رغم فوزه في الانتخابات

أردوغان لم يستطع سحق المعارضة التي خرجت قوية

صورة

الشيء المفاجئ في الانتخابات التركية التي جرت يوم الأحد الماضي، ليس حقيقة أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد تمكن من الاحتفاظ بسيطرة تامة على السلطة، فبعد ستة انتصارات انتخابية خلال 16 سنة، وبعد تنظيم استفتاء عام 2017 لتحويل الرئاسة إلى جهاز تنفيذي يسيطر عليه بالكامل، وبعد سحقه بوحشية محاولة انقلابية عام 2016، وسجن أو حظر الآلاف من السياسيين والصحافيين المهمين، لم يشك أحد في أنه سينتصر في هذه الانتخابات، لكن المفاجئ هنا هو أن أتراكاً عدة قاوموا جهود أردوغان المتمثلة في استغلال الديمقراطية لمصلحته. وعلى الرغم من تقربه للمعارضة، فإن نصف الناخبين الأتراك الذين تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم القانونية صوتوا ضده وضد حزبه.


أوائل يونيو شوهد أردوغان في شريط فيديو وضعه أحد المؤيدين له دونما قصد، وهو يصدر تعليمات لضباط

الدوائر الانتخابية، ويأمرهم فيها بإبطال الأصوات الكردية، وقال أثناء حديثه مع الضباط: «لا أستطيع أن أتكلم بهذه

الكلمات في الخارج.. إذا انخفضت أصوات الأكراد إلى أقل من عتبة الانتخابات، فهذا يعني أننا سنكون في وضع

أفضل بكثير.. أنتم تعرفون ما أعني، خذوا قوائم الناخبين في كل صندوق اقتراع وعالجوه علاجاً خاصاً».


كان هدف أردوغان من وراء هذه الانتخابات

هو منع أحزاب المعارضة سواء كانت علمانية

أو كردية من تحدي أغلبية حزبه، أو حتى الحصول

على مكان رسمي لها في البرلمان.

على خطى بوتين

بعد ترسم خطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، في خلق طريق يفضي إلى نوع حكم استبدادي يطلق عليه «الديمقراطية الموجهة»، لايزال أردوغان يواجه عقبات تلو عقبات من جانب الشعب التركي. وفي الوقت الذي أعلن النصر في وقت متأخر من ليلة الأحد، في أول مؤتمر صحافي له بعد الانتخابات، ثم عبر خطاب صاخب في شرفة بالعاصمة أنقرة في الساعات الأولى من صباح الاثنين، كان فوزه في الانتخابات الرئاسية ضئيلاً بما فيه الكفاية، بحيث لم تعترف به أحزاب المعارضة ولا المجلس الانتخابي حتى صباح يوم الاثنين.

وعلى الرغم من أن حزبه، العدالة والتنمية، يتقاسم أغلبية برلمانية في ائتلاف مع حزب الحركة القومية المناهض لأوروبا (أقصى اليمين)، فقد فشل أردوغان في الوصول إلى نتيجة تستطيع ضرب المعارضة القوية المتمثلة في حزب الشعب الديمقراطي، الذي يهيمن عليه الأكراد، والذي استطاع أن يتجاوز الحد الأدنى للمشاركة في البرلمان.

كما حصدت المعارضة العلمانية في تركيا، المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، مكاسب كبيرة في المقاعد بعد أن نظم زعيمه الجديد محرم إنجه حملة انتقد فيها فشل أردوغان في التفاوض على إنهاء الحرب الأهلية السورية، وعلاقاته المفترضة مع إسرائيل.

وكان هدف أردوغان من وراء هذه الانتخابات هو منع أحزاب المعارضة، سواء كانت علمانية أو كردية، من تحدي أغلبية حزبه أو حتى الحصول على مكان رسمي لها في البرلمان. وكان من المفترض أن يكون التصويت في الثالث من نوفمبر 2019، بموجب القوانين الانتخابية الجديدة التي وضعها أردوغان بعد الاستفتاء، إلا أن إعلانه المفاجئ عن الانتخابات في 18 أبريل، والذي يعتبر خرقاً لقانونه الخاص، كان الهدف منه هو أن يأخذ المعارضة على حين غرة، وهذه القواعد من شأنها أن تسمح لأردوغان بأن يصبح «رئيساً تنفيذياً» قوياً، مع سلطة تعيين الوزراء والقضاة وكبار المسؤولين بشكل مباشر دون إشراف برلماني.

نزعة السيطرة

وفي هذه الانتخابات، حاول أردوغان، وبشكل أكبر من الانتخابات السابقة، بناء حزب العدالة والتنمية على نسق قوي، بحيث يكون هو المسيطر على نظام الحكم، وذلك من خلال الإيقاع بين الناخبين الأتراك ومواطنيهم من القومية الكردية، الذين يشكلون نحو خمس المواطنين الأتراك.

وخلال العقد الأول من حكمه، أيد أردوغان القضايا الكردية، وأضفى شرعية على الأبجدية الكردية والنظام المدرسي والأحزاب، مثل حزب الشعب الديمقراطي، لكن بعد أن تحول إلى طموحات أكثر استبدادية في بداية هذا العقد، بدأ في شيطنة الأكراد وحرمانهم من حق التصويت، وفي انتخابات حاسمة في يونيو 2015 فاز حزب الشعب الديمقراطي، المدعوم من قبل العديد من الأتراك غير الأكراد، احتجاجاً على تكتيكات أردوغان القوية، بمقاعد كافية تمنع حصول حزب العدالة والتنمية من تشكيل أغلبية ائتلافية. بعد ذلك، أمضى أردوغان شهوراً في محاولة لربط «حزب الشعب الديمقراطي» بالأنشطة الإرهابية، ونظم انتخابات أخرى في نوفمبر 2015، تمكن خلالها من تأمين الأغلبية في الائتلاف.

أما انتخابات يوم الأحد، فيجيء تنظيمها بعد أن قضى أردوغان سنوات عدة في شن حرب شاملة ضد قوات المتمردين الأكراد في سورية، وفي جنوب شرق تركيا، وبعد حملة تخويف موجهة ضد الأحزاب الكردية وحشد جهود لمنع الأكراد من التصويت.

وفي أوائل يونيو، شوهد أردوغان في شريط فيديو وضعه أحد المؤيدين له دونما قصد، وهو يصدر تعليمات لضباط الدوائر الانتخابية، ويأمرهم فيها بإبطال الأصوات الكردية، وقال أثناء حديثه مع الضباط: «لا أستطيع أن أتكلم بهذه الكلمات في الخارج.. إذا انخفضت أصوات الأكراد إلى أقل من عتبة الانتخابات، فهذا يعني أننا سنكون في وضع أفضل بكثير.. أنتم تعرفون ما أعني، خذوا قوائم الناخبين في كل صندوق اقتراع وعالجوه علاجاً خاصاً». وأخبرهم بأن يضمنوا الأغلبية لـ«حزب العدالة والتنمية» في لجان مراقبة صناديق الاقتراع.

وتم إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية في المناطق ذات الأغلبية الكردية للحد من عدد مراكز الاقتراع، وتم اعتقال أحد زعماء «حزب الشعوب الديمقراطية» وسجنه بتهمة «الدعاية الإرهابية» المشبوهة، وتعرض المئات من المرشحين الأكراد للاعتقال، وتم احتجازهم وسجنهم في بعض الحالات، وأبلغت المنظمات الدولية عن وجود مخالفات في التصويت في مناطق عدة ذات أغلبية كردية.

وفي ضوء هذا الجهد الساحق لإسكات المعارضة ومعاقبة المنتقدين، فإن المعارضة التركية خرجت قوية في تصويت يوم الأحد على الرغم من الظروف الحالكة التي أحاطت بها. وفي النهاية، فقد فاز أردوغان لمدة نصف عقد من الحكم شبه الكامل، لكنه فشل في إجبار بلاده على التحدث بصوت واحد.

دوغ ساوندرز : كاتب عمود في الشؤون الدولية في «ذي غلوب آند ميل»

تويتر