يتعين على أنقرة إقناع المتمردين بالمغادرة قبل منتصف أكتوبر

تفادي الكارثة في إدلب مهمة تركيـــة محفوفة بالمخاطر

صورة

بصفتها الداعم الرئيس للمعارضة السورية، تواجه تركيا حالياً مهمة محفوفة بالمخاطر، إذ يتوجب عليها أن تنزع سلاح حلفائها في محافظة إدلب السورية، بموجب اتفاق جديد مع روسيا، والقضاء على المسلحين المتشددين هناك، وإذا لم يكن الأمر كذلك، تهدد القوات السورية والقوات المتحالفة معها بالهجوم الشامل، لاستعادة السيطرة على المنطقة، وهي معركة تقول منظمات الإغاثة بأنها ستكون الأكثر تدميراً في هذه الحرب. كما أن الكُلفة بالنسبة لتركيا نفسها يمكن أن تكون هائلة.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلنا عن خطة في الـ17 من سبتمبر الجاري، لتجنب إراقة الدماء مما يمنح أنقرة مزيداً من الوقت لإقناع عملائها بنزع أسلحتهم، وبموجب الاتفاقية، ستقوم القوات التركية والروسية بدوريات في منطقة منزوعة السلاح بعمق 9 إلى 12 ميلاً، وأن تكون خالية من المتطرفين والأسلحة الثقيلة، على أن تُفتح الطرق السريعة إلى إدلب، في نهاية المطاف.

قد يكون للمدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو ثلاثة ملايين نسمة تأثيراً مؤقتاً، لكن مصير المحافظة لايزال غير مؤكد، وهي تمثل المعقل الأخير للمعارضة في سورية، بعد قرابة ثماني سنوات من الصراع، والرهان على تركيا كبير لأنها تقع على حدود المحافظة ولديها قوات متمركزة هناك. وفي هذا السياق يقول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية في بيروت، سام هيلر، إن «مصالح تركيا متداخلة في إدلب بطريقة تجعلها غير محصنة، بشكل استثنائي».

مصالح أنقرة

تعمل تركيا على التأثير من خلال المساعدة في إبقاء إدلب في أيدي المعارضة، وهذا، كما يقول هيلر، «يؤمن لتركيا أكثر من موطئ قدم في المفاوضات الجارية حول مستقبل سورية السياسي». كما أن وجود تركيا في المحافظة يجبر روسيا، التي هي القوة العسكرية المسيطرة في سورية، على أن تتنبه لمصالح أنقرة، لكن تركيا أيضاً معرضة للخطر بشكل كبير. ويوضح هيلر «هناك تداعيات كارثية حقيقية بالنسبة لتركيا في حالة انهيار إدلب». يمكن لمعركة من أجل إدلب أن تدفع ملايين اللاجئين الجدد إلى الحدود، وهو ما يخشى المسؤولون أن يثير اضطرابات اجتماعية وسياسية داخل تركيا.

هناك أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون حالياً في تركيا، وبينما «هناك عدد قليل جداً من القضايا التي توحد معظم الأتراك، فإن رفض استقبال مزيد من اللاجئين السوريين إحداها»، كما يقول سونر غاغبتاي، مؤلف كتاب «السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة»، ومع انتشار شائعات حول شن هجوم في الأسابيع الأخيرة، فرّ أكثر من 30 ألف شخص إلى مناطق مختلفة من إدلب، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، بعضهم عادوا إلى منازلهم في الآونة الأخيرة.

كما تشعر أنقرة بالقلق من أن يؤدي تدفق النازحين السوريين الى جلب متشددين، ما يجعل المدن التركية -وحتى الأوروبية- عرضة لهجمات المتطرفين.

ثمة خطر من أن «الجماعات الراديكالية المسلحة التي تستاء من جهود وساطة أنقرة ستعاقب تركيا من خلال شن هجمات إرهابية في تركيا»، كما كتب المستشار العسكري التركي السابق، متين غوركان، في عمود على موقع «المونيتور» الإخباري على الإنترنت.

دعم المسلحين

طالما دعمت تركيا المسلحين المناهضين للحكومة في سورية، واستثمرت بكثافة في محافظة إدلب بقوات ومعدات عسكرية، سعياً لفصل المقاتلين المرتبطين بتنظيم «القاعدة» بعيداً عن المسلحين الأكثر شعبية، وقال غوركان إن تركيا عززت أخيراً مراكز المراقبة في إدلب، التي تم إنشاؤها كجزء من اتفاق سابق مع روسيا وإيران، وقامت بنشر الدبابات والقوات الخاصة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة، وأشار المستشار العسكري السابق إلى أن الهدف هو إظهار التزام تركيا بإدلب وتعزيز دفاعها ضد هجمات المتشددين.

وقال أحد كبار المسؤولين بالأمم المتحدة، يان إيجلاند، إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الأسبوع الماضي، رغم أنه تفادى الخوض في التفاصيل، «اشترى المزيد من الوقت حتى يتمكن الدبلوماسيون والسياسيون من القيام بعملهم، وتفادي التطورات التي قد تكون سيئة للغاية بالنسبة للمدنيين». وأضاف إيجلاند «هذه ليست صفقة سلام، إنها صفقة نفور من الحرب الشاملة، لكن الاتفاقية أوقفت على ما يبدو عداً تنازلياً لا هوادة فيه للصراع»، وأوضح المسؤول الأممي «حتى لو كانت الرسالة التي يتلقاها مسؤولو الأمم المتحدة من تركيا وروسيا هي (أننا مازلنا نعمل على التفاصيل)».

ويعتبر الوقت الذي مُنح لتنفيذ الاتفاق ضيقاً، والبعض يقول إنه غير واقعي، من أجل تسليم المسلحين أنفسهم، وإقناع الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» بالتخلي عن القتال.

وتفرض الوثيقة التي وقعها بوتين وأردوغان مهلة حتى العاشر من أكتوبر لإزالة جميع الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الدبابات وقذائف المورتار وأنظمة المدفعية، من المنطقة المعنية، وبحلول 15 أكتوبر، يجب إخلاء جميع التنظيمات المسلحة من المنطقة، بما في ذلك «هيئة تحرير الشام»، ذات الصلة السابقة بتنظيم «القاعدة» وأكبر فصيل مسلح في إدلب، ووضع الاتفاق «مواعيد صعبة» على تركيا، لتسريح شركائها و«التعامل مع هيئة تحرير الشام»، وفقاً للمحلل آرون ستاين، الزميل البارز في مركز رفيق الحريري في الشرق الأوسط التابع لمجلس الأطلسي، على «تويتر»، مضيفاً أن «الوقت يمر بسرعة».

إلى ذلك، وصفت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، التي تضم نحو 10 آلاف مقاتل الاتفاقية بأنها محاولة «لإضعاف المقاتلين» من خلال نزع سلاحهم. ويعلق الكاتب التركي المخضرم، سامي كوهين، بالقول «أين يذهب الإرهابيون من إدلب؟ وماذا سيفعلون؟»، مشككاً في حكمة الصفقة «هل سيتخلون عن أفعالهم، ويوافقون على الاندماج في المجتمع السوري؟»، يتساءل كوهين «هناك احتمال أكثر تشاؤماً هو أن الجماعات الإرهابية سترفض التخلي عن أسلحتها ومواقعها، وستقاوم الجنود الأتراك».

إذا فشلت تركيا في إقناع حلفائها المتمردين بالامتثال للاتفاق، فقد يصبحون أكثر عدوانية. وقال المتحدث باسم جبهة التحرير الوطني التي تدعمها تركيا، وهي تحالف للمعارضة في إدلب، النقيب ناجي مصطفى، إن الجماعات المتمردة لاتزال «في حالة تأهب قصوى ولا أعتقد أن تركيا ستقدم أي شيء لروسيا في المفاوضات»، موضحاً «لقد كانت تركيا داعمة للثورة السورية منذ البداية، إلا أن تركيا تعلم أنه في حالة حدوث عملية عسكرية، لن يعود سكان إدلب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وسيحاولون الذهاب إلى تركيا، وهي لا تريد ذلك».

• تفرض الوثيقة التي وقعها بوتين وأردوغان مهلة حتى العاشر من أكتوبر لإزالة جميع الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الدبابات وقذائف المورتار وأنظمة المدفعية، من المنطقة المعنية، وبحلول 15 أكتوبر، يجب إخلاء جميع التنظيمات المسلحة من المنطقة، بما في ذلك «هيئة تحرير الشام»، ذات الصلة السابقة بتنظيم «القاعدة»، وأكبر فصيل مسلح في إدلب.

• بصفتها الداعم الرئيس للمعارضة السورية، تواجه تركيا حالياً مهمة محفوفة بالمخاطر، إذ يتوجب عليها أن تنزع سلاح حلفائها في محافظة إدلب السورية، بموجب اتفاق جديد مع روسيا، والقضاء على المسلحين المتشددين هناك، وإذا لم يكن الأمر كذلك، تهدّد القوات السورية والقوات المتحالفة معها بالهجوم الشامل، لاستعادة السيطرة على المنطقة.

إيرين كانينغهام - مراسلة الصحيفة في الشرق الأوسط

تويتر