الصين وروسيا تخشيان نزاعاً نووياً على حدودهما

كوريا الشمالية أخلفت وعوداً سابقة.. وناورت لإبقاء ترسانتها العسكرية

صورة

خلال الأشهر الأربعة الماضية، كانت كوريا الشمالية صادقة في ما تقول. وبعد أسابيع من الصمت بشأن نواياه للقاء قادم مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، أصدر زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، إعلاناً مثيراً قبل أيام، وتعهد بإجراءات أحادية على برنامجه النووي وبرامج الصواريخ. وعلى الرغم من الإشادة بالإعلان على نطاق واسع باعتباره أمراً مشجعاً، إلا أنه في الواقع لم يسلك طريقاً لنزع السلاح النووي. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تفتح الباب لاستمرار ترسانة كيم. وفي حديثه أمام اللجنة المركزية للحزب الحاكم في بلده، تحدّث كيم عن ستة من «القرارات» المزعومة بشأن سياسة الأسلحة النووية.

الحوار لا علاقة له بالضغوط الأميركية

حذرت كوريا الشمالية، أمس، الولايات المتحدة من أي استفزاز، ونفت بأنها أرغمت على التفاوض جراء الضغوط الأميركية قبل أسابيع من قمة ثنائية مرتقبة.

وقال المتحدث باسم وزارة خارجية كوريا الشمالية، امس، إن التأكيد بأن جلوس بيونغ يانغ الى طاولة المفاوضات «علامة ضعف لا يصب في مصلحة» الحوار، وقد «يعيد الوضع إلى نقطة الصفر».

واتهم واشنطن بـ«استفزاز (بيونغ يانغ) عمداً» في محاولة «لنسف أجواء الحوار».

ويلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قريباً، للمرة الأولى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ-اون، بعد أسابيع من قمة بين الأخير ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-ان. ولم يذكر المتحدث الكوري الشمالي القمة بين ترامب وكيم.

وبعد سنوات من التوتر حول البرامج النووية والبالستية الكورية الشمالية، تشهد شبه الجزيرة، منذ مطلع العام، أجواء تهدئة بين الكوريتين اللتين لاتزالان تقنياً في حالة حرب.

ونهاية أبريل الماضي أكد ترامب أن حزمه حيال كوريا الشمالية أسهم في تحريك الوضع.

وذكّر بالانتقادات التي وجهها اليه معارضوه في الداخل، عندما بلغ التوتر ذروته مع كيم أثناء تبادل الرجلين يومياً إهانات شخصية وتهديدات بالحرب.

وقال ترامب: «أتذكرون ماذا كانوا يقولون؟ (سيزجنا في حرب نووية)». وأضاف «لا، القوة ستحمينا من الحرب النووية».

سيؤول - أ.ف.ب

بصرف النظر عن التزامات كيم بالحدّ من الاختبارات وعمليات الإطلاق، فإن تعهّده بالامتناع عن نشر التكنولوجيا النووية، ربما يكون الأكثر إثارة للفضول.

لم تكن الصين وروسيا ترغبان في نهج المفاوضات المباشرة بين كيم وترامب، ولكن من وجهة نظرهما، من الأفضل عدم توجيه ضربة عسكرية، قد تؤدي إلى نزاع نووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية المجاورة لهما.

 

وتضمنت هذه التصريحات إعلاناً بأن بيونغ يانغ راضية عن تصميماتها للرؤوس الحربية النووية الحالية، وأنها أوقفت جميع اختبارات الصواريخ البالستية النووية العابرة للقارات، وأغلقت موقع تجاربها النووية في «بونجياري». كما أعلن كيم أن كوريا الشمالية ستعلق التجارب النووية، وأكد التزامه بعدم استخدام الأسلحة النووية «ما لم يكن هناك تهديد نووي»، ووقف انتشار التكنولوجيا النووية، بالإضافة إلى ذلك، قال إن كوريا الشمالية ستركز على تطوير اقتصادها، وتحسين الحوار مع الدول المجاورة.

قيود

سيمثل تعليق التجارب النووية والاختبارات المضادة للصواريخ قيوداً مهمة على الأنشطة النووية لهذا البلد. لكن هذه مقترحات لتشكيل الترسانة بدلاً من القضاء عليها، وهذا يعني أن كوريا الشمالية مازالت لم تعلن أي شيء عن نيتها لنزع السلاح النووي. وفي الوقت الذي قال فيه كيم إن بلاده تؤيد رؤية «نزع السلاح العالمي»، فإن هذا يعتبر مجازاً شائعاً في الدعاية الكورية الشمالية، ويقول مراقبون إن بيونغ يانغ ستطالب قريباً بنظام مراقبة للتسلح مع الولايات المتحدة.

أقصى ضغط

كل هذا يعني أن حملة «أقصى ضغط» من ترامب لم تثنِ الزعيم الكوري. وبدلاً من ذلك، قام كيم بشكل أساسي بإعلان سياسة نظامه النووية، وهي خطوة تدل على القوة والثقة. في الحقيقة، يمثل إعلان كيم عرضاً افتتاحياً يسمح له بالاحتفاظ بقواته النووية والصاروخية «السليمة». وعلى الرغم من ادعاءاته، فإن كوريا الشمالية قامت، وفقاً للمعايير العسكرية والتقنية، بإنشاء ترسانة متقدمة يمكن الاعتماد عليها. ومن شأن تعليق الاختبار أن يحول دون نشر رؤوس حربية جديدة أو أكثر فاعلية وتعقيداً.

لكن الحد الأقصى الذي اقترحه كيم هو جزئي فقط. ولم يقل شيئاً عن إنتاج كوريا الشمالية للمواد الانشطارية، التي لاتزال اليوم بوتيرة مخيفة. لقد اكتشفت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية أن بيونغ يانغ ربما تنتج ما يكفي من المواد لـ12 سلاحاً نووياً كل عام. وفي خطابه، لم يشر كيم إلى الصواريخ التي تطلق من الغواصات، أو القذائف قصيرة أو متوسطة المدى التي تنطلق من الأرض، الأمر الذي قد يهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

علاوة على ذلك، قد لا تلتزم كوريا الشمالية بهذه التعهدات، إذ من السهل الرجوع عن وعد اختياري لم يتم التحقق منه بمجرد أن يصبح غير ملائم. ويمكن لبيونغ يانغ أن تلغي أي التزام من التزاماتها في أي لحظة، مثلما فعلت عام 2006 عندما تراجعت عن تعهد قطعته في عام 1999 خاص بإطلاق الصواريخ.

سقف أعلى

مفتاح ترامب في اجتماعه المقبل مع كيم، سيكون تحويل هذه الالتزامات من سقف جزئي إلى سقف أعلى. ولتحقيق ذلك، سيتعين على المفاوضين الأميركيين التوضيح والتحقق من حدود كيم المقترحة خلال القمة. وهذا يعني فرض قيود على جميع اختبارات القذائف، بما في ذلك مركبات إطلاق الأقمار الاصطناعية، واختبارات المحركات الثابتة. ومن شأن وضع حدود كبيرة على البرنامج أن يجعل الأميركيين أكثر أمناً إذا ما دخلت المفاوضات حول اتفاقية شاملة إلى حيز التنفيذ في المستقبل القريب.

بصرف النظر عن التزامات كيم بالحد من الاختبارات وعمليات الإطلاق، فإن تعهده بالامتناع عن نشر التكنولوجيا النووية، ربما يكون الأكثر إثارة للفضول. وإذا كان يمكن التحقق من هذا الالتزام، فإنه سيؤدي إلى تخفيض احتمالات العمل العسكري، وتهدئة القلق الأميركي بشأن برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية.

ومع ذلك، فإن الالتزام في حد ذاته لا يكاد يستحق الورقة التي تمت طباعته عليها، حيث كانت كوريا الشمالية قد أبدت في السابق استعدادها لتصدير تصاميم وخبرات المفاعلات إلى سورية. سيتعين على بيونغ يانغ أن تتخلى عن معلومات حساسة حول موقع منشآتها النووية والغرض منها، حتى تتمكن وكالات الاستخبارات الأميركية أو المفتشون الدوليون، من تضييق نطاق البحث بدلاً من تفتيش كل قطعة شحن تعبر حدود كوريا الشمالية. إذا وافقت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على مثل هذه الحدود، فإن هذا سيمثل إنجازاً كبيراً.

وبإعلانه، أخيراً، كشف كيم النقاب عن إجراءات كان يأمل فيها العديد من المراقبين أن تكون نتائج المحادثات في القمة المرتقبة مع ترامب. ولكن لا يمكن للولايات المتحدة استقبال هذه الإجراءات على أنه انتصار، إنها نقطة بداية لتكوين سقف يمكن التحقق منه على ترسانة بيونغ يانغ، فالقوة الصارمة يمكن أن تحافظ على أميركا وحلفائها أكثر أماناً بينما يتفاوض ترامب على اتفاق أكثر شمولاً؛ وهو أمر يمكن أن يحدث إذا لم يستسلم الرئيس إلى التفاؤل والثقة المفرطة.

من الآن فصاعداً، ينبغي على واشنطن أن تعتمد على حملة «الضغط الأقصى»، وأن تدمج المفاوضات في استراتيجية إقليمية أوسع، وأن تتخلى عن توجيه ضربة عسكرية لمصلحة الجهود الجديدة لتعزيز الردع الإقليمي، ومكافحة انتشار الأسلحة النووية من خلال التعاون الوثيق مع حلفاء الولايات المتحدة. مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تحقق الفوائد المحتملة نفسها مثل ضربة محدودة دون تكاليف. وإذا فشلت قمة كيم - ترامب، فقد يبقى البلدان أمام احتمالات نشوب حرب.

لم تكن الصين وروسيا ترغبان في هذا النهج، ولكن من وجهة نظرهما، من الأفضل عدم توجيه ضربة عسكرية، قد تؤدي إلى نزاع نووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية المجاورة لهما. وعلاوة على ذلك، هناك عدد قليل من الدول، بما فيها الصين، التي تشعر بالارتياح تجاه خطر الانتشار النووي الذي تشكله كوريا الشمالية النووية. في الواقع، بموجب هذه الاستراتيجية، قد تقرر الصين وروسيا المشاركة في جهود مكافحة الانتشار أو حتى ضمن مؤسسة أمنية متعددة الأطراف دائمة.

ويخشى محللون وخبراء من أن تتمكن الصين وكوريا الشمالية من تأطير إجراءات معينة، مثل فرض حظر على منع الانتشار، كعمل من أعمال الحرب. ولمواجهة ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها، طلب الإذن القانوني، قدر الإمكان، لتحركاتهم من خلال قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والموجهة إلى المجموعة التالية من الاستفزازات الكورية الشمالية أو المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل.

وحيث إن الخيارات رديئة في هذا الملف، فلا توجد خطة مثالية، ولكن بعضها أفضل من غيرها. إن وجود استراتيجية إكراه شاملة في دبلوماسية نزع السلاح النووي، من شأنها أن تزيد بشكل كبير من الضغط على كوريا الشمالية، ومن شأنها أن تعزز التحالفات الأميركية في آسيا ضد التهديدات ليس فقط من بيونغ يانغ، ولكن أيضاً من الصين، وتزيد من تكاليف دعم بكين لنظام كيم. ولن يخاطر بمئات الآلاف من الأرواح الأميركية في الهجوم العسكري الوقائي. ومن شأن ذلك أن يقوي يد الولايات المتحدة على مائدة المفاوضات بطريقة تحض واشنطن على النجاح، لكنها تعدها أيضاً للفشل.

تويتر