بعد خسارته نحو 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها

تنظيم «داعش» اندثر ولكن الإرهاب لايزال موجوداً

صورة

كانت خطط تنظيم «داعش» الطموحة، الرامية إلى إنشاء دولة في الشرق الأوسط، فاشلة، وسرعان ما أدت إلى نهاية التنظيم واندثاره من المنطقة. وكما لاحظنا في تحليلات سابقة، فإن الأعمال التي ارتكبها تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط، خصوصاً التهديد الذي شكله على نظام الدول الإقليمي، وعلى الأمن العالمي، أدى إلى تشكل ائتلاف دولي عريض حارب «داعش» وقضى عليه، وألقى بهذا التنظيم في مزبلة التاريخ.

بغض النظر عن الخسائر التي مُني بها «داعش» والتراجع الاستراتيجي في المناطق التي كان يسيطر عليها، إلا أن التنظيم لايزال يقوم بحرب دعائية على الإنترنت.

وجاء تحرير مدينة الموصل العراقية من «داعش» في يوليو 2017، وكذلك مدينة الرقة السورية، التي أعلنها التنظيم عاصمة له في سورية، في أكتوبر من العام ذاته، إشارة على نهاية التنظيم. ولكن ذلك لا يعني أن «داعش» قد انتهى بالمطلق، بل على العكس، إذ إنه لايزال مستعداً لمواصلة أجندته الإجرامية ضد أعدائه، ومن يعتبرهم كفاراً.

وثمة العديد من الهجمات الإرهابية التي ارتبطت بتنظيم «داعش» قد ظهرت هذا العام، في روسيا وفرنسا وبلجيكا، وأدت إلى مقتل العديد من الأشخاص، وبالطبع في الشرق الأوسط مثل العراق وأفغانستان، ونجم عن ذلك مقتل وإصابة العشرات. وإضافة إلى ذلك فقد ذكرت تقارير صحافية أن «داعش» هدد بأنه سيقوم بأعمال عنف خلال منافسات كأس العالم الحالية لكرة القدم.

وبعبارة أخرى، فإن تنظيم «داعش» يواصل أعماله الإرهابية، وينشر رسالته العنيفة في مسعى منه لحشد أكبر عدد ممكن ممن يقتنعون بفكرته الإرهابية. وفي الواقع فإن تعرضه للهزيمة عسكرياً لا يعني أنه لن يواصل تحقيق أهدافه البشعة.

وأجبرت الهزيمة العسكرية تنظيم «داعش» الإرهابي على إعادة تحديد أهدافه الاستراتيجية. وتعين عليه أن يتغير من هدف إنشاء دولة إلى المحافظة على بقائه كمنظمة تتمتع بقدرات إرهابية قوية.

ويوجد نحو 10 آلاف مقاتل في العراق وسورية تعرضوا للضرب من قبل روسيا والائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة واللاعبون المحليون أيضاً. وكما نعرف من النظرية الاستراتيجية، فإن انعدام التكافؤ يؤدي إلى الفشل. في حين أن الإرهاب كان من الوسائل التي تم استخدامها من أجل الاستيلاء على الأراضي، والآن أصبح الإرهاب هو الهدف الاستراتيجي الذي يروج للأيديولوجية المتطرفة لـ«داعش».

شبان ناقمون

وهناك العديد من الشبان العاطلين عن العمل الناقمين على المجتمع، ومن السهل لتنظيم «داعش» استغلالهم. وإضافة إلى ذلك، فإن ما يعرف بالذئاب المنفردة من السهل أيضاً التأثير فيهم من قبل أيديولوجية «داعش» المتطرفة كي يرتكبوا أعمالاً إرهابية. وانعكست استراتيجية «داعش» الجديدة في دعوتها لزيادة الهجمات في أوروبا وأماكن أخرى، خصوصاً في الأماكن المزدحمة.

ويستفيد «داعش» من التقنيات المتطورة التي تخدم أهدافه. واستناداً إلى بعض الصحافيين، ثمة 200 ألف موقع على الإنترنت لها علاقة بتنظيم «داعش». وعلى الرغم من وجود عمليات في شتى أنحاء أوروبا، تستهدف تدمير العديد من أدوات «داعش» على الإنترنت، إلا أن قدرته على نشر رسالته وزيادة التطرف بين الشبان الصغار لم يتم القضاء عليها حتى الآن. وبغض النظر عن الخسائر المرعبة التي مني بها التنظيم، والتقلص الاستراتيجي في المناطق التي كان يسيطر عليها، إلا أن تنظيم «داعش» لايزال يقوم بحرب دعائية على الإنترنت. وعلى الرغم من أن موقع «أعماق»، وهو البوابة الرئيسة التي يطل منها التنظيم على العالم الافتراضي، تم إغلاقه ليوم واحد في نهاية أبريل الماضي، إلا أنه تم فتحه في اليوم التالي، من خلال «سيرفر» آخر. وهذا يظهر مدى الصعوبة التي تواجهها الدول وسلطات مكافحة الإرهاب خلال عملها للقضاء على أدوات دعاية «داعش».

ويقوم المتطرفون بتكييف أدواتهم بسهولة، ويستخدمون العديد من الطرق من أجل مواصلة دعايتهم، وهجماتهم الإرهابية مثل موقع «تيلغرام»، الذي تم استخدامه في العديد من الهجمات الإرهابية، لأنه أكثر أماناً خلال عملية الاتصالات بين «داعش»، ومن يعمل على حشدهم من أجل الهجمات الإرهابية المحتملة. ويحدث هذا لأن الموقع يمنع أي شخص باستثناء المرسل والمتلقي على الدخول والاطلاع على الرسالة، كما أنه يمتلك خيار إتلاف الرسالة بصورة ذاتية أيضاً.

وعلى الرغم من الهجمات التي قامت بها الشرطة الدولية وقوات الأمن ضد «داعش»، إلا أن قدرته على الدعاية لاتزال موجودة على الشبكة، ويستطيع المرء بسهولة العثور على أفلام فيديو للتنظيم تحوي هجمات بالسيارات أو السكاكين.

وبناءً عليه سيكون من الخطأ الافتراض أن قوى التطرف العالمي في اضمحلال متواصل، بل على العكس، فإن وجود تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط كلاعب من غير الدول، وشبيه بالدول، يساعد المتطرفين على الفوز بسمعة كبيرة عبر جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي يخدم أهداف التنظيم.

وبالتأكيد فإن تنظيم «داعش» قد أفل نجمه ككيان سياسي في الشرق الأوسط، إذ إنه فقد نحو 98% من الأراضي التي كان يسيطر عليها. ونستطيع بصراحة الإعلان عن موت التنظيم، ولكن لا نستطيع فعل الأمر ذاته بالنسبة لإرهابه.

نيكوس بانايوتيدس صحافي وأستاذ علوم سياسية في جامعة نيقوسيا الأميركية

تويتر