ملاحقة تنظيم «داعش» في الرقة والموصل لم يؤدِّ إلى فنائه

«محاربة الإرهاب» لابد أن تكون أهم أولويات ترامب

صورة

على الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينسب إليه فضل دحر تنظيم «داعش» في العراق وسورية، وبالتحديد في الموصل والرقة، إلا أنه أحجم عن إعلان النصر النهائي على «داعش». ولكن السياسات الأخيرة لإدارة ترامب يمكن أن تجعل النصر على «داعش» وأيديولوجيته المتطرفة أمراً مستحيلاً.

وفي الواقع، فإن ملاحقة الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة لتنظيم «داعش» في الرقة والموصل لم يؤدِ إلى فناء هذا التنظيم، ولا إلى انتهاء تهديداته الأيديولوجية أو الميلاشوية. ولايزال «داعش» نشطاً في أجزاء عدة من سورية والعراق، وانضم عدد كبير من مقاتلي التنظيم إلى منظمات متطرفة أخرى شبيهة بـ«داعش». وعلى الرغم من أن العديد من أفراد التنظيم لقوا حتفهم فعلاً، إلا أن كثيرين تمكنوا من الهرب، أو مُنحوا طرقاً للنجاة بموجب شروط معينة للتسليم. وفي حقيقة الأمر، فقد سمح للآلاف منهم بمغادرة الرقة والتوجه إلى إدلب، إضافة إلى معاقل «داعش» القوية في لبنان. والأمر الأكثر أهمية أن «تنظيم» القاعدة في سورية، المعروف باسم جبهة النصرة، حشد كل قواته في إدلب، كما أنه يقوم بعملياته الأخيرة تحت غطاء منظمة تطلق على نفسها «هيئة تحرير الشام».

تغيير الوجهة

ولكن في الوقت ذاته، عمدت إدارة ترامب إلى تغيير وجهة استراتيجية دفاعها الوطنية، إذ تحولت إلى استراتيجية التنافس بين الدول، وليس القضاء على الإرهاب، الشاغل الأساسي لها. وتشير هذه الاستراتيجية إلى أن الصين وروسيا، باعتبارهما منافسين استراتيجيين للولايات المتحدة، تنتهكان النظام والقانون الدوليين، وحددت إيران باعتبارها التحدي الأكثر أهمية في ما يتعلق باستقرار الشرق الأوسط. وبالطبع فإن الإدارة على صواب في تأكيدها على التهديدات والتحديات الناجمة من هذه الدول، إلا أنها ترتكب أخطاء استراتيجية فادحة في مواجهة الصين وروسيا وإيران، في حين أنها تضع الحرب على الإرهاب في الدرجة الثانية في سلم أولوياتها.

وإضافة إلى ما سبق، فإن الحملة الواضحة التي تقوم بها الولايات المتحدة، والرامية إلى إزالة النظام الإيراني، قد لا تأتي بالنتائج المرجوة منها. وهذا صحيح مع ارتفاع حدة التوتر بين واشنطن وحلفائها، والآثار الناجمة عن الحرب التجارية بين أميركا والصين، والعلاقة السيئة بين أميركا وروسيا. وفي مركز كل هذا يبقى التساؤل الذي مفاده ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على مواجهة كل هذه التحديات، وفي الوقت ذاته تقود حملة عالمية لاحتواء أو تقليل مستوى الإرهاب إلى أدنى حد ممكن، ومن الواضح أن واشنطن عاجزة عن ذلك.

وحتى عندما كانت أميركا تقود حملة تهدف إلى هزيمة «داعش» في سورية والعراق، قامت المنظمات المتطرفة بتوسيع قوتها وشبكاتها العابرة للدول في جميع أنحاء العالم. وأعلنت العشرات من المنظمات من وسط آسيا وشمال إفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا عن ولائها لتنظيمي «داعش» و«القاعدة». وإضافة إلى ذلك، فقد كان كل من «داعش» و«القاعدة» يبذلان جهوداً قوية لتعزيز قيادتهما للعمليات في أماكن مثل سيناء، وليبيا، واليمن، والصومال، ونيجيريا، وأفغانستان، وباكستان، والفلبين. وتجلى ذلك، ليس في العمليات الإرهابية المتواصلة في الدول الضعيفة والفاشلة فقط، وإنما في محاولات إنشاء عواصم جديدة للتنظيم، وشبكات عابرة للدول في الدول المستقرة.

وفي مايو 2017، تمكنت مجموعات مرتبطة بـ«داعش» من السيطرة على مدينة مروي في جنوب الفلبين. واستمر الصراع حول مروي أشهراً عدة، وسلّطت شدة القتال الضوء على قوة الحملات العسكرية التي دعمتا «داعش» خارج سورية والعراق. وعلى الرغم من أن مروي رجعت إلى أيدي الحكومة الفلبينية، إلا أن تحركات «داعش» الإرهابية ضد السلطات الحكومية في هذا البلد استمرت، دون هوادة، وكان آخرها قد وقع في الرابع من يوليو 2018، وقتل 20 فرداً من القوات المسلحة الحكومية. والأمر الأكثر أهمية أن «داعش» و«القاعدة» يعملان على تعزيز شبكاتهما العابرة للدول، عن طريق ربط المجموعات المتطرفة الموجودة في جنوب شرق آسيا مع بعضها بعضاً.

وبالطبع، فإن استراتيجية إدارة ترامب الهادفة إلى التعامل مع منافسيها من الدول، ومع إيران وكوريا الشمالية في الوقت ذاته، بينما العلاقة مع حلفائها في أسوأ حالاتها، ستؤدي بالتأكيد إلى تقويض الشراكات الهادفة إلى حماية أميركا نفسها، والنظام الدولي أيضاً. والأمر الذي لا يقل أهمية أن الإدارة لا تملك الدعم الدولي الكافي لمعالجة المظالم التي تدفع بعض المسلمين نحو الانضمام إلى المنظمات المتطرفة. وقد تزايدت هذه المنظمات ونمت منذ 11 سبتمبر، كما تراجعت الحرب ضد «داعش» و«القاعدة» في العديد من الدول.

ويتعين على الإدارة أن تقسم علاقاتها وتوازناتها مع كل من الحلفاء والمنافسين، وهذا ضروري لتعزيز الجهود الدولية لمحاربة واحتواء المتطرفين على المستويات السياسية والأيديولوجية والعسكرية. وهذا تحد رئيس للإدارة، كما أنه تهديد رئيس ومباشر للمواطنين الأميركيين. وبناءً عليه، عندما تقوم إدارة ترامب بتحرير نفسها من وهم انتصارها على إرهاب «داعش»، يتعين عليها أن تعيد ترتيب أولوياتها عن طريق قيادة حملة ضد الإرهاب في سورية.

• استراتيجية إدارة ترامب الهادفة إلى التعامل مع منافسيها من الدول، ومع إيران وكوريا الشمالية في الوقت نفسه، فيما العلاقة مع حلفائها في أسوأ حالاتها، ستؤدي بالتأكيد إلى تقويض الشراكات الهادفة إلى حماية أميركا والنظام الدولي أيضاً.

• إدارة ترامب عمدت إلى تغيير وجهة استراتيجية دفاعها الوطنية، إذ تحولت إلى استراتيجية التنافس بين الدول، وليس القضاء على الإرهاب، الشاغل الأساسي لها.

روبرت رابيل - أستاذ العلوم السياسية في جامعة اتلانتك

تويتر