أنهت الثانوية العامة بتفوّق داخل المعتقل وستدرس القانون لتدافع عن الأسرى

عهد التميمي: السجن زادني قوة وسأواصل التصدي لجنود الاحتلال

عهد التميمي بين والديها تتحدث في مؤتمر صحافي عقب الإفراج عنها. أ.ب

عند حاجز الرنتيس الإسرائيلي العسكري شمال مدينة رام الله، كانت النافذة الأولى التي تنفست من خلالها الشابة عهد التميمي ووالدتها ناريمان الحرية، لتحتضنا بعضهما في مشهد اختصر أوجاعاً امتدت على مدار ثمانية شهور قضتها عهد ووالدتها أسيرتين داخل سجون إسرائيل، بتهمة صفع جندي إسرائيلي، وإعاقة عمل القوات خلال مداهمتها لمنزل عائلة «الأسيرة المحررة».

وعلى الرغم من تحرر الأم وابنتها من سجن هشارون في يوم واحد، فإنهما كانتا منفصلتين كل واحدة منهما في زنزانة بعيدة عن الأخرى، فالوالدة اعتقلت في قسم النساء أما عهد فقضت سجنها في قسم القاصرات، لذلك كان مشهد احتضانهما عند الحاجز العسكري مؤثراً، فلم تنفك يدا عهد عن حضن والدتها حتى انهمرتا في البكاء.

هذا المشهد حدث وسط تجمع كبير من الأهالي وأقارب وصديقات عهد، وعشرات المتضامنين الذين جاؤوا لاستقبال الشابة الثائرة الجريئة، والذين رافقوها حتى وصلت إلى منزلها، فيما تجمع عدد من المستوطنين قبالة حاجز رنتيس ورفعوا الأعلام الإسرائيلية لاستفزاز الأهالي والنشطاء الذين حضروا لمناصرة عهد.

عهد التميمي البالغة من العمر 17 عاماً مواليد شهر يناير عام 2001، برزت منذ نعومة أظفارها كناشطة فلسطينية في وجه جنود الاحتلال الإسرائيلي، فيما اشتهرت في وسائل الإعلام في شهر أغسطس عام 2012، أثناء تحديها جنوداً من الجيش الإسرائيلي الذين اعتدوا عليها وعلى والدتها الناشطة ناريمان التميمي في مسيرة سلمية مناهضة للاستيطان في قرية النبي صالح الواقعة غرب رام الله، حيث تشارك عهد ووالدتها ووالدها وآخرون في قرية النبي صالح في مسيرات أسبوعية ضد قوات الاحتلال، احتجاجاً على تمدد المستوطنات المجاورة.

في 19 ديسمبر 2017، عادت عهد التميمي لتتصدر صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي لتصديها للجنود، وظهرت في فيديو تم تداوله على نطاق واسع صفعها لجنديين مسلحين، ما أدى إلى اعتقالها ووالدتها فجر ذلك اليوم من منزلهما، وكانت حينها طالبة في الثانوية العامة بالفرع الأدبي في مدرسة البيرة الثانوية للبنات.

تجربة السجن

«الإمارات اليوم» التقت الطفلة داخل منزلها غرب مدينة رام الله، حيث كان يعج بالمهنئين من الأقارب والصديقات والمتضامنين والشخصيات الرسمية، فيما كانت تتشح هي بالكوفية الفلسطينية.

تقول عهد ذات الشعر الأشقر: «إن تجربة السجن كانت صعبة، وتعلمت في كل لحظة شيئاً مفيداً، وعلى الرغم من المضايقات والمعاناة والصعوبات التي تعرضت لها، فإنني لم أضعف، واستطعت أن أظل قوية، فلم ترهبني كل إدارة السجن، وصمدت حتى نلت الحرية».

وتضيف أن «السجن جعلني أكثر نضجاً ووعياً، فحياتي تغيرت للأحسن، وأنا أيضاً تغيرت كثيراً، فالسجن يجعل الإنسان ينضج بسرعة. يمكن للإنسان أن يكبر خلال اليوم 100 سنة وهو في السجن».

وتعرضت التميمي خلال اعتقالها لأساليب تحقيق متعددة كالضغط الجسدي والنفسي، تمثلت بالعزل والنقل المتكرر من مكان إلى آخر في سيارة نقل السجينات، وإحضار بعض المجرمين لتهديدها وتخويفها، بحسب قولها.

وتقول التميمي «إن أصعب اللحظات التي مررت بها داخل السجن هي اعتقال شقيقي، وكذلك طريقة نقلي من السجن للمحاكم، والضغوط الأخرى التي نتعرض لها كأسيرات داخل السجن، مثل المنع من النوم فترات طويلة، والتعرض للتحرش اللفظي من المحققين التابعين لإدارة مصلحة سجون إسرائيل».

وبين المضايقات التي تعرضت لها التميمي ووالدتها ناريمان، التحقيق معهما خلال اليوم الواحد 12 ساعة متواصلة، إذ كانتا خلال فترة التحقيق التي امتدت أكثر من أسبوعين معزولتين عن بعضهما، وعندما استقر بهما الحال في سجن هشارون الإسرائيلي وضعت كل منهما في قسم: الأم في قسم النساء، والطفلة سجنت مع القاصرات.

وعن ذلك تقول الطفلة المحررة: «لم تتح لي أنا وأمي إدارة السجون اللقاء إلا خلال استراحة بسيطة يطلق عليها (الفورة)، والتي تخرج إليها السجينات خارج أقسام السجن».

«فوج التحدي»

ونالت عهد التي بلغت 17 عاماً من عمرها في السجن شهادة الثانوية العامة بدرجة جيد جداً، لتكون تلك الشهادة طريقها لدراسة القانون خلال المرحلة الجامعية.

وتقول التميمي: «إن الشيء الوحيد الذي كان يسبب لي ضغطاً في السجن تخوفي من فقدان دراسة الثانوية، إلا أنني استطعت أن أتحدى أنا والأسيرات كل الظروف بدراستنا للتوجيهي، فقد أتممت أنا ورفيقاتي مستوى التوجيهي، وقررنا تسمية أنفسنا (فوج التحدي) رغم محاولات منعنا التعليم من قبل إدارة السجن».

وتضيف: «حاولت إدارة مصلحة السجون منعي أنا وزميلاتي من إكمال دراستنا، للحيلولة دون الحصول على شهادة الثانوية العامة، وقاموا بتعطيل الدراسة من خلال إعاقة المعلمة التي كانت تتابع معنا المواد الدراسية، إضافة إلى فرض حالة الطوارئ داخل السجن لترك الفصل الدراسي، والدخول داخل الغرف».

وتشير الفتاة المحررة إلى أنها وزميلاتها السجينات تحدين سلطات السجن، وحولن السجن إلى مدرسة واجتزن دورة تدريبية في القانون الدولي، وأخرى في القانون الإنساني.

وتؤكد أنها ستدرس خلال العام الدراسي الجديد القانون خلال المرحلة الجامعية، مضيفة أنها «ستعمل على الكشف عن انتهاكات الجانب الإسرائيلي في المحاكم الجنائية».

وتتابع: «المطلوب التوجه للمحاكم الدولية، فهناك ثلاثة ملفات نحاكم بها إسرائيل، منها نقل ملف الأسرى، خصوصاً الأسرى الإداريين وكذلك الاستيطان، إلى المحاكم الدولية، والذهاب إلى المحافل الدولية، ومحاكمة إسرائيل على ما تفعله بحق الأسرى الأطفال، خصوصاً تحويلهم إلى الاعتقال الإداري».

مواصلة المشوار

وحول مشوارها في النضال بعد الأسر، تقول الفتاة المحررة: «إن الضربة التي لا تقتلني تزيدني قوة، فبعد الإفراج عني سأكون أكثر قوة، وإصراراً على الدفاع عن القضية الفلسطينية، وسأشارك بالتظاهرات، ولن أسمح لجنود الاحتلال بمداهمة قريتنا واعتقال الشبان، وسأبقى عهد الثائرة كما عرفها الجميع بقوتها وتحديها للاحتلال».

وتضيف: «وهناك هدف آخر سأحققه هو مساندة قضية الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، وإيصال رسالتهم للعالم الخارجي، خصوصاً الأسيرات القاصرات اللاتي يتعرضن للظلم، ويحرمن من أبسط حقوقهن، فأنا لن أقبل أن أكون حرة ويوجد 35 فتاة قاصراً داخل سجون إسرائيل».


تعرضت عهد التميمي خلال اعتقالها لأساليب تحقيق متعددة كالضغط الجسدي والنفسي، تمثلت في العزل والنقل المتكرر من مكان إلى آخر، وإحضار بعض المجرمين لتهديدها وتخويفها.

تويتر