بولتون أغضبته صورة ميركل أمام ترامب وكأنها توبخه. رويترز

ترامب يستأسد أمام الدول الصديقة ويرتبك أمام العدوة

حتى الدقيقة الأخيرة بدت قمة تشارليفو للدول الكبرى في العالم، ليست أسوأ مما هي عليه عادة. وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد وصل إلى القمة ومزاجه يبدو جيداً ومرحاً. وكان يمزح وهو يروي كيف سيغير مكان الشقق، إذا أراد إعادة تطوير الفندق المخصص لاستضافة الزعماء الضيوف. وأكد لنظرائه من قادة الدول الأخرى الموجودين في القمة، ألا يهتموا للتقارير الإعلامية الكاذبة، وقال نحن مازلنا أصدقاء، وسنتوصل إلى اتفاق.

لم تكن التعريفات الجمركية على الحديد

والألمنيوم المستوردين من ألمانيا والمملكة

المتحدة والمكسيك، تمثل إجراء يتعلق بالأمن

القومي، وإنما هي انتقام من القيود

التي فرضتها كندا على استيراد مشتقات الألبان.

ولاتزال الولايات المتحدة هي الدولة الأعظم في العالم، إذ تم التوصل إلى اتفاق بشروط صديقة للأميركيين. وكانت لغة الاتفاق تمدح «النظام الدولي القائم على القانون» لاسترضاء ترامب. وأوضح مساعدوه أن الرجل قام بحملة ضد نظام يعتقد الناخبون أنه معطل. ولا يمكنه التوقيع على وثيقة تثني على ذلك النظام.

وخلال جولات المفاوضات، كان من الواضح أن ترامب بدا متأثراً بشخصيات قادة دول مجموعة السبع، الذين أثّروا بدورهم في شكل الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه خلال القمة. أي إنه ليست هناك حاجة للخلاف، لأنهم يَصْبُون إلى مزيد من الازدهار لعدد كبير من الناس. وحتى الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر السبت، اليوم الأخير للقمة، اعتقد جميع المشاركين في القمة العالمية أن وجه العالم الغربي لايزال سليماً في هذه القمة، وأن المؤتمر حقق النجاح.

لكن فجأة حدث ما هو غير متوقع، عندما أطلق الرئيس ترامب عدداً من التغريدات من طائرة الرئاسة، موجهاً انتقادات لاذعة لنظيره الكندي. فما الذي أثار غضبه؟ هل شاهد متأخراً صورة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، وهي تبدو كأنها تنظر إليه بفوقية؟ فقد قال كثيرون إن ترامب يفكر بالصور وليس بالأفكار، ولكن من يدري ربما أن الرئيس الاميركي لا يعرف نفسه.

وحالما بدأ الرئيس ترامب إطلاق التغريدات، قام مساعدوه فجأة بتضخيم وتعميق الخلاف. وفي المساء أطلق مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، تغريدة يهاجم فيها صورة ميركل أمام ترامب وكأنها توبخه، وأضاف بولتون في تغريدة يشرح الصورة قائلاً «إنها قمة أخرى لمجموعة السبع، تتوقع فيها دول أخرى أن أميركا ستظل دائماً المصرف الخاص بهم، وقد أوضح الرئيس تماماً أن ذلك قد توقف الآن»، وبعد ذلك عمدت وسائل إعلامية مؤيدة لترامب إلى العمل على دعم خطابه الجديد لتعزيز موقفه.

وبالطبع فإن هذا يتناقض بشكل صارخ مع ما قيل في الأمس. والجدير بالذكر أن ترامب يملك سلطة فرض التعريفات الجمركية على الحديد والألمنيوم، فقط لأنه في عهد الرئيس الأميركي السابق، جون كينيدي، كان هناك إعفاء خاص لقانون التجارة العامة لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ووقّع ترامب على وثائق تثبت أنه فرض تعريفات جمركية لحماية مصالح دفاعية حيوية للولايات المتحدة. والآن فإن الرجل يعتبر أنه غيّر التاريخ. ولم تكن التعريفات الجمركية على الحديد والألمنيوم المستوردين من ألمانيا والمملكة المتحدة والمكسيك، تمثل إجراء يتعلق بالأمن القومي، وإنما هي انتقام من القيود التي فرضتها كندا على استيراد مشتقات الألبان. وبغض النظر عما يمكن أن يعتقده المرء بشأن الحماية المفروضة على ألبان كندا، إلا أنها لا تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي.

توبيخ

ولكن هل لاحظ ترامب، أو يهتم بأنه يكذب؟ بالتأكيد لا. وكان ترامب قد ارتاح منذ أسبوعين من الانتقادات نتيجة إظهاره الليونة أمام شركة «زي تي آي» الصينية العملاقة للتقنيات. وكان 27 عضواً من الكونغرس من كلا الحزبين قد وقعوا على عريضة تنتقد الرئيس، وحتى محطة «فوكس نيوز» الحليفة له وجهت إليه التوبيخ على هذا الموقف. وألمح خصوم الرئيس إلى أن قراره جاء تحت تأثير قيام الشركة المملوكة من الحكومة الصينية بالاستثمار في إندونيسيا في مشروع مرخص باسم ترامب.

وإثر شعوره بالغيط من الانتقادات التي وجهت إليه، قام ترامب بالرد على أكثر الأهداف توافراً، وهم أقرب أصدقاء أميركا و حلفائها. وربما لم تسهم التغريدات الانتقامية، التي وجهها ترامب من طائرته الرئاسية إلى مضيفه الكندي، في خسارته الكثير من الأصدقاء الكنديين، لسبب بسيط أنه لم يترك له أي صديق في كندا كي يخسره. وبالطبع فإن الهجوم الذي شنه ترامب على رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، سيؤدي إلى تعزيز شعبية ترودو، لكن هذا أكثر من مجرد قصة شخصية.

وبالطبع فإن حكومات دول مجموعة السبع هي أقرب حلفاء أميركا وأصدقائها في العالم تاريخياً، حيث يساندونها في كل مواقفها بالأمم المتحدة وغيرها. لكن ترامب غادر كندا إلى سنغافورة للقاء رئيس كوريا الشمالية، كيم يونغ أون. وكما كان متوقعاً تعامل ترامب بصورة أكثر احتراماً وتصالحية مع عدوه الديكتاتور كيم، مما أظهره أمام أصدقائه من قادة الدول الديمقراطية. لكن هذا نموذج من سلوكيات ترامب بات مألوفاً.

ويبدو أن ترامب حبيس نموذج واحد من الدبلوماسية على أعلى المستويات، إذ إنه تارة يستأسد وأخرى يرتبك، فهو يستأسد على أصدقائه وحلفائه التقليديين، كما أنه يرتبك مع خصومه.

الأكثر مشاركة