نيودلهي تصر على اقتناء صواريخ «إس – 400»

«عقيدة مودي» تعتبر تنويع مصادر السلاح ركيزة أساسية لقوة الهند

صورة

على الرغم من التحفظات والعقوبات الأميركية المُحتملة، استكملت الهند صفقة حصولها على منظومات الدفاع الجوي الروسية من طراز «إس – 400»، خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، وانعقاد القمة التاسعة عشرة بين الهند وروسيا.

وتأتي هذه الصفقة كاشفة عن تحولات عميقة في السياسة الخارجية والدفاعية الهندية، أعلنها سابقاً رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، تقوم على «التوجه شرقاً»، وتعزيز الشراكة العسكرية مع القوى الآسيوية، وتنويع مصادر السلاح، والاعتماد على الذات في مواجهة مصادر التهديد الإقليمية، وفي صدارتها التمدد الصيني في المحيط الهندي وجنوب آسيا، وتجنب الوقوع في أسر علاقات التبعية، ضمن التحالف مع الولايات المتحدة.

شراكة عسكرية صاعدة

شهد انعقاد القمة الهندية – الروسية، خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى نيودلهي في 4 و5 أكتوبر 2018، ولقائه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي؛ توقيع أكثر من 20 اتفاقية لتعزيز التعاون بين الدولتين، جاءت في صدارتها المجالات العسكرية والدفاعية، على الرغم من التحفظات الأميركية على التقارب العسكري بين نيودلهي (الحليف التقليدي للولايات المتحدة في جنوب آسيا) وروسيا. وفي هذا الإطار، تمثلت أهم محاور القمة الهندية – الروسية في ما يلي:

1- توريد «إس – 400»:

شهدت زيارة بوتين إلى نيودلهي توقيع عقود توريد خمس كتائب من نظم الدفاع الجوي الروسية «إس – 400» بقيمة 5.5 مليارات دولار، على الرغم من تحفظات واشنطن وتهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الهند، اتباعاً لقانون «مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات»، المعروف اختصاراً باسم «كاتسا»، والذي تم التصديق عليه في أغسطس 2017، ويقضي بفرض عقوبات على الدول التي تقوم باستيراد أسلحة من موسكو.

وعلى الرغم من تأكيد عددٍ من المسؤولين الأميركيين استبعاد الهند من فرض عقوبات استيراد السلاح الروسي، ومن بينهم وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، حفاظاً على الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي؛ فإن القرار النهائي يظل بيد الرئيس الأميركي، وهو ما تتحسب له الهند، خصوصاً عقب فرض عقوبات على الجيش الصيني في سبتمبر 2018، بسبب استيراد منظومات «إس – 400»، ومقاتلات «سو – 35».

2- تعزيز القدرات العسكرية:

تسعى الهند لاستيراد دبابات «تي - 14 آرماتا» من روسيا، ضمن مشروعها لتحديث قواتها المسلحة، كما تتفاوض الدولتان على صفقات عسكرية أخرى، من بينها حصول نيودلهي على أربع فرقاطات روسية من طراز «كريفاك»، بقيمة مليارَي دولار و200 مروحية قتالية من طراز «كا – 226» بقيمة مليارَي دولار، بالإضافة إلى تنفيذ اتفاقيات التصنيع العسكري المشترك بين الدولتين، خصوصاً الاتفاق على تصنيع نسبة 80% من الغواصة «آمور» (Amur) في الهند، والتصنيع المشترك لبعض أنظمة الدفاع الجوي.

3- تأسيس مفاعلات نووية:

شهدت قمة مودي – بوتين توقيع اتفاقيات للتعاون في مجالات الطاقة النووية، والاستفادة من الخبرات التقنية الروسية في هذا المجال، وتضمنت الصفقة بناء ستة مفاعلات نووية روسية من الجيل الثالث من طراز «VVER» لتوليد الطاقة الكهربائية مع تمكين الدولتين من الشراكة في مجال إنشاء المفاعلات النووية في دولة ثالثة، فضلاً عن تأسيس شراكة بين شركة «روس آتوم» للطاقة النووية في روسيا، ولجنة الطاقة الذرية في الهند. وتقوم موسكو حالياً بتطوير وتحديث أكبر مفاعل للطاقة النووية لدى الهند في كوداناكولام.

4- الاستكشاف المشترك للفضاء:

عبر رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، عن تطلع دولته للاستفادة من الخبرات الروسية في مجال الفضاء، حيث يتم التفاوض على قيام موسكو بتدريب رواد للفضاء وخبراء فنيين في مجالات استكشاف الفضاء، ضمن مشروع دراسات القمر «تشاندريان-2»، لإرسال بعثة مأهولة إلى الفضاء في 2022 والهبوط على سطح القمر، وذلك بعد تمكن الهند من إطلاق أكثر من 100 قمر اصطناعي للفضاء، منذ بدء برنامجها الفضائي في عام 1947.

5- دعم التعاون الاقتصادي:

وضعت قمة الهند – روسيا التعاون الاقتصادي بين الدولتين في مكانة متقدمة، ضمن مباحثات مودي وبوتين، حيث أعلن الرئيس الروسي بحث إمكانية التعاون في مشروعات للغاز المُسال بين الدولتين. كما اتفق الجانبان على زيادة التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار، ورفع الاستثمارات المباشرة المتبادلة إلى 15 مليار دولار بحلول 2025، بالإضافة إلى تسريع عملية التفاوض لإبرام اتفاق للتجارة الحرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا، وتأسيس آلية «روسيا بلس» (Russia Plus)، لتسهيل تدفقات الاستثمارات الروسية إلى نيودلهي.

لماذا «إس - 400»؟

لا يُعد استيراد الهند لمنظومات «إس – 400» تطوراً لافتاً، ضمن بنية وارداتها من الأسلحة، إذ كشفت بيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام أن روسيا ظلت المورّد الأول للأسلحة لنيودلهي منذ ستينات القرن الماضي، وأن 68% من واردات الأسلحة الهندية جاءت من روسيا، خلال الفترة بين عامي 2012 و2016.

في المقابل، أشرفت الولايات المتحدة - على مدار العقدين الماضيين - على تنفيذ برنامج لاستبدال الأسلحة السوفييتية لدى الهند بمنظومات التسلح الأميركية، في إطار التحالف الوثيق بين الدولتين في مواجهة التمدد الصيني في جنوب آسيا، لذلك ارتفعت واردات الهند من الأسلحة الأميركية بنسبة ضخمة تصل إلى 557%، بالمقارنة بين الفترتين 2008 – 2012، و2013 – 2017، وفقاً لبيانات معهد استوكهولم لأبحاث السلام. وفي هذا الإطار، تتمثل أهم دوافع الهند لاقتناء «إس – 400» في ما يلي:

1- سياسة «العمل شرقاً»:

أعلن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال كلمته في «حوار شينغريلا»، الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في سنغافورة في يونيو 2018، اتباع الهند سياسة «العمل شرقاً» (Act East)، عبر عدد من المبادرات الأمنية والاستراتيجية مع دول القارة الآسيوية، والقيام بدور حلقة الوصل بين الأقاليم المطلة على المحيطين الهندي والهادي. كما تعهد في هذا المنتدى، الذي يضم وزراء الدفاع من الدول الغربية والآسيوية، بالتصدي لمحاولات إعاقة حرية الملاحة، أو الهيمنة على الممرات البحرية الاستراتيجية.

ويرتبط ذلك بسعي الهند للخروج من الدوائر المغلقة، التي تمثلها العلاقات مع الولايات المتحدة والكتلة الغربية، وتنويع العلاقات الخارجية للهند عبر تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع روسيا، التي كانت الحليف الرئيس للهند والمصدر الرئيس لمنظومات التسلح خلال الحرب الباردة، فضلاً عن السعي للاستفادة من التقارب مع موسكو لتعزيز أمن الطاقة، والتصدي للسياسات الأميركية، التي تسعى لفرض حرب العقوبات ضد روسيا على حلفائها، على الرغم من تأثيراتها السلبية في مصالحهم.

2- تأمين «العمق الاستراتيجي»:

تسعى الهند لنشر منظومات الدفاع الجوي الروسية على حدودها المشتركة مع الصين وباكستان، للتصدي للتطور المتسارع في قدراتهما الصاروخية وتهديدهما للعمق الاستراتيجي للهند، كما ستقوم نيودلهي بنشر منظومة صواريخ من طراز «إس – 400» في إقليم أروناتشال براديش على حدودها الشمالية الشرقية، وهو إقليم متنازع عليه مع الصين.

ولقد أشار الخبير الهندي في الشؤون الاستراتيجي «آر.آر. سابرامانيان»، إلى أن نيودلهي تحتاج منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة، للتصدي للتطور في قدرات القوات الجوية الصينية، والتطور في الطائرات غير المأهولة لدى بكين، بالإضافة إلى دخول مقاتلات الجيل الخامس الصينية «جي – 20» للخدمة في فبراير 2018، مؤكداً أن «الوقت قد حان لكي تُثبت الهند أنه لن يتم ترهيبها من جانب واشنطن»، في إطار تعليقه على احتمالات فرض عقوبات أميركية على نيودلهي، عقب استيراد «إس – 400».

3- إشكاليات الإحلال العسكري:

على الرغم من تسارع وتيرة استبدال الأسلحة السوفييتية لدى القوات المسلحة الهندية بنظيرتها الأميركية، خلال العقدين الماضيين، وتزايد واردات التسلح الهندية من واشنطن؛ فإن الهند وجدت هذه السياسة غير مجدية، نظراً لاستنزافها كماً هائلاً من الموارد المالية، وعدم إمكانية استبدال كل منظومات التسلح الروسية لديها بنظيرتها الأميركية، بالإضافة إلى ما يتطلبه ذلك من تدريب وإعادة تأهيل لقواتها، وتغيير في عقيدتها العسكرية.

ولاتزال القوات المسلحة الهندية تعتمد بصورة رئيسة على الأسلحة الروسية، ما يجعل التعاون العسكري مع موسكو أولوية في ظل الاحتياجات التشغيلية والفنية، وقيام روسيا بتحديث وتطوير منظومات التسلح لدى نيودلهي، وتوفير قطع الغيار وخدمات الصيانة، كما يتسق ذلك مع توجهات الهند لتنويع مصادر الأسلحة، وتجنب الاعتماد على مصدر واحد للأسلحة، والاستفادة من التطور في منظومات التسلح الروسية منخفضة الكلفة، مقارنة بنظيرتها الأميركية.

4- احتواء التمدد الصيني:

تَعتبر الهند «مشروع الحزام والطريق»، الذي تقوم بتنفيذه الصين، محاولة لتطويق حدودها براً وبحراً عبر تأسيس شبكة تحالفات في جنوب آسيا.

5- مواجهة التقارب الروسي – الصيني:

تسعى الهند لمواجهة التقارب الروسي – الصيني، الذي تسارعت وتيرته في الآونة الأخيرة، نتيجة سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العدائية تجاه الصين، واتهامها بمحاولة التدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وعرقلة وصول الشركات التكنولوجية الصينية للسوق الأميركية، ضمن الحرب التجارية التي تشنها واشنطن على بكين، وهو ما تواكب مع فرض عقوبات مشددة ضد روسيا من جانب الولايات المتحدة، نتيجة للاتهامات الأميركية لموسكو بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، ومحاولة اغتيال العميل الروسي في لندن سيرجي سكريبال، في مارس 2018.

وفي تقرير نشرته مؤسسة «أوبزيفر» للأبحاث في 4 أكتوبر 2018، بعنوان: «قمة مودي - بوتين: ما القضايا على أجندة الترابط الدفاعي بين روسيا والهند؟»، تم تأكيد أن الشراكة الاستراتيجية الوثيقة بين الصين وروسيا، والتي وصلت مراحل متقدمة خلال العامين الماضيين، باتت تثير قلقاً لدى نيودلهي من انعكاساتها على الأمن الإقليمي في جنوب آسيا.

إنفاق عسكري ضخم

دفعت التوترات الهندية – الصينية إلى قيام الهند بزيادة إنفاقها العسكري بصورة ملحوظة، ليصل إلى 52.2 مليار دولار، لتحتل المركز الثالث بين دول القارة الآسيوية في الإنفاق العسكري بعد الصين وروسيا، وفقاً لبيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن فبراير 2018، وقامت نيودلهي كذلك بزيادة عدد القوات الهندية ليصل إلى 1.39 مليون جندي، ونحو 1.115 مليون جندي في الاحتياط.

ولا ينفصل ذلك عن تصاعد وتيرة المناورات العسكرية الهندية، التي كانت أهمها المناورات العسكرية المشتركة مع فيتنام في مايو 2018، ومناورات مالابار المشتركة بين الهند والولايات المتحدة واليابان في يونيو 2018، والتي تكشف عن تصاعد التحالف العسكري بين الدول الثلاث في مواجهة الصين.

- الهند تسعى لمواجهة التقارب الروسي – الصيني،

بعد تسارع وتيرته في الآونة الأخيرة، نتيجة

سياسات إدارة ترامب «العدائية».

تويتر