قتل الفلسطينيين منهجية معتمدة من قِبل الحكومة الإسرائيلية

مشهدان تكشفا يوم الاثنين قبل الماضي في فلسطين، ففي غزة قام قناصة الجيش الإسرائيلي بقتل 60 فلسطينياً، منهم ستة أطفال، وجرح نحو 3000 آلاف آخرين، وسط مشاهد الدخان والنار والقنابل المسيلة للدموع، والغبار، والعذاب والدم. وفي الوقت ذاته تقريباً وعلى بعد 50 ميلاً فقط، كانت توزع كؤوس الشراب في حفل جرى في القدس، حيث أشرف فيه صهر الرئيس الأميركي غاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب على افتتاح السفارة الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في القدس. ويلخص النظر إلى هذين المشهدين الصراع الصهيوني مع الشعب الفلسطيني.

سبب الصراع

هذا بالضبط سبب الصراع الصهيوني مع الفلسطينيين، ويمكن أن يظهر صهاينة ليبراليون أمثال روجر كوهين قلقهم، ويندبون على الوحشية الصريحة لنتنياهو ودائرته، أو حتى من بشاعة المشهد لغزة المعزولة عن العالم. وهم يتذكرون الأيام الذهبية في خمسينات وستينات القرن الماضي عندما بدا كأن الفلسطينيين قد اندثروا تماماً، وكأن ذلك تم بصورة سحرية، ولكن ما يحدث في هذه الأيام ليس شذوذاً، وإنما رد طبيعي على ما فعلته الصهيونية، وسيظل دائماً كذلك. وقال الفيلسوف فرانس فانون من جزر مارتينيك «الاستعمار ليس آلة تفكير ولا جسماً منح قدرات منطقية، إنه عنف في وضعه الطبيعي». ولهذا فإنه ليس من الممكن بالنسبة لنظام استعماري استيطاني أن يقوي مجموعة عرقية على أخرى دون أن يستخدم العنف. وكما اعترف أرنون صوفر نفسه فإن الحفاظ على اليهود كأغلبية «في الدولة الصهيونية»، يتطلب العنف الدائم «المدعوم من مؤسسات الحكومة»، وكان هذا صحيحاً بالفعل في عام 1948، ومازال صحيحاً اليوم، وسيظل صحيحاً إلى أن يتم التخلي عن هذا المشروع الذي ينطوي على تفوق وامتيازات عنصرية بشكل نهائي.

لم يكن كوشنر مخوّلاً بإلقاء خطابه في افتتاح السفارة لأنه مؤهل لذلك، وليس نتيجة منجزاته، وليس

بسبب الميزات المثيرة في الخطاب نفسه، وإنما السمة الوحيدة التي تخوله لذلك هو أنه يهودي، وهي

السمة التي جلبته إلى هذا الموقف. لقد ولد يهودياً، وهذه كل مؤهلاته.

توجد رابطة مباشرة بين الأحداث في القدس

وتلك التي تجري في غزة. ورئيس الحكومة

الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه أشار إلى ذلك

عندما قال: «نحن في القدس تتم حمايتنا من قبل

الجنود الشجعان للجيش الإسرائيلي».

ليس من الممكن

بالنسبة لنظام

استعماري استيطاني

أن يقوي مجموعة

عرقية على أخرى دون

أن يستخدم العنف.

وقد تم استهداف الفلسطينيين وقتلهم واحداً تلو الآخر من قبل القناصة الإسرائيليين، لأنهم تجمعوا مطالبين بحق العودة إلى أراضيهم وديارهم داخل فلسطين التاريخية، بما فيها القدس، وكانوا قد طردوا أو آباؤهم أو أجدادهم من ديارهم، بعملية تطهير عرقي قامت بها الحركة الصهيونية عام 1948 لسبب بسيط هو أنهم ليسوا يهوداً. وكان المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس قد برر بصورة خرقاء خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة «هارتز» عام 2004، حدوث التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، حيث قال «الدولة اليهودية ما كان لها أن تكون لولا طرد 700 ألف فلسطيني من ديارهم، وبناء عليه كان من الضروري طردهم». وحرموا من حق العودة منذ طردهم لهذا السبب، أي لأنهم ليسوا يهوداً، كما أن وجودهم من شأنه أن يزعج الدولة اليهودية التي تم تصميمها بعناية من خلال قوائم سكانية تحتفظ بها الحكومة لدعم ادعائها الهش بهوية الدولة اليهودية حصراً.

وكان الخبير الإسرائيلي في الأمور السكانية أرنون صوفر، من جامعة حيفا، قد وضع خطة عزل قطاع غزة على الشكل الذي نراه الآن، وفي عام 2004 قدم نصيحة لحكومة ارئيل شارون بسحب القوات الإسرائيلية من غزة وعزلها عن العالم، وببساطة قتل أي شخص يحاول الخروج منها. وقال صوفر في مقابلة مع صحيفة «جيروزالم بوست» في 11 نوفمبر 2004 «عندما يعيش 2.5 مليون شخص في غزة المغلقة، سيكون هناك كارثة إنسانية، وسيصبح هؤلاء الأشخاص حيوانات أكبر مما هم عليه الآن، وبمساعدة الإسلام المتشدد الجنوني، سيصبح الضغط عند الحدود مرعباً، وستقع حرب رهيبة، وإذا أردنا أن نبقى على قيد الحياة فيجب علينا أن نقتل، ونقتل، ونقتل. طوال اليوم وفي كل يوم». وأضاف صوفر «الأمر الوحيد الذي يثير قلقي من هذا الموضوع هو كيف سنضمن أن الجنود الذين سيقومون بكل هذا القتل سيكونون قادرين على العودة إلى عائلاتهم، ويكونون كائنات بشرية طبيعية».

اقتل ثم اقتل

وتوضح هذه العبارة للقتل وقتل «الحيوانات» البشرية، سبب كل هذا العنف الذي تقوم به إسرائيل في غزة، التي تم عزلها تماماً، كما أوصى بذلك صوفر.

والقتل الذي وقع يوم الاثنين الماضي يعد التزاماً دقيقاً بعبارة اقتل واقتل، التي دعا إليها صوفر قبل 14 عاماً. ويتم تنفيذ هذا القتل من قبل الجنود الإسرائيليين بهدوء وإصرار. وقال أحد كبار أعضاء البرلمان الإسرائيلي آفي ديختر لجمهوره في مقابلة تلفزيونية حية يوم الاثنين، إنه «لا يجب عليهم القلق مما يحدث، لأن الجيش الإسرائيلي لديه ما يكفي من الرصاص لجميع سكان غزة». أي إذا تجمع كل نساء وأطفال غزة وكذلك رجالها أمام السياج، فسيتم قتلهم جميعاً، وليس هناك أي مشكلة في ذلك.

وكانت نية القتل التي أعرب عنها أمثال صوفر وديختر وكبار الشخصيات البارزة في السياسة الإسرائيلية واضحة جداً وليس هناك ضرورة لتفسيرها. وسكان غزة يمكن قتلهم لأنهم ليسوا يهوداً حسب ما يريده المستشارون والمخططون الاسرائيليون. وتهدف الحاجة إلى القتل ثم القتل لضمان بقاء كل سكان إسرائيل يهود.

وفي الوقت الذي كان فيه قناصو إسرائيل ينفذون نصيحة القتل كان كوشنر يحتفل بمناسبة افتتاح السفارة الأميركية في القدس، حيث ألقى خطاباً فارغاً أشاد فيه بمناقب «حماه» ترامب. ولم يكن كوشنر مخولاً بإلقاء هذا الخطاب لأنه مؤهل لذلك، وليس نتيجة منجزاته، وليس بسبب الميزات المثيرة في الخطاب نفسه، وإنما السمة الوحيدة التي تخوله لذلك هو أنه يهودي، وهي السمة الوحيدة التي جلبته إلى هذا الموقف. لقد ولد يهودياً وهذه كل مؤهلاته.

وبالطبع الولادة هي مسألة قدرية، والقدر نفسه لعب دوراً بالنسبة لكوشنر، ودوراً مختلفاً بالنسبة لعزالدين السماك (14 عاماً) وأحمد شبير (16 عاماً) وسيد الخير (16 عاماً)، وإبراهيم الزرقا (18 عاماً)، وإيمان الشيخ (19 عاماً،) فقد ولدوا جميعاً في غزة، فهم لاجئون وأبناء لاجئين طردهم الصهاينة من ديارهم في فلسطين عام 1948، وبخلاف كوشنر الذي يستطيع الذهاب إلى القدس متى شاء لأنه يهودي، فإنهم لا يستطيعون ذلك لأنهم ليسوا يهوداً. وبخلاف كوشنر الذي يستطيع الذهاب إلى القدس مستقبلاً لأنه يهودي، فإنهم لا يستطيعون ذلك لأنهم قتلوا برصاصات في الرأس أطلقها القناصة الإسرائيليون يوم الاثنين الدامي.

سرقة المستقبل

وبعد أن سُرق منهم ماضيهم وحاضرهم، قامت إسرائيل أيضاً بسرقة مستقبلهم أيضاً، وفعلت ذلك ببساطة لأنهم ليسوا يهوداً.

ويوجد رابطة مباشرة بين الأحداث في القدس وتلك التي تجري في غزة. ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه أشار إلى ذلك عندما قال «نحن في القدس تتم حمايتنا من قبل الجنود الشجعان للجيش الإسرائيلي». وقال في بداية مراسم افتتاح السفارة يوم الاثنين «وجندنا الشجعان يحمون حدود إسرائيل». وكان يقصد «بالجنود الشجعان» بالطبع أولئك القناصة الجبناء الذين اختبأوا في تحصينات قوية، وأخذوا يطلقون النار على المدنيين العزل عن بعد 1000 متر، وعن طريق كلمة «الحماية» قصد نتنياهو القتل.. ثم القتل.. ثم القتل.. بالضبط كما أوصى بذلك صوفر.

ويوجد مجموعتان عرقيتان متجاورتان في فلسطين: أعضاء المجموعة الأولى ينتمي إليها نتنياهو وكوشنر، أي يتمتعان بحرية التحرك كما يشاؤون، إذ إنهم يستطيعون العيش كما يريدون والسفر والدراسة والعمل وتربية الأطفال. أما أعضاء المجموعة الأخرى فهم محرومون من كل تلك الحقوق بدرجات متفاوتة، إذ إن هذا الحرمان يبدو أشد بؤساً وقسوة في غزة، حيث يعيش نحو مليوني شخص في سجن كبير دون مستقبل ولا أمل، ناهيك بالحقوق، وذلك لسبب بسيط مفاده أن وجودهم يعد تهديداً كبيراً للهوية العرقية الحصرية لدولة قامت عن طريق العنف على أراضيهم، وعلى حسابهم. وللحفاظ على الهوية الحصرية لهذه الدولة يجب على هؤلاء الناس قبول قدرهم، إما باعتبارهم شحنة بشرية تعيش حالة تخزين بصورة دائمة، أي عدد زائد على البشر، أو أن يتلقوا الرصاصات التي جهزها لهم الجيش الإسرائيلي الذي أعد رصاصة لكل واحد منهم.

ساري مقدسي  أستاذ جامعي أميركي وكاتب سياسي

الأكثر مشاركة