بدلاً من التفاوض من أجل اتفاقية أخرى مع من يقمعون شعبهم

ترامب مطالب بدعم الديمقراطيين فــــي إيران بعد قراره الانسحاب من الاتفاقية النـــــووية

صورة

أخيراً أوفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعهداته، الثلاثاء الماضي، في الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية، وكما كتبت سابقاً، فإني كنت سأترك الاتفاق في حالة من الغموض، وندع رجال الدين في النظام الإيراني يتقلبون في مهب الريح، ولكن ما حدث قد حدث.

وسيكتب الكثير عما يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها القيام به في الملف النووي. ووجه قادة إيران تهديدات مبهمة، ويجب على الغرب أن يستعد لمرحلة فقدان القدرة على مراقبة البنية التحتية النووية الإيرانية المعلن عنها. وتتمثل المهمة الأكثر أهمية وإلحاحاً الآن بالنسبة للرئيس ترامب في زيادة فرص نجاح الحركة الديمقراطية الإيرانية.

ولفهم أسباب ذلك، لنلق نظرة على الجدل الذي أطلقه للمرة الأولى عام 2005، المحلل السابق في المخابرات المركزية الأميركية كينيث بولاك، حيث ذكر في كتابه «الأحجية الفارسية» أنه توجد ساعتان في إيران، الأولى تقوم دقاتها بعدٍّ تنازلي نحو الحصول على السلاح النووي، والأخرى تعدّ تنازلياً نحو النظام الديمقراطي. وهو يرى أن أفضل ما يمكن أن تقوم به السياسة الأميركية هو محاولة إبطاء الساعة التي تدق نحو الحصول على السلاح النووي، وفسح المجال أمام الثانية.

ويتميز جوهر الاتفاقية النووية الإيرانية، التي تعرف بخطة العمل الشامل والمشترك، بأنه يعالج الشق الأول من معادلة بولاك، فقد وضعت قيوداً مؤقتة لفترة تراوح بين 10 و15 عاماً، على كمية اليورانيوم التي تستطيع إيران تخصيبها، بحيث تكون مناسبة لأغراض الطاقة النووية، وعدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تشغلها في منشآتها النووية المعلن عنها. وبصورة مثالية، فإن ذلك سيؤدي إلى دعم توجه الساعة الثانية.

ولكن المشكلة تكمن في أن الاتفاقية النووية أدت إلى تقوية النظام الذي كان الديمقراطيون الإيرانيون يأملون تغييره. ولطالما كرر الدبلوماسيون الإيرانيون منذ عام 2015، بأنه يتعين على الولايات المتحدة تطمين القوى العالمية الأخرى بأن الاستثمارات الضخمة في الاقتصاد الإيراني مسموح بها. وفي واقع الأمر، فإنه حتى انتخاب الرئيس الحالي ترامب كانت سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى تخفيف القلق الأوروبي بشأن الاستثمار في إيران.

• يتعين على ترامب وهو يحاول تغيير سلوك النظام الإيراني أن يوسّع قائمة المطالب بما يزيد على القضايا النووية، وهذا يعني ربط عقوبات محددة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

• النظام الإيراني تمكن من كسب الكثير من الوقت، عن طريق الابتزاز بوساطة برامجه النووية، كما أنه تلقى الكثير من الدولارات، وفرض الكثير من القيود على الشعب الإيراني، وتدخل في سورية واليمن، وجعل العالم مكاناً أقل أمناً، من خلال تطوير برامج الصواريخ.

وإضافة إلى ما سبق، فقد منح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الشرعية للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لا حول له ولا قوة، والذي دخل السباق الرئاسي على أساس إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إلا أنه يترأس دولة يزداد فيها القمع أكثر مما مضى. وفي عام 2015، وهو العام الذي وافقت فيه إيران على اتفاقية العمل المشترك والشامل، قامت الحكومة الإيرانية بإعدام أكثر من 1000 سجين. وفي اللحظة التي أصيب فيها الشعب الإيراني بخيبة أمل من قادته غير المنتخبين، منحهم قادة الولايات المتحدة المنتخبين احتراماً لا يستحقونه.

وخلال مقابلة مع المعارض الإيراني هيشمات تبار زادي، أجريتها معه الأسبوع الماضي، لم يذرف الرجل الدموع على الاتفاقية النووية، وقال «أوباما والأوروبيون ضحوا بحقوق الإنسان التي حُرمها الشعب الإيراني من أجل إنجاز مزيد من الأمن لأنفسهم»، وأضاف «لقد كان ذلك خطأً فادحاً. والحقيقة أن النظام الإيراني تمكن من كسب الكثير من الوقت عن طريق الابتزاز بوساطة برامجه النووية، كما أنه تلقى الكثير من الدولارات، وفرض الكثير من القيود على الشعب الإيراني، وتدخل في سورية واليمن، وجعل العالم مكاناً أقل أمناً من خلال تطوير برامج الصواريخ».

وخلال ثمانينات القرن الماضي، وعندما كان تبار زادي شاباً، أصبح أول مؤيدي الزعيم آية الله الخميني. ولكن مع مرور الزمن أصيب بخيبة أمل، وتحول إلى معارض قوي، حيث أمضى فترات طويلة داخل سجن إيفين السيئ الصيت. وفي عام 1999، ساعد على قيادة انتفاضة جامعة طهران، وشارك أيضاً في احتجاجات عام 2009 ضد الانتخابات الرئاسية المسروقة ذلك العام. والآن أصبح تبار زادي المتحدث باسم حركة إيران للتضامن من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي منظمة سرية تعمل كمظلة لمجموعات مدنية اجتماعية أخرى.

وبفضل بقائه في إيران أصبح مطلعاً على التمرد الذي يعصف بإيران حالياً، والذي يراوح بين أزمة مياه الشرب إلى التسابق على البنوك الإيرانية، وكذلك حركة الشابات الإيرانيات الرافضات للحجاب، وبناء عليه من المهم أن نستمع لما يقوله.

وقد أبلغني أن أفضل شيء يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة الآن هو دعم تقنيات مثل موقع «تلغرام»، الذي سمح للإيرانيين بالتواصل بأمان مع بعضهم بعضاً. وأعلنت محكمة إيرانية أخيراً الحظر على موقع «تلغرام»، الأمر الذي يكشف مدى عجز روحاني. وأخبرني تبار زادي أن مؤسس «تلغرام» بافي دوروف «تمكن من إيجاد ثورة معلوماتية في إيران»، وهو الأمر الذي قال إن برامج وزارة الخارجية الأميركية لمنع الرقابة على المعلومات عجزت عنه.

وقال تبار زادي إنه أيّد العقوبات المقررة على أجهزة الدعاية الحكومية، إضافة إلى توسيع العقوبات ضد القادة الإيرانيين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان. وكانت حاملة جائزة نوبل الإيرانية شيرين عبادي قد أبلغتني بأنها تؤيد وجهة نظري، الشهر الماضي، عندما دعت في مقابلة تشديد العقوبات على وسائل البث الإعلامي الإيرانية، وهي المؤسسة التي تدير جهود الدعاية الإعلامية الداخلية والخارجية للنظام. وقال تبار زادي إنه عارض الاستثمارات الأجنبية في إيران في هذه الفترة، الأمر الذي أيدته عبادي أيضاً.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، من المهم تذكر بضع قواعد أساسية من أجل دعم حركات المقاومة غير العنيفة في إيران.

أولاً، الإيرانيون سيكونون هم من يحققون تحرير أنفسهم. وهم لن يحققوا النجاح اعتماداً على قرار سياسي في عاصمة أجنبية. ويجب على ترامب الابتعاد عن سياسة اختيار القادة، وتسليح المجموعات أو غزو إيران. ويجب أن تكون القيادة للشعب الإيراني وحده، وأما الغرب فيجب أن يقدم الدعم.

ثانياً، التضامن مع المقاومة الديمقراطية الإيرانية يتطلب أقنية ذات صدقية للتواصل. وهذا يعني تجاهل المجموعات الأجنبية التي تحاول فرض أجندتها على حركة المقاومة، مثل مجموعة مجاهدي الشعب، أو المجموعات الأميركية التي تعمل بمثابة لوبي واقعي للنظام الإيراني مثل المجلس الوطني الإيراني الأميركي. ويتعين على البيت الأبيض البحث عن المغتربين الإيرانيين في شتى أنحاء العالم، الذين يرغبون في تقديم الدعم لحركة المقاومة في إيران، ولكنهم لا يصدقون أنه يمكنهم العودة إلى إيران، كما كانت حال آية الله الخميني عام 1979، حيث قاد الثورة وانتصر على الشاه.

ثالثاً، يتعين على ترامب وهو يحاول تغيير سلوك النظام الإيراني أن يوسّع قائمة المطالب بما يزيد على القضايا النووية، ويعني هذا ربط عقوبات محددة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، مثل حسين موسوي ومهدي خروبي، وهما مرشحان سابقان لرئاسة الجمهورية، اللذان تمت سرقة انتخابهما عام 2009، واللذان ظلا يعيشان تحت الإقامة الجبرية حتى يومنا هذا. وثمة فكرة أخرى أيضاً، إذ يجب ربط العقوبات بالحركة من أجل إجراء استفتاء تحت مراقبة الأمم المتحدة لإزالة منصب القائد الأعلى من الدستور الإيراني. ومن المخجل أن أوباما لم يتعلم الدرس بنفسه عام 2009، حيث خرج الإيرانيون إلى الشوارع مطالبين بالموت للدكتاتور.

والآن وبعد أن قام ترامب بتسريع الساعة نحو الحصول على السلاح النووي، فمن الملحّ الآن أكثر من أي وقت مضى بالنسبة إليه، أن يسرّع ساعة الديمقراطية. ويرجع إلى الشعب الإيراني في نهاية المطاف تنظيم ثورته المقبلة، ويبقى لدى ترامب الفرصة لمتابعة التضامن مع نضالهم بدلاً من التفاوض من أجل اتفاقية أخرى مع من يقمعون هذا الشعب.

إيلي ليك - كاتب أميركي يكتب زاوية في «بلومبيرغ»

تويتر