أشاع «الخوف من الإسلام» ودفع باتجاه مفاقمته

حزب المحافظين يشجّع على التحيز ضد المسلمين في بريطانيا

صورة

يواجه حزب المحافظين مشكلة مع المسلمين، وليس الوضع هو عبارة عن عدد قليل من التفاح السيئ، كما يقول المثل، ولا يتمثل في عدد قليل من المشاركات في وسائل التواصل الاجتماعي التي تخرج عن سياق النص، وإنما ظلت هذه المشكلة تتفاقم على مدى سنوات، على الرغم من التحذيرات التي أطلقها الأعضاء المسلمين في الحزب، وأصبحت الآن هذه التحذيرات طبيعية، إلى درجة أن أحداثاً عدة يتم الإبلاغ عنها في هذا الشأن بتواتر مروّع. وأن انعدام أي ضغط على رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، لمعالجة هذا الوضع، إنما هو مؤشر ينذر بالخطر بشأن الطريق الذي تسلكه السياسة اليمينية لبريطانيا.

الحزب الذي ينخرط في الخطابات الشعوبية ضد

الهجرة، حزب فضيحة «ويندروش»، وعبارات «عد

لبلدك»، هو الموطن الطبيعي لنشر سياسة الخوف.


مطالبات بتحقيق حول «الإسلاموفوبيا» داخل حزب المحافظين

كتب أحد كبار أعضاء حزب المحافظين إلى رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، داعياً لإجراء تحقيق حول «الإسلاموفوبيا» داخل الحزب، فقد دعا اللورد محمد شيخ، الذي عمل مستشاراً لرئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، للسيدة ماي، للنظر في هذه القضية، واصفاً إياها بأنها «تشكل مصدر قلق كبير للعديد من الأعضاء المسلمين والمؤيدين للحزب».

وفي رسالته إلى رقم 10 داوننغ ستريت، سلط اللورد شيخ الضوء على الحملة الانتخابية لعمودية لندن عام 2016، واستضافة الهندوسي القومي الهندي، تابان غوش، في البرلمان، وغياب أي مرشح مسلم في الانتخابات العامة الأخيرة.

ويقول شيخ في رسالته إلى رئيسة الوزراء «أدعوك بصفتك رئيسة للوزراء إلى اتخاذ الخطوتين التاليتين على الفور، أولاً تشكيل تحقيق مستقل - يجب علينا التحقيق في من يروجون للسلوك السيئ المتعلق بكراهية الإسلام، وعزلهم بسرعة، ثانياً، ينبغي التواصل مع جميع مجموعات التوعية في حزب المحافظين، مثل منتدى المسلمين المحافظين، والانخراط بفعالية في حوار في هذا الشأن».

الأسبوع الماضي، دعا مجلس مسلمي بريطانيا إلى تحقيق مستقل بشأن كراهية الإسلام، بعد العديد من الحوادث في الحزب الشهر الماضي. وخلال الأسابيع الأربعة الماضية وحدها، وصف ممثلو حزب المحافظين ومرشحوه الإسلام بـ«النازية الجديدة»، ونشروا صورة للحم خنزير مقدد على مقبض باب، كوسيلة «لحماية بيتك من الإرهاب»، وتشاركوا مقالاً وصف المسلمين بـ«الطفيليات التي تعيش في كنف الدولة، وتتوالد مثل الأرانب».

وأبلغ الأعضاء المسلمون بحزب المحافظين أيضاً عن عنصرية ترتبط بالدين، ومناورات بشكل خفي أو صريح، تشير إلى أنه من أجل أن يسير الأعضاء المسلمون قدماً داخل الحزب، عليهم التخلص من أكبر قدر ممكن من هويتهم الإسلامية. وكتب الصحافي البريطاني، بيتر أوبورن، الأسبوع الماضي، أنه في بحوثه على مر السنين اكتشف أنه من المستحيل على المسلم الملتزم أن يشق طريقه (أو طريقها) إلى قمة حزب المحافظين.

هذه التحذيرات لا تأتي من أبواب الحزب فقط، وإنما تنمو كفقاعة من بين جوانب الفساد التأسيسي. هناك سبب واضح بأن التعصب المناهض للمسلمين، الذي تطور خلال العقدين الأخيرين، ترعرع داخل اليمين، ووجد مقراً مريحاً له في حزب المحافظين. وهناك تداخل بين الكراهية تجاه المسلمين والعداء العام تجاه الهجرة، وهو موقف يمثل حجر الزاوية في حزب المحافظين. وهناك سبب لتفاقمه تحت رعاية الحزب اليوم. وهو عبارة عن نغمة تصاعدت داخل الحكومة العنصرية، بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وميلها إلى اليمين المتطرف، ومغازلتها مؤيدي حزب استقلال المملكة، وحتى مؤيدي الحزب القومي البريطاني السابق.

ومثلما نشأت معاداة السامية في اليسار من وجهة نظر عالم متآمِر يفترض أن اليهود مؤازرين للمصالح القوية التي تتآمر ضد الضعفاء، فإن التحيز ضد المسلمين في اليمين ينبع من هاجس الهجرة، ومن ثم فإن المسلمين هم جحافل، وغزاة، يتوالدون مثل الأرانب، يغيرون ثقافة البلاد، بسبب الزحف المتواصل للشريعة. كما أن خطاب الكراهية ضد المسلمين يحمل في طياته دلائل عنصرية لا تلقى الكثير من المعارضة، وهناك العديد من أوراق التين التي يغطون بها هذا التحيز العاري، مثل: الناس لديهم مخاوف مشروعة حول الهجرة، أو قد يغير المسلمون ثقافة المكان أكثر بكثير مما يفعله أتباع الديانات الأخرى، أو هل من الخطأ أن تسعى الأمة للحفاظ على ثقافتها؟ وهناك دليل واضح لهذا النوع من التعتيم، صاغه مؤسس مركز التماسك الاجتماعي، دوغلاس موراي، في كتابه بعنوان «الموت الغريب لأوروبا». ويمثل حلقة رئيسة حول فلسفة: كيف يمكننا أن نكسو كراهية الأجانب ثوباً محترماً عندما نتحامل على المسلمين - والمهاجرين إلى حد بعيد - وعندما يتحول الأمر إلى قلق ثقافي مشروع؟

لكن أكبر ورقة توت على الإطلاق هي الادعاء بأن كل ما ورد من انتقاد للإسلام هو أمر مشروع، وأنه لا توجد لدى أحد بالفعل مشكلة جوهرية مع المسلمين. وليس هناك قيمة كبيرة في الجدال ضد هذا المنطق، لأنه عبارة عن ادعاءات. إن أولئك الذين ظلوا يتصارعون مع حقيقة أن «الإسلام ليس عرقاً»، يدركون جلياً الآن أن خطاب الكراهية، والسخرية، والدعوة إلى الاعتقال، وإلحاق الضرر بفرص توظيف الناس، كما أثبتت الدراسات، ليس له علاقة مشروعة بالعقيدة. إن الادعاء بأن العقيدة الدينية التي لا تقوم على العرق هي عذر دلالي رث، ينتشر بسخرية من قبل أولئك الذين يعرفون أنه بمجرد نزع عنصر الدين، فإن كل ما يتبقى هو التعصب العنصري.

هذا الحزب الذي ينخرط في الخطابات الشعوبية ضد الهجرة، حزب فضيحة «ويندروش»، وعبارات «عد لبلدك»، هو الموطن الطبيعي لنشر سياسة الخوف. ولاتزال حملة التشهير المخزي لغولد سميث زاد ضد عمدة لندن، صادق خان، تقف كنصب تذكاري لهذا الحزب. في صباح يوم الأحد، رفض وزير الداخلية، ساجد جاويد، اتهامات مجلس مسلمي بريطانيا، مستشهداً بـ«تعليقاته الإيجابية» على المتطرفين، ورفض التعاطي مع حقيقة أن كبار حزب المحافظين والصحافيين المنتمين له وأعضاء الحزب الصغار قدموا الادعاءات نفسها، وهذه استراتيجية متعمدة، يثيرون شبح التطرف ويأملون إثارة الفتن.

وبالطبع، يمكن أن يُنظر إلى الاستقصاء المشروع عن الإسلام، وبصورة خاطئة، في كثير من الأحيان، على أنه تحامل ضد المسلمين، تماماً مثلما هي الحال في ما يتعلق بالاستقصاء عن إسرائيل، الذي يصفه البعض بأنه معاداة للسامية. ومثلما أنه ليس من الصعب أن نرى كيف أن إسرائيل تستخدم معاداة السامية لإخفاء تحيزها ضد المسلمين، فإن المتعصبين المسلمين يستخدمون التطرف الإسلامي كمبرر للدفاع عن أنفسهم.

لكن هذا التماثل ينتهي عندما يتعلق الأمر بالإدانة الشعبية. إن الفارق في الاحتجاج العام ضد فشل حزبي العمال والمحافظين في معالجة قضايا العرق والتحامل بفعالية في أحزابهم تتمثل في حدة اللهجة، لقد أصبحنا نتعامل مع حدة اللهجة ضد المسلمين، لأن انتقاد الإسلام قد يمنح راحة حضارية لأولئك الذين لا يحبون المسلمين لأنهم مسلمون فقط، كما أن رهاب الإسلام قد تمت توأمته بنجاح في الوعي العام مع الهجرة. وسيكون هناك عدد قليل من المفكرين الذين يطالبون بإجراء تحقيق أو برامج إذاعية يسألون المتصلين عما إذا كانت ماي صالحة لقيادة حزب يضايق أعضاؤه المسلمين، ويتحاملون عليهم. سيكون هناك عدد قليل من الناخبين الذين يتحاشون حزب المحافظين في صندوق الاقتراع، لأنه يجعل مواطنيهم يشعرون بعدم الأمان.

يجب أن يستمر الضغط في مايو للتصدي للمشكلة، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحدث انفراجاً هي أن تجد هذه القضية تفاعلاً جماهيرياً. الوضع الحالي يتحدث بإسهاب عن حزب المحافظين، والاتجاه المزعج الذي تأخذ فيه السياسة اليمينية البلاد. واليوم نحن لا نشهد شعبية طاغية لرهاب الإسلام فقط، وإنما أيضاً تشجيع عليها.

نسرين مالك : كاتبة عمود في صحيفة «الغارديان»

 

تويتر