تمويلها يسهم في انتقال الثروة إلى الأغنياء

حروب أميركا الخارجية تكرّس عدم المساواة داخلياً

صورة

قبل أربع سنوات، أشارت مجلة «إيكونوميست» إلى أن الظروف الحالية في الولايات المتحدة تشبه طائرة ركاب حديثة، يمدد فيها المسافرون على درجة رجال الأعمال أرجلهم، بينما تكتظ مقاعد الدرجة الاقتصادية بالركاب. نحن نعرف كيف وصلنا إلى هذه النقطة. وشهدت أميركا انحداراً، منذ أواخر السبعينات من القرن الـ20، بتركيز الثروة عند الأقلية الثرية، بسبب العولمة وتراجع العضوية النقابية والتغير التكنولوجي، وعوامل أخرى، لكن أحد التفسيرات في الغالب مفقود من هذه القائمة، وهي حقيقة أن الولايات المتحدة هي بلد في حالة حرب.

تدخل الحرب الأميركية في أفغانستان، حالياً، عامها الـ17، جنباً إلى جنب مع حرب العراق، ومجموعة من عمليات «الحرب على الإرهاب» في جميع أنحاء العالم. وقد كلفت مثل هذه المشاركة العسكرية غالياً، سواء تعلق الأمر بالضحايا أو الموارد. وبحسب التقديرات، فإن الحملات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة في أعقاب هجمات سبتمبر 2011، قد كلّفت البلاد 5.6 تريليونات دولار.

عندما تكون الفاتورة كبيرة بهذا الحجم، فإن الوسيلة التي تختار بها الدولة دفعها ستؤثر تأثيراً عميقاً في اقتصادها، إلى حد تحديد من سيصبح ثرياً ومن سيظل فقيراً. في القرن الـ20، موّلت الولايات المتحدة بعض حروبها الكبرى التي شنتها من خلال الضرائب والسندات المباشرة. وكانت هذه التدابير ذات طابع تدريجي، حيث وزّعت عبء الحرب حسب قدرات المواطنين، ولهذا السبب، كان للعديد من حروب القرن الـ20 تأثير متساوٍ على أفراد المجتمع الأميركي، لكن في العقود الأخيرة، فضّل قادة أميركا تمويل الحرب عن طريق اقتراض الأموال وخفض الضرائب. هذه الطريقة ملائمة من الناحية السياسية، لكنها تزيد من عدم المساواة، من خلال استفادة المواطنين الأثرياء، في الوقت الذي تثقل كاهل ذوي الدخل المنخفض. لسوء الحظ، لا يوجد ما يشير إلى أن المشرعين سيتبنون طريقة تمويل مختلفة في أي وقت قريب.

أوقات الحرب

إن «الحرب على الإرهاب» العالمية، التي أعقبت هجمات الـ11 من سبتمبر لم تُسفر، فقط، عن نوع جديد من الحرب، بل أيضاً عن تحول مذهل في الطريقة التي تمول بها الحرب في الولايات المتحدة. كل إدارة سابقة، تقريباً، رفعت الضرائب في أوقات الحرب. وفعلت إدارة جورج بوش الابن العكس، بعد أن خفضت الضرائب في عام 2001، عزز بوش قانون المصالحة لعام 2003 بشأن الوظائف والنمو، ما أدى إلى خفض إيرادات الحكومة بمقدار 320 مليون دولار على مدار عقد من الزمن.

لأنها ستغزو أفغانستان والعراق، مع إنشاء جهاز لمكافحة الإرهاب بامتداد عالمي، فإن الحكومة الأميركية كانت بحاجة إلى بناء جيشها. ومن أجل ضمان هذا المشروع، اعتمدت واشنطن بالكامل، تقريباً، على اقتراض الأموال داخلياً وخارجياً. لم يغير خلفاء بوش هذه الاستراتيجية، فقد تم تمديد التخفيضات الضريبية في عهد باراك أوباما، وفي عام 2017 خفضت إدارة ترامب الضرائب أكثر من ذلك، خصوصاً للأثرياء.

إن تمويل الحرب من خلال الديون بدلاً من الضرائب له معنى سياسي، إذ يستغرق اقتراض الأموال وقتاً أقل من جمع الضرائب، وهذا يسمح للحكومة بالاستعداد بسرعة للصراع، كما أن عجز الميزانية يعطي القادة الاختيار بين الإنفاق العسكري أو البرامج المحلية، عندما يواجهون قيوداً على الميزانية. ويمكن للمسؤولين إدارة الرأي العام بسهولة أكبر والاحتفاظ بمناصبهم عندما لا يرفعون الضرائب، أو يطلبون من المواطنين تقديم تضحيات مالية.

ولكن على الرغم من أن كل المزايا السياسية قصيرة المدى، فإن «الحروب الائتمانية» هذه هي وصفة لعدم المساواة الاقتصادية. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتم الاحتفاظ بجزء من الديْن محلياً، مع اقتراض الحكومة المال من المواطنين أو المؤسسات، مع وعد بالسداد بفوائد.

دخل تدريجي

أولئك الذين يستطيعون تقديم القروض إلى الحكومة هم بالضرورة أثرياء، وسيستعيد هؤلاء الناس والمؤسسات استثماراتهم في وقت لاحق مع الفوائد. وفي هذه الأثناء، يجب أن تساعد الأُسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط في نهاية الأمر على سداد الديون الحكومية، بما في ذلك الفوائد، من خلال الضرائب. تأمين موارد الحرب بهذه الطريقة يسهم في انتقال كبير للثروة من الطبقات الدنيا إلى الطبقات العليا. والمزيد من التخفيضات الضريبية للأثرياء، لا يجعل الأمور أفضل بالتأكيد.

كانت حرب عام 1812، وهي أول حرب رئيسة في أميركا بعد الاستقلال، رهن مجموعة صغيرة من الأثرياء، بما في ذلك نقابة مصرفية أنشأها ديفيد باريش وستيفن جيرار وجون جاكوب أستور وجاكوب باركر. اشترت هذه النقابة معظم ديون الحكومة، وتم الوفاء بها من خلال الضرائب غير المباشرة. واتبعت الحرب الأميركية - المكسيكية والحرب الأهلية الصيغة نفسها تقريباً. وزادت الحروب الثلاث الفوارق الاقتصادية بين المواطنين الأميركيين.

ويزخر التاريخ بأمثلة عن طرق أقل دماراً لدفع ثمن الحرب. خلال الحربين العالميتين والحرب الكورية، فإن الحكومة الأميركية، على أمل مكافحة التضخم وتوزيع تكاليف الحرب بشكل أكثر توازناً، لجأت إلى دخل تدريجي ومرتفع للغاية وضرائب على الشركات.

بالنسبة لأصحاب المداخيل الأعلى، بلغت ضرائب الدخل حتى 77٪ خلال الحرب العالمية الأولى، و94% في الثانية، و91٪ خلال الحرب الكورية. وعلى خلاف الضرائب غير المباشرة، التي قد تُرهق كاهل الأسر الأكثر فقراً، بشكل غير متناسب، فإن هذه الضرائب المباشرة تزيد العبء على الأثرياء. وعلى عكس الديون، لم يحولوا كلفة الحرب إلى دافعي الضرائب المستقبليين، من الأغنياء أو الفقراء.

إجماع واسع

خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، استكملت الحكومة هذه الاستراتيجية الضريبية بحملات سندات حرب ناشدت المواطنين الأشد فقراً بنداءات الوطنية، بما في ذلك «رسوم ديزني». وشجعت الحملات المواطنين العاديين على الادخار عن طريق شراء السندات، التي تم سدادها في وقت لاحق مع الفائدة، الأمر الذي كان إيجابياً للأسر المتوسطة والمنخفضة الدخل. كان الأثر المشترك للضرائب المباشرة وسندات الحرب هو أن عدم المساواة انخفض خلال كل حرب، وفي السنوات التي تلت ذلك مباشرة.

كانت تلك الحروب تختلف عن تلك التي تجري في أيامنا هذه، لأنها كانت تستند إلى إجماع واسع على أن الولايات المتحدة كانت تخوض معركة وجوديّة تتطلب تضحية مشتركة. وسمح القبول العام لهذا الاعتقاد للحكومة بطلب مستويات عالية من التضحية المالية، بما في ذلك من الأثرياء. خلال الحرب الكورية، دُفعت تكاليفها بالكامل من خلال الضرائب، وأظهر استطلاع للرأي أن المواطنين كانوا مستعدين للإسهام مالياً في المجهود الحربي.

وفي يوليو 1950، وجد استطلاع لمؤسسة «غالوب» أن معظم الناس شعروا بأن الحكومة لم تطلب من الأميركيين تقديم ما يكفي من التضحيات دعماً للحرب. وفي استطلاع آخر في الشهر نفسه، ذكر 70٪ من المشاركين أنهم سيكونون «مستعدين لدفع المزيد من الضرائب لدعم جيش أقوى». وبعد شهر من ذلك، وافق 51% على أنه يجب على الحكومة زيادة الضرائب الفيدرالية على الفور لدفع ثمن الحرب، وأشار المشاركون في الاستطلاع بوضوح، أيضاً، إلى أنهم يفضلون ضرائب عالية على الاقتراض الحكومي.

حماية الجمهور

ومع ذلك، لم تر الحكومة الأميركية دائماً أن من المناسب غرس مثل هذا الشعور بالحالة الطارئة بين مواطنيها. خلال حرب فيتنام، على سبيل المثال، حاولت إدارة ليندون جونسون، بنشاط، حماية الجمهور من تبعات الحرب، ولهذا السبب، تجنبت الإدارة استغلال المواطنين للحصول على إسهامات مالية مباشرة، واعتمدوا بدلاً عن ذلك على الاقتراض. وشرح وزير الخارجية الأميركي، حينها، دين روسك، منطق الحكومة في مؤتمر الموظفين في أكتوبر 1967، قائلاً:

«اتخذت الإدارة قراراً متعمداً بعدم إنشاء نفسية حرب في الولايات المتحدة. لم تكن هناك حملات لحرب السندات، وما إلى ذلك. تم اتخاذ القرار لأنه أمر خطر للغاية بالنسبة لهذا البلد حقاً. ربما كان ذلك خطأ، وربما كان من الأفضل اتخاذ خطوات لبناء شعور أمة في حالة حرب».

القليل من الدلائل يشير إلى أن اتباع نهج أكثر تشدداً في تمويل حروب الولايات المتحدة سيصطدم بالمعارضة العامة. في الواقع، تشير دراسة أجريت أخيراً إلى أن دعم المواطنين لضرائب الحرب يعتمد في جزء منه على الهدف من هذه الضرائب، ولكن رفع الضريبة تصاعدياً، باستهداف الأميركيين الذين يتقاضون أكثر من 400 ألف دولار سنوياً، لن يكون له أي تأثير سلبي على الدعم الشعبي للحرب.

وبعبارة أخرى، فإن الحرب الأميركية الحديثة المدفوعة بالديون هي خيار سياسي وليس ضرورة، ولكن بالنظر إلى سجل مسار المشرعين الجمهوريين بشأن تخفيضات الضرائب، فمن غير المرجح أن يدعموا طرحاً يعتمد على ضرائب دخل أعلى. ومع ذلك، وفي غياب تحول حزبي، يجب أن نتوقع أن يكون هناك اقتراض من أجل تمويل حروب أميركا، ما سيؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الولايات المتحدة في المستقبل المنظور.

روزيلا كابيلا زلنسكي: كاتبة ومحللة سياسية

- دراسة حديثة تؤكد

أن دعم المواطنين

لضرائب الحرب،

يعتمد في جزء منه

على الهدف، لكن

رفع الضريبة

تصاعدياً،

باستهداف الأميركيين

الذين يتقاضون

أكثر من 400 ألف

دولار سنوياً،

لن يكون له

أي تأثير سلبي في

الدعم الشعبي

للحرب.

- من يستطيعون تقديم قروض إلى الحكومة هم

بالضرورة أثرياء، وسيستعيدون استثماراتهم في

وقت لاحق مع الفوائد، في حين ستكون الأُسر

ذات الدخل المنخفض والمتوسط مطالبة بالمساعدة

في سداد الديون الحكومية، من خلال الضرائب.

- دلائل قليلة تشير إلى أن اتباع نهج متشدد لتمويل حروب أميركا سيصطدم بالمعارضة العامة.

تويتر