• المرصد

صناعة الإعلام.. مشهد متغير باستمرار

اشتد الجدل، وكثر اللغط، وتشعبت الآراء حول ما إذا كانت الصحف والمجلات الورقية ستختفي في يوم من الأيام. ويعتقد بعض المهتمين بهذا الشأن أن هذه الوسائل الإعلامية ستتغير بشكل لم نعهده من قبل، لكنها لن تختفي على الإطلاق، حيث إن هذه الصناعة في طور التحول وليس الاضمحلال، ويعتقد البعض أنها تعاني تغييراً في طريقة توزيعها، لكنها لا تتغير من حيث الثقافة. وهناك رأي يفترض أن النسختين المطبوعة والرقمية اشتبكتا في صراع مرير من أجل استقطاب أكبر قدر من القراء، فمن يكسب ومن يخسر؟ لكن هذه الجزئية الأخيرة ليست النقطة المهمة في هذا الشأن، فجميعنا يعلم أن الاهتمام بالنسخة الورقية قد تضاءل بشكل كبير، وأن حجم مبيعات المجلات والصحف الورقية قد تضاءل كثيراً أيضاً خلال الأعوام العشرة الماضية، وهذا يؤكد أن عصر الطباعة بحجم كبير قد ولى من دون عودة، لكن لا يعني ذلك أن عهد النسخة الورقية قد تلاشى للأبد.

أولاً هناك عاملان يفرضان تأثيرهما في الساحة الإعلامية في الوقت الراهن، هما: العولمة وما يطلق عليه عملية التكاثر الانقسامي. القصة الكاملة لمرحلة العصر الرقمي تتمثل في الإنتاج الهائل، والتكاثر الانقسامي، والتفرد المتجانس. فمن خلال نشر المادة الإعلامية عبر الشبكات الرقمية اكتسب الإعلام صفة العولمة، حيث لم تعد كل من الـ«بي بي سي»، وصحيفة الغارديان اللندنية، والنيويورك تايمز، والواشنطن بوست في اميركا، مطبوعات محلية بل دولية، وتستقطب قراء دوليين. وعلى الرغم من أن مبيعات النسخة الورقية لوسائل الإعلام هذه قد انحسرت بالفعل، فإن النص الرقمي ظل ينمو بثبات وبشكل سريع، لأنه استطاع ببساطة أن يكسر حاجز الحدود الدولية. والأهم من ذلك أن هذه المؤسسات الإعلامية تستطيع أن تفعل ذلك من دون كلفة كبيرة.

وفي الوقت نفسه، ساعدت هذه التقنية على استقطاب القراء، في شكل مجموعات لم تكن موجودة بشكل ملموس من قبل في وسائل الإعلام. وهذا هو ما يعرف بالتشظي - تقسيم القراء إلى مجموعات متخصصة. وهذا يعني أنه في عالم الإنترنت، يمكن أن تكون لديك منشورات عالمية تجذب الجماهير التي كانت في السابق ذات حجم أصغر، لكنهم الآن أصبحوا أكثر وضوحاً، ويسهل الوصول إليهم بأقل كلفة ممكنة. وبما أن وسائل الإعلام استطاعت الوصول رقمياً إلى تلك المجموعات بسهولة، بدأنا نشهد الآن ارتفاعاً سريعاً في المنشورات والإمبراطوريات الرقمية الصغيرة، التي استطاعت فهم هذا المشهد الجديد والاستفادة منه.

ستظل المجلات والصحف ذات الاستهلاك الأكبر موجودة على المدى القصير، وسيكون هناك عدد قليل منها، وستنتقل جميعاً في نهاية المطاف إلى الإنترنت والمحمول، أو مزيج من هذا القبيل، أما المنشورات المتخصصة فهي المستقبل، سواء كانت مطبوعة أو عبر الإنترنت.

أما بالنسبة للشركات الإعلامية العملاقة المختلطة، فهي أولاً ستأكل بعضها بعضاً، فتلك التي لاتزال تجني الأرباح، أو تملك رأس المال الاستثماري ستشتري نظيرتها المعدمة.

وفي نهاية المطاف، ستسيطر الشركات الناشئة الصغيرة، التي تتميز بخفة الحركة على صناعة الإعلام، وستتعرض هي الأخرى أيضاً للابتلاع من قبل شركات أخرى وهكذا باستمرار، ولن يكتسب الديمومة سوى الشركات الناجحة، التي تبتكر باستمرار طرقاً للبقاء في السوق، وهذا يحدث بالفعل.

تويتر