البلاد تملك مقومات عدة للنهوض وتحفيز القطاع الخاص

التحولات الإثيوبية تواجه تحدي دعم الاقتصاد

صورة

تشهد إثيوبيا تحولات سياسية واقتصادية عدة، منذ تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، يتمثل أبرزها في الاتجاه نحو تفعيل تطبيق التعددية الحزبية، وتداول السلطة بين كل الأحزاب بجانب إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إريتريا بعد فترة طويلة من الصراع والقطيعة، وذلك بالتوازي مع إقدام الحكومة على اتخاذ خطوات عدة لتحرير الاقتصاد. كل هذه التطورات من شأنها أن تعزز الثقة الدولية بالاقتصاد ودعم النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات وتعزيز حركة التجارة مع العالم الخارجي. ولكن ينبغي على الحكومة توظيف هذه التحولات بشكل فعّال لدعم المستوى المعيشي للسكان، بما قد يخفف وتيرة الاضطرابات الاجتماعية التي تصاعدت في البلاد على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

أزمة سياسية

تصاعدت الاضطرابات الاجتماعية والأمنية في إثيوبيا منذ عام 2015، على ضوء الاحتجاجات التي شهدتها مناطق تمركز السكان من قوميتي الأورومو والأمهرا في شمال وجنوب البلاد، وقد زاد حدتها تمسك الحكومة بتنفيذ خطة تنمية حضرية للعاصمة أديس أبابا من شأنها انتزاع بعض الأراضي المملوكة للأورومو، وسط تشديد قبضتها الأمنية تجاه المحتجين، بالتوازي مع تعرض العديد من الشركات الأجنبية لهجمات، ما أضر بثقة المستثمرين الأجانب بالبلاد.

وعلى ضوء هذه الاحتجاجات المتكررة، واجه الائتلاف الحاكم، وهو «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية»، أزمة شرعية سياسية، وربما اضطر رئيس الوزراء السابق هايلي مريم ديسالين إلى تقديم استقالته في فبراير 2018، في خطوة وصفها وقتها بأنها محاولة لتسهيل إجراء الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في البلاد.

وبالتزامن مع الاحتجاجات السابقة، واجهت إثيوبيا صعوبات اقتصادية طارئة تتعلق بانخفاض قيمة العملة المحلية (البير) مقابل الدولار، ما نجم عنه ارتفاع وتيرة التضخم إلى 15.6% بحلول فبراير 2018، وذلك بجانب نقص شديد في العملات الأجنبية نتيجة الخلل المستمر في الميزان التجاري، بالإضافة إلى تحديات رئيسة ترتبط بضعف القدرة التنافسية للبلاد.

لكن ذلك لا ينفي أن الاقتصاد الإثيوبي لايزال يعتبر أحد أسرع الاقتصادات العالمية نمواً في العام الماضي بنسبة 10.8%، وذلك نتيجة جذب استثمارات أجنبية في قطاعات اقتصادية عدة، أبرزها الزراعة والصناعة. وفي نهاية المطاف، كان المناخ السياسي والاقتصادي ملائماً لإجراء عملية تغيير سياسي من خلال انتخاب الائتلاف الحاكم آبي أحمد رئيساً جديداً للوزراء، ما مهد المجال أمام اتخاذ خطوات عدة، لتفعيل الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد.

تغييرات عدة

شهدت إثيوبيا تغييرات جذرية على الساحتين الداخلية والخارجية، قد تكون لها تداعيات واسعة على الاقتصاد، ويتمثل أبرزها في:

1- انفتاح سياسي:

في ما يمكن اعتباره تحولاً سياسياً ملحوظاً، تعهد رئيس الوزراء آبي أحمد، في يوليو الجاري، بتطبيق ديمقراطية متعددة الأحزاب تدعمها مؤسسات قوية تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو ما يمكن أن يؤدي، في حالة حدوثه، إلى تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، بما يدعم الثقة الدولية بالاقتصاد.

وفي الشهر نفسه، اتخذ آبي أحمد خطوة تاريخية نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إريتريا بعد قطيعة بين البلدين امتدت لأكثر من 18 عاماً، ما سمح لهما بالاتفاق على استئناف العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك تسيير رحلات طيران بين البلدين، بالإضافة إلى تطوير أربعة موانئ بحرية مطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي في إريتريا.

وسوف يسهم تطبيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين في تنشيط حركة المبادلات التجارية بينهما، إلى جانب رفع مستوى الاستثمارات المشتركة وتعزيز التعاون في المشروعات المختلفة، لاسيما في قطاع النقل البري والبحري.

2- إصلاح اقتصادي

بالتوازي مع الانفتاح السياسي، تبنت الحكومة خطة للإصلاح الاقتصادي ترتكز على تعزيز دور القطاع الخاص. وفي هذا السياق، أعلنت عن طرح بيع حصص أقلية في القطاعات الحيوية الأساسية التي يحتكرها القطاع العام من الاتصالات والطاقة إلى الخدمات اللوجستية، وذلك باستثناء قطاع المصارف.

وقد حظيت هذه الخطة باهتمام المستثمرين الطامحين إلى العمل في السوق الإثيوبية، مثل مجموعة الاتصالات «إن تي إن» وشركة «فواكوم»، اللتين أبدتا استعدادهما للمشاركة في عمليات خصخصة شركات الاتصالات.

وبشكل عام، يعكس تحول الحكومة نحو زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، اعترافها بعدم نجاح النموذج الاقتصادي القائم حالياً على القطاع العام في توفير الوظائف وزيادة عوائد التصدير، ما يمثل مشكلة كبيرة للحكومة في الوقت الذي يتجاوز عدد سكان الدولة 100 مليون نسمة، ويقل فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن 800 دولار سنوياً.

3- استغلال الموارد

رغم أن إثيوبيا ليست دولة منتجة للنفط والغاز الطبيعي حالياً، فإنها تمتلك احتياطيات واعدة من النفط تقدر بنحو 2.7 مليار برميل نفط، وذلك وفق مسح أجرته شركة «تولو أويل» في عام 2013، بجانب احتياطيات تراوح بين سبعة وثمانية تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في منطقة أوغادين.

واعتماداً على هذه الاحتياطيات، تطمح الحكومة إلى توسيع نطاق إنتاجها من النفط والغاز في الفترة المقبلة، ما قد يسمح لها بخفض فاتورة واردات الطاقة. وبناء على ذلك، بدأت باستخراج النفط الخام على أساس تجريبي من احتياطيات منطقة أوغادين، بالشراكة مع شركة «بولي جي سي إل بتروليوم» الصينية، وذلك بموجب خمس اتفاقيات للاستكشاف وإنتاج النفط تم إبرامها في عام 2013. كما دفعت احتياطيات الغاز إثيوبيا إلى مد خط أنابيب للغاز الطبيعي من أوغادين إلى ميناء جيبوتي على البحر الأحمر، لبدء تصدير الخام بحلول عام 2021.

تداعيات محتملةتفرض التحولات السابقة مجموعة من التداعيات على الاقتصاد الإثيوبي. ينصرف أولها إلى تعزيز الثقة بالاقتصاد على المستوى الدولي، خصوصاً مع اتجاه الحكومة إلى إجراء تحولات سياسية واقتصادية جذرية من شأنها دعم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. ويتعلق ثانيها بتحفيز القطاع الخاص وتعزيز قدرته التنافسية.

ويتمثل ثالثها في توفير إيرادات مالية من العملات الصعبة، على نحو سيساعد الحكومة على ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات للبنية التحتية بقيمة 7.5 مليارات دولار. ومن المتوقع أن تصل عائدات الغاز السنوية إلى نحو مليار دولار سنوياً، وستكون هذه العائدات ضرورية أيضاً لدعم جهود الحكومة لتقليص نسبة الفقر.

ويرتبط رابعها، بفك الاختناقات اللوجستية التي تعانيها إثيوبيا، نظراً لأنها دولة حبيسة تعتمد حتى الآن بشكل أساسي على جارتها جيبوتي في تسيير حركة تجارتها مع العالم الخارجي، حيث يوفر تعزيز التعاون البحري مع إريتريا منفذاً آخر على البحر الأحمر، بما سيدعم حركة التجارة، التي يمكن أن يتسع نطاقها في حالة تنفيذ خطة تصدير الغاز الطبيعي.


سقف التوقعات

من دون شك، إن التحولات السياسية والاقتصادية، التي تمر بها إثيوبيا، سترفع سقف توقعات السكان تجاه احتمال حدوث تحسن قوي في مستوى معيشتهم، ما يفرض على الحكومة العمل على توظيف هذه التحولات في دعم برامج الغذاء والصحة والتعليم والبنية التحتية للسكان، باعتبار أن ذلك ربما يكون ضمانة أساسية لتقليص احتمال تصاعد حدة الاضطرابات الاجتماعية مجدداً، خلال الفترة المقبلة.

الاقتصاد الإثيوبي لايزال يعتبر أحد أسرع الاقتصادات العالمية نمواً العام الماضي بنسبة 10.8%، وذلك نتيجة جذب استثمارات أجنبية في قطاعات اقتصادية عدة، أبرزها الزراعة والصناعة.

يعكس تحول الحكومة نحو زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد اعترافها بعدم نجاح النموذج الاقتصادي القائم حالياً على القطاع العام في توفير الوظائف وزيادة عائدات التصدير، ما يمثل مشكلة كبيرة للحكومة في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد سكان الدولة 100 مليون نسمة.

تويتر