في خضم الاستعدادات للانتخابات الرئاسية التركية

«الذئبة» تسعى إلى إقصاء أردوغان من رئاسة البلاد

صورة

تسعى ميرال أكسينر، المعروفة في تركيا باسم «الذئبة»، لأن تكون رئيساً للبلاد. لكنها ليست المنقذ الليبرالي الذي يأمل فيه اليسار والوسط، لأن سيرتها السياسية ذات علاقة بـ«حزب الحركة القومية»، اليميني المتطرف، الذي تركته قبل أقل من عام لتأسيس حزب «لي»، الذي يعني «جيد» باللغة التركية. وترفض أكسينر (61 سنة)، المصالحة مع الأكراد، ولا تحبذ وجود العديد من اللاجئين السوريين في تركيا. وينتمي مؤيدوها، مثلهم مثل مؤيدي الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، للطوائف القومية، والمحافظة، والدينية. لكنها ترفض أيضاً النظام الرئاسي القاهر، الذي رسخه أردوغان بالتعديلات الدستورية، والذي فاز بالكاد في استفتاء أبريل 2017.

وعندما علمت أن رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجيلي، اتفق مع أردوغان للضغط من أجل زيادة الصلاحيات الرئاسية، حاولت إقصاء بهجيلي والاستيلاء على رئاسة الحزب. وعندما وصلت إلى مقر الحزب للاحتجاج على تحرك بهجيلي، اعترضتها الشرطة هي ومؤيديها. واختطفت على الفور مكبر صوت، وبدأت في إطلاق شعاراتها، وسرعان ما أحاط بها بحر من المؤيدين.

ويزعم أردوغان، علانية، أن أكسينر مصدر إزعاج لا يشكل له أي تهديد حقيقي. وفي البداية، لم يتمكن أعضاء البرلمان الخمسة، الذين تركوا حزب الحركة القومية معها، من الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستجري في 24 يونيو المقبل. والسبب في ذلك أنه بموجب القانون التركي، لابد لأي حزب يدخل المنافسة الانتخابية أن يكون لديه على الأقل 20 عضواً في البرلمان، أو فروع في نصف مقاطعات البلاد. ولم يستطع حزب أكسينر أن يحقق هذه الشروط، بيد أن زعيم المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو «تبرع» بـ15 عضواً برلمانياً استقالوا من حزبه للانضمام إلى أكسينر، ما سمح لها بالمشاركة في الانتخابات.

صلاحيات واسعة

لم يتطور بَعْدُ انتقاد تركيا، بسبب تورطها في سورية إلى احتجاج مدني واسع، قد يعرض أردوغان للخطر. وفي هذه الأثناء، يبدو أن الجبهة السورية والحرب ضد الأكراد تصبان في مصلحة أردوغان، لأنه يمكن أن يصور نفسه على أنه قومي فخور، يسعى إلى حماية حدود بلاده. ومن أجل التغيير، قد لا يكون فوز أردوغان في الانتخابات شيئاً ذا مغزى. لكن عندما يكون الافتراض هو أن أردوغان سيبقى رئيساً، يجب على تركيا الاستعداد لمرحلة جديدة من الحكم الاستبدادي، وهذه المرة مع رئيس يسانده الدستور، ويمكنه حل البرلمان متى شاء، ويصبح محصناً تقريباً من المقاضاة، ويصوغ البرلمان بشكل أو بآخر كما يشاء. وكرئيس يمكنه أن يكون رئيساً لحزبه أيضاً، على عكس ما كان عليه في الماضي. وبالنسبة لأردوغان فإن الحصول على هذه الصلاحيات يستحق كل جهد، ولن يتوقف عن السعي إلى هذه الغاية.


• يعلق خصوم أردوغان آمالهم على مشكلات تركيا الاقتصادية، وأن صورة أردوغان كمنقذ اقتصادي وزعيم وطني معرضة للخطر.

• اختلف أردوغان مع ألمانيا، ودول أخرى، بسبب انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وسجنه عشرات الآلاف في المحاولة الانقلابية الفاشلة.

وليست أكسينر الشخص الوحيد الذي يزعج القصر الرئاسي، الذي كلف بناؤه بمعناه الحرفي أكثر من نصف مليار دولار، وإنما ساسة آخرون، من بينهم عبدالله غول، الذي اعلن عدم نيته الترشح للرئاسة، تخوفاً من المسار الذي يسلكه أردوغان في قيادة البلاد.

وينبع غضب قيادات في الحزب الحاكم من طموح أردوغان، الذي يفكر في أن يصبح رئيساً تنفيذياً، ويبدون انزعاجاً من قيوده المشددة على الإعلام، وانتهاكه للاتفاق مع الأكراد، وسياساته لمعالجة الأزمة السورية.

ويحاول عدد من الساسة، داخل الحزب وخارجه، تشكيل تحالف هدفه إطاحة الرئيس. لكن هل ثمة فرصة لأي تحالف ضد أردوغان للفوز بالرئاسة والبرلمان، ويبدو أن الجواب بالنسبة لأكثر من مراقب هو لا. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، لايزال أردوغان يتمتع بتأييد يصل إلى 40%. ويعتقد البعض أنه إذا اتفق خصومه على مرشح واحد، فربما يحصل على نسبة 40%.

لكن مثل هذه التوقعات لا تعدو أن تكون سوى نظرية، لأن أردوغان لديه ما يكفي من الوقت والوسائل لإقناع بعض منافسيه على الأقل، بالانضمام إليه للحصول على مقابل مادي. أو كما يفعل عادة، يمكنه إطلاق حملة شرعية شرسة، واعتقال المعارضين السياسيين بتهمة دعم الإرهاب، أو دعم أو الانتماء إلى الحركة التي يقودها رجل الدين المتمركز في الولايات المتحدة، فتح الله غولن.

تنازل

ومن أجل إسقاط أردوغان، ينبغي أن يكون خصومه جادين في رغبتهم في التنازل عن بعض من أيديولوجيتهم، والانضمام إلى النشطاء والقادة الذين لديهم مبادئ مختلفة. لكن لم ترَ تركيا مثل هذا التحالف منذ فترة طويلة، وحتى لو نجحوا، فإن تركيا ستغرق في جدل حاد حول القضايا السياسية والاقتصادية، التي من شأنها أن تهدد استقرار الحكومة. ويعلق خصوم أردوغان آمالهم على مشكلات تركيا الاقتصادية، وأن صورة أردوغان كمنقذ اقتصادي وزعيم وطني معرضة للخطر، بسبب هبوط قيمة العملة، والعجز في الميزانية، الذي يبلغ 7%، وارتفاع أسعار الفائدة، والبطالة فوق 12%، والتضخم الذي وصل إلى 10%.

الشهر الماضي، هاجم أردوغان نائب رئيس الوزراء التركي لشؤون الاقتصاد، محمد شيمشك، الذي طالب برفع أسعار الفائدة لخفض التضخم. كما انتقد أردوغان محافظ البنك المركزي، الذي يشبه منصبه منصب شيمشك. ويعتقد أردوغان أن ارتفاع أسعار الفائدة يعطل سوق العقارات، ويؤثر في المدينين، ويبطئ تنمية البلاد. وألمح إلى أن شيمشك يمكنه الاستقالة من منصبه إذا لم تعجبه هذه السياسات. سلف شيمشك، الذي عارض أيضاً خفض أسعار الفائدة، أطيح به بعد أن أشار أردوغان إلى أنه من مؤيدي غولن. وحذر أردوغان رجال الأعمال، الذين يفضلون شراء الدولار واستثمار أموالهم في الخارج، أن «أي شخص ينقل ماله خارج البلاد ليس مخلصاً لبلده، ولن نغفر لمن يفعل ذلك».

اختفاء الحملات في ألمانيا

علاقات تركيا الخارجية، خصوصاً مع الولايات المتحدة وألمانيا، ليست قوية بما فيه الكفاية، فقد قرر أردوغان، أخيراً، سحب عشرات الأطنان من الذهب من الولايات المتحدة وإيداعها بنك إنجلترا، كعقوبة على دعم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للأكراد في سورية وفشله في تسليم غولن. كما يعتبر ذلك أيضاً رداً على إدانة محكمة في نيويورك لمسؤول في أحد البنوك التركية الرسمية، لعدم التزامه بالعقوبات المفروضة على إيران. وقد تكلف الإدانة البنك وتركيا مليارات الدولارات من الغرامات.

اختلف أردوغان، أيضاً، مع ألمانيا ودول أخرى، بسبب انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وسجنه عشرات الآلاف في المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، بما في ذلك عشرات الصحافيين. وقبل الانتخابات، أكدت النمسا وألمانيا وهولندا أنها لن تسمح للسياسيين الأتراك بتنظيم حملات لاستقطاب أصوات المواطنين الأتراك الموجودين في أراضيها. وطالبت بلدية سولينغن بألمانيا مراجعة خطاب وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، قبل انعقاد اجتماع مزمع في المدينة الشهر المقبل، للتأكد من أنه ليس خطاباً انتخابياً.

وتحتفظ تركيا بمنطقة عفرين في سورية، بل إنها أنشأت مجلساً محلياً هناك. وتنفي تركيا أنها تخطط لضم المنطقة، إلا أن نفوذها هناك يمنحها ثقلاً قوياً في مفاوضات روسيا لإنهاء الأزمة في سورية. ومع ذلك، تفرض الحرب ثمناً باهظاً على تركيا، مثل التعامل مع أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري في البلاد، ومواصلة القتال.

تويتر