن هناك أي اعتراض. وكان الطرف الوحيد الكبير والمنظم بدرجة كافية للضغط على الحكومة، هو حركة «النهضة»، التي كانت ضمن الحكومة، وقد قررت أخيراً مخالفة السبسي وحزبه «نداء تونس». لقد كان الكثير من التوافق في مصلحة «نداء تونس» وبقايا النظام السابق.

فقدان الثقة

كانت النتيجة الثانية لسياسة الإجماع هي إضعاف فكرة التمثيل الديمقراطي، وفي عام 2012 مثّل حزب النهضة ونداء تونس، على ما يبدو، نقيضين من الطيف السياسي: الأول أكثر الإسلاميين والمؤيدين للثورة، والآخر أكثر علمانية ودعماً لنظام بن علي. لقد جعلت أربع سنوات من التوافق من الصعب التمييز بين مختلف الأطراف، التي تحاول مكافحة الإرهاب من خلال مقاربة أمنية، إلى حد كبير، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال إصلاحات صندوق النقد الدولي.

مع بعض الاختلافات السياسية بين أحزابهم السياسية، لم يعد التونسيون يشعرون بأنهم يمثلونهم. وجد استطلاع للرأي في 2018، أجرته «أفروباروميتر»، أن 81% من التونسيين «لا يشعرون بأنهم قريبون من أي حزب سياسي»، وأن 79% إما لن يصوتوا أو أنهم لا يعرفون من سيصوتون له إذا أُجريت الانتخابات قريباً. وانعكست خيبة الأمل هذه تجاه الأحزاب السياسية، خلال الانتخابات البلدية لهذا العام، التي شهدت نسبة مشاركة بلغت 34% فقط، وكان أكثر الفائزين على التصويت مستقلين. وخلال عملنا الميداني في تونس، استمعنا مراراً للشكوى نفسها من الشباب التونسي: إن الغربيين كثيراً ما يبالغون في وصف تقدم الديمقراطية في البلاد، من دون أن يدركوا أن التونسيين أمضوا السنوات الماضية في رؤية حزبين، ورجلين مسنين، يبرمان اتفاقات واتخاذ القرارات، بعيداً عن السخط العام.

وفي غياب التمثيل والمعارضة الموثوقة، يتحول التونسيون بشكل متزايد إلى طرق أخرى للتعبير عن آرائهم حيال المسار السياسي. وفي هذا السياق، شهدت البلاد احتجاجات عدة، في يناير، كما هددت النقابة التونسية للشغل، ذات الثقل السياسي، بإضراب وطني هذا الشهر.

حكومة منقسمة

إن عدم الاستقرار الذي كان يأمل السبسي والغنوشي تجنبه من خلال التوافق السياسي، يتجلى بدلاً من ذلك في شكل تصعب السيطرة عليه، من خلال الاحتجاجات المنتظمة للشبان الغاضبين والمحبطين. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الاحتجاجات والإضرابات تُلحق المزيد من الأضرار بالاقتصاد، ما يخلق دورة ذاتية الدفع من الفشل الحكومي وعدم الاستقرار السياسي.

في الأشهر الأخيرة، تعرض التحالف بين الزعيمين لضغوط نتيجة رفض «النهضة» إقالة رئيس الوزراء، يوسف الشاهد، الذي كان ينافس نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، لقيادة «نداء تونس». كما أن مجلس شورى «النهضة» قد عارض للمرة الأولى علانيةً الرئيس التونسي في قضية أثارت جدلاً داخلياً، رافضاً اقتراحه بالميراث المتساوي بين الرجل والمرأة، في أغسطس. وبعد ذلك أعلن السبسي انتهاء تحالفه مع الغنوشي، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان حزب «النهضة» سينتقل إلى المعارضة أم سيبقى ضمن حكومة منقسمة مع حزب منشق جديد موالٍ لرئيس الوزراء. في كلتا الحالتين، ما هو واضح أن «النهضة» لم يعُد يشعر بالحاجة إلى التناغم مع السبسي.

قد نرى النهاية المحتملة لاتفاقية تقاسم السلطة، التي كانت حتى الآن مركزية للتحول الديمقراطي، شيء يدعو إلى الرثاء. لكنها قد تكون أخباراً جيدة للديمقراطية التونسية. وسيستفيد نظام الحزب الناشئ من تراجع كلا الحزبين إلى قواعد الناخبين وتطوير خطط سياسية واقتصادية متنافسة قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2019. وقد يكون هذا الفصل، بالرغم من آلامه، أفضل طريقة لتعزيز الديمقراطية في تونس.

- وجد استطلاع للرأي في 2018، أجرته

«أفروباروميتر»، أن 81% من التونسيين

«لا يشعرون بأنهم قريبون من أي حزب سياسي»،

وأن 79% إما لن يصوتوا أو لا يعرفون

من سيصوتون له، إذا أُجريت الانتخابات قريباً.

- عدم الاستقرار، الذي كان يأمل السبسي

والغنوشي تجنبه من خلال التوافق

السياسي، يتجلى بدلاً من ذلك في شكل

تصعب السيطرة عليه، من خلال الاحتجاجات

المنتظمة للشبان الغاضبين والمحبطين.

تويتر