حدود الحركة أمام طهران ضيقة

خيارات محدودة تملكها إيران في مواجهـة الضغـوط الأميركية

صورة

أربكت الضغوط المتتالية التي تفرضها السياسة الأميركية حسابات إيران، ووضعتها أمام خيارات محدودة، كل منها سينتج تداعيات مباشرة على مصالحها، خصوصاً بعد إعلان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قبل أيام، عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاهها، التي تضمنت 12 شرطاً للوصول إلى اتفاق جديد معها.

اتفاق كارثي

أكد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن الاتفاق النووي سمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، والوصول إلى حافة امتلاك سلاح نووي.

وقال ترامب «إذا سمحت باستمرار هذا الاتفاق سيصبح هناك سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، والاتفاق لم يحدّ من أنشطة إيران لزعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب في المنطقة».

وأضاف أنه بعد المشاورات الأخيرة مع حلفاء أميركا «تبيّن لنا أننا لن نتمكن من منع إيران من الحصول على أسلحة نووية».

المغامرة بالتعرض لعزلة دولية جديدة، والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات

المتحدة، قد يؤديان إلى تأجيج الأزمات الداخلية الإيرانية، باعتبار أن تلك العقوبات

الجديدة ستؤثر في الاقتصاد الإيراني، وتفرض حدوداً ربما لا تكون مرتفعة

للاستثمارات الأجنبية، بشكل يحدّ من قدرة الحكومة على التعامل مع تلك الأزمات.


استمرار الأزمات

الداخلية التي أججتها

السياسات التي

يتبناها النظام على

الساحتين الداخلية

والخارجية، لا يوفر

خيارات عدة أمامه

للتعامل مع

الضغوط التي

تفرضها السياسة

الأميركية الجديدة.

لاسيما في

ظل الاهتمام

الملحوظ الذي تبديه

الولايات المتحدة

بقضايا الداخل الإيراني،

والذي انعكس في

التصريحات الأميركية

المتتالية الداعمة

للمحتجين.

 

ورغم التهديدات المستمرة، وأحياناً المتضاربة، التي يوجهها بعض المسؤولين الإيرانيين، إلا أن طهران فضلت التمهل قبل اتخاذ قرارات نهائية للتعامل مع السياسة الأميركية الجديدة، وحرصت على كسب مزيد من الوقت، خصوصاً في محادثاتها مع الدول الأوروبية، وكل من روسيا والصين، حيث تسعى من خلالها إلى بلورة موقف دولي داعم قد يساعدها في تقليص حدة تلك الضغوط، وتوسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها، على نحو بدا جلياً في الزيارات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في كل من بكين وموسكو وبروكسل، خلال الفترة من 13 إلى 15 مايو الجاري، والتي تبعها اجتماع آخر للجنة المشتركة في الاتفاق بفيينا، الجمعة، لبحث الأفكار التي تطرحها الدول الأوروبية لتعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق.

واللافت أن إيران استبقت هذا الاجتماع الأخير بمحاولة رفع سقف ضغوطها على الدول الأوروبية، على نحو انعكس في سبعة شروط مقابلة، وضعها المرشد علي خامنئي، للاستمرار في تنفيذ الاتفاق في اجتماعه مع رؤساء ومسؤولي السلطات الثلاث بالدولة في 23 مايو الجاري.

عقبات عدة

لكن هذه السياسة التي تتبناها إيران قد لا تعود بنتائج إيجابية على مصالحها، لاعتبارات عدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1 - سياق غير مُواتٍ:

تواجه إيران سياقاً دولياً وإقليمياً مناوئاً لدورها في منطقة الشرق الأوسط، على نحو يزيد من قوة الضغوط الأميركية عليها، ويعزز من فرص تعرضها لعزلة دولية وإقليمية، على غرار ما كان قائماً في عقود سابقة. ومع أن الدول الأوروبية تؤيد استمرار العمل بالاتفاق النووي، لدرجة قد تؤدي إلى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن ذلك لا ينفي أن الأولى مازالت تبدي تحفظات عدة تجاه الدور الذي تقوم به إيران في المنطقة، خصوصاً في دول الأزمات، وفي مقدمتها سورية ولبنان واليمن، بشكل يسهم في توسيع نطاق توافقاتها مع السياسة الأميركية إزاء تلك القضية تحديداً.

وقد انعكس ذلك في الدعوات التي وجهها العديد من المسؤولين الأوروبيين لإيران، بتقليص حدة تدخلاتها الإقليمية، بالتوازي مع وقف الأنشطة الخاصة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية. بل إن بعض المسؤولين الأوروبيين تبنوا اقتراحات جديدة، حسب ما كشفت تقارير عدة في الآونة الأخيرة، تشير إلى إمكانية تقديم مساعدات مالية لإيران مقابل التراجع عن هذه التدخلات، على غرار النهج الذي اتبع مع تركيا في التعامل مع أزمة اللاجئين والمهاجرين القادمين من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا، خلال الأعوام الأخيرة.

لكن من الصعب على إيران، على الأقل في المرحلة الحالية، القبول بمثل تلك المبادرات، لاعتبارات ترتبط بإصرارها على مواصلة تمددها في المنطقة، الذي استنزفت بسببه الخزينة الإيرانية لعدة عقود، ولعدم ثقتها بشكل كامل في مدى جدية تلك النوعية من المبادرات، ومدى قدرتها على التحول إلى قرارات على الأرض، خصوصاً في ظل الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على الدول الأوروبية، لتغيير سياستها إزاء طهران.

2 - شكوك متواصلة:

رغم العلاقات القوية التي أسستها إيران مع كل من روسيا والصين، إلا أن اتجاهات عدة داخل طهران لا تعول بشكل كبير على إمكانية تحول الدولتين، أو أي منهما، في مرحلة لاحقة، إلى ظهير دولي يستطيع مساعدة إيران على مواجهة الضغوط التي تفرضها السياسة الأميركية.

ففضلاً عن مصالح موسكو وبكين وحساباتهما الخاصة، فإن الولايات المتحدة تبدو مدركة لأهمية الوصول إلى تفاهمات مع الطرفين في ما يتعلق بآليات التعامل مع طموحات إيران النووية والإقليمية، خصوصاً بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية الجديدة.

واللافت هنا، أن عدم ثقة طهران بالتعويل على روسيا تحديداً، بدت جلية خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد مسارعتها إلى تأكيد أنه «لا يمكن لأحد أن يجبرها على الخروج من سورية»، وذلك عقب تصريحات الرئيس الروسي، فيلاديمير بوتين، التي أدلى بها خلال لقائه الرئيس السوري، بشار الأسد، في سوتشي في 20 مايو الجاري، ودعا فيها إلى «خروج القوات الأجنبية من سورية».

ومع أن وسائل الإعلام الإيرانية سارعت إلى تفنيد التصريحات الروسية وتأكيد أنها ليست موجهة إلى إيران، إلا أن حرص الأخيرة على الرد بقوة عقب تلك التصريحات، يشير إلى أنها تبدي مخاوف عدة من اتجاهات السياسة التي تتبناها موسكو في سورية، والتفاهمات المستمرة التي تجريها مع قوى مناوئة، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن محاولاتها المستمرة، التأكيد على أنها القوة الرئيسة التي تتحكم في مسارات الصراع في سورية.

3 - ضغوط الداخل:

تتوازى الضغوط التي تتعرض لها إيران على الساحتين الإقليمية والدولية مع استمرار الأزمات الداخلية، التي أدت إلى اندلاع مزيد من الاحتجاجات المعيشية ضد سياسات النظام، وكان آخرها احتجاجات مدينة كازرون بمحافظة فارس، التي تصاعدت حدتها منذ 22 مايو الجاري، بسبب قرار تقسيم إداري اتخذته الحكومة في الفترة الماضية.

استمرار الأزمات الداخلية التي أججتها السياسات التي يتبناها النظام على الساحتين الداخلية والخارجية، لا يوفر خيارات عدة أمامه للتعامل مع الضغوط التي تفرضها السياسة الأميركية الجديدة، لاسيما في ظل الاهتمام الملحوظ الذي تبديه الولايات المتحدة بقضايا الداخل الإيراني، والذي انعكس في التصريحات الأميركية المتتالية الداعمة للمحتجين.

وهنا، فإن النظام يبدو مدركاً أن أي خيار تصعيدي مع واشنطن ستكون له ارتدادات مباشرة على الداخل، خصوصاً بعد التهديدات التي وجهها بومبيو بفرض «العقوبات الأقسى في التاريخ» في حالة العودة إلى تنشيط البرنامج النووي، ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

وبمعنى آخر، فإن المغامرة بالتعرض لعزلة دولية جديدة، والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، قد تؤديان إلى تأجيج الأزمات الداخلية، باعتبار أن تلك العقوبات الجديدة ستؤثر في الاقتصاد الإيراني، وتفرض حدوداً ربما لا تكون مرتفعة للاستثمارات الأجنبية بشكل سيقيد من قدرة الحكومة على التعامل مع تلك الأزمات.

وانطلاقاً من ذلك، فإن طهران لن يكون أمامها خيار سوى الرهان على إمكانية نجاح الدول الأوروبية في الوصول إلى صيغة توافقية يمكن أن تسمح بمواصلة العمل بالاتفاق النووي، واستمرار حصول إيران على عوائد اقتصادية منه. لكن هذا الخيار قد لا يستمر لفترة طويلة، في ظل العقبات الكثيرة التي تواجهه. وهنا تكمن المشكلة، أو بمعنى أدق المأزق الذي تواجهه إيران. إذ إن فشل هذا الخيار معناه أن إيران لم يعد أمامها سوى وقف العمل بالاتفاق والعودة إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من عواقب وخيمة، أو الإذعان للضغوط الأميركية والأوروبية بإجراء مفاوضات جديدة لن تنحصر في البرنامج النووي فقط، وإنما ستمتد إلى الدور الإقليمي، وهو خيار ستكون له أثمان داخلية وإقليمية قد لا يستطيع النظام دفعها في النهاية.

تويتر