اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل دمّر 70 عاماً من «الحياد» الأميركي

امرأة تتم معالجتها بعد تعرّضها لكميات كبيرة من الدخان المسيل للدموع خلال مسيرة العودة في غزة. غيتي

كان اليوم الذي افتتحت فيه الولايات المتحدة سفارتها في القدس، موعداً اشتاق له العالم، لأنه كان من المفروض أن يحمل معه نهاية الصراع والكارثة على الجانبين. ولطالما اعتبر الإسرائيليون والفلسطينيون القدس عاصمة لهم. ولأجيال عدة لعب الأميركيون دور الوسيط النزيه في البحث عن السلام، حيث رفضت الاعتراف بمطالب الطرفين في ما يتعلق بالقدس، في انتظار التوصل الى اتفاقية من خلال تسوية صعبة لجميع المطالب المتنافسة.

ولكن يوم الإثنين الماضي، قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السفارة للإسرائيليين دون تنازل أو شروط من قبل الحكومة الإسرائيلية التي يترأسها بنيامين نتنياهو، الأمر الذي اعتبر ضربة للفلسطينيين. ولم يشهد العالم فجر سلام وأمن لكلا الطرفين، وانما شهد العالم الجنود الإسرائيليين وهم يطلقون النار ويقتلون العشرات من المحتجين الفلسطينيين، وجرح الآلاف على طول السياج بين غزة وإسرائيل.

وكان الصراع بين الطرفين قد خدم الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة، التي قامت بتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهي الأراضي التي يتوقع الفلسطينيون أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية.

وحتى عندما تم قلع المستوطنات الإسرائيلية من غزة عام 2005، جرى ذلك دون مفاوضات أو اتفاق مع الحكومة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً بهدف تقوية موقفها. لقد تصرف الإسرائيليون على أساس زيادة الامن الإسرائيلي على المدى القصير، وزيادة اليأس الفلسطيني، وتقوية المجموعات الميليشياوية مثل حركة المقاومة الاسلامية (حماس). ولسنوات عدة أصرت الحكومة الإسرائيلية على أنه ليس لديها شريك في السلام من الطرف الآخر، أي الفلسطينيين، في حين أنها كانت تتصرف على نحو يهدف إلى زيادة أمد هذا الواقع الذي تتحدث عنه.

ولطالما كرر ترامب وعوده بالتوصل إلى سلام كبير دون أن يفي بها، وقام الآن بضم الوزن الأميركي إلى هذه الاستراتيجية الإسرائيلية المتطرفة. ومنذ عقود عدة كانت الولايات المتحدة تفتخر بأنها تقوم بدور «الوسيط النزيه» بين الفلسطينيين و الإسرائيليين. وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تحث على التوصل إلى صيغة سلام يقوم من خلالها الطرفان بالتفاوض على القضايا الأساسية، مثل تحديد الحدود بين الدولتين، وحماية الأمن الإسرائيلي، وتحديد كيفية التعامل مع قضية اللاجئين الذين طردوا من ديارهم، إثر تأسيس إسرائيل عام 1948، إضافة إلى تحديد مستقبل مدينة القدس، التي كان من المتوقع أن تكون عاصمة مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ولكن قيام ترامب بإعلان اعترافه بالقدس باعتبارها عاصمة إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، يكون قد ألغى 70 عاماً من الحيادية الأميركية.

وأظهرت مراسم يوم الإثنين الماضي بمناسبة افتتاح السفارة الأميركية في القدس احتقاراً صريحاً للفلسطينيين من قبل ترامب. وكان توقيتها يهدف إلى جعل انحياز الأميركيين يبدو صارخاً إلى جانب الاسرائيليين، حيث تزامنت مع الذكرى السنوية السبعين للنكبة الفلسطينية وانشاء إسرائيل عام 1948، وقبل يوم واحد من إحياء الفلسطينيين لذكرى طرد آبائهم وأجدادهم من فلسطين. وفي الحقيقة قام أحد قساوسة دالاس، روبرت جيفريس، الذي كان قد وجه انتقادات لاذعة لليهود والمورمون والمسلمين، والقس جون هاغي، وهو قس تبشيري يظهر على شاشات التلفزة لنشر رسالته التبشيرية، والذي كان قد ادعى أن هتلر «نصف يهودي» وأنه كان جزءاً من خطط الإله لإعادة اليهود إلى إسرائيل، بلعب دور بارز في هذه المراسم بصورة تحرج كل من شارك فيها.

وبالطبع فإن إسرائيل تملك كل الحق في الدفاع عن حدودها بما فيها حدودها مع غزة. ولكن المسؤولين الإسرائيليين يبدون غير مقنعين عندما يدّعون بأن استخدام الذخيرة الحية، وليس الغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه، وبعض الإجراءات الأخرى غير المميتة، يمكن أن تحمي إسرائيل من هؤلاء المشاركين في المسيرة. إن التناقض الذي حدث يوم الإثنين الماضي بين الفرح والابتهاج في القدس، وعذاب الفلسطينيين في غزة، لا يمكن أن يكون أكثر حدة، أو أكثر إثارة للرعب بالنسبة لأولئك الذين مازالوا يأملون في سلام عادل ودائم.

تويتر