نيكاراغوا تشهد الفصل الأخير من حكم اليسار في أميركا اللاتينية

صورة

بعد أربعة عقود على حدوث تمرد شعبي أطاح بحكومة الديكتاتور أناستياسيو سوموزا ديبايلي، تعود دولة نيكاراغوا الواقعة في أميركا الوسطى إلى صدارة الأحداث السياسية في تلك المنطقة، حيث تعصف بها الاضطرابات وتبدو على حافة تغيير كبير.

أحد الأسباب التي تجعل الاحتجاجات الدائرة في

نيكاراغوا تتسم بأهمية كبيرة، أنه مع خبوّ نار

اليسار السياسي في أميركا اللاتينية، بات أورتيغا

يبدو كأنه آخر الناجين حتى الآن.

وبدأت الاضطرابات العنيفة في بداية الشهر الماضي (أبريل) بعد اقتراح الرئيس دانييل أورتيغا تغيير قيمة الضمان الاجتماعي، الأمر الذي سيجبر دافعي الضرائب على دفع مزيد من الأموال لهذا البرنامج، في الوقت الذي خفض المبالغ التي يحصل عليها المستفيدون منه.

وتعتبر نيكاراغوا إحدى أفقر الدول في أميركا اللاتينية، الأمر الذي جعل ردة الفعل الشعبية على هذا التغيير غاضبة جداً وسريعة، حيث خرج المتظاهرون إلى الشوارع للإعراب عن رفضهم، وكانت ردة فعل الحكومة على التظاهرات غير مدروسة وقاسية، وقامت الشرطة في شتى أنحاء البلاد بإطلاق العيارات الحية لتفريق الاحتجاجات. وتشير التقارير إلى مقتل نحو 60 شخصاً جراء الفوضى التي تلت قمع الشرطة للمتظاهرين، بمن فيهم الصحافي الشاب أنجل غاهونا، الذي أصيب بطلق ناري في رأسه، عندما كان يقوم بإرسال تقرير حي عبر «فيس بوك» في شوارع مدينة بلوفيلدز الواقعة على الساحل الكاريبي. ومع ارتفاع أعداد القتلى أصدرت زوجة الرئيس روزاريو مولر ونائبته عدداً من التعليقات، حيث وصفت المحتجين بـ«المجرمين» ومصاصي الدماء، «ما أثار غضب الآلاف من النيكاراغويين، تماماً كما حدث في سبعينات القرن الماضي، عندما حاول الديكتاتور سوموزا قمع المعارضة بالإجراءات الوحشية، وبحلول يوم الأحد الماضي تراجع أورتيغا عن إجراءاته المتعلقة بالضمان الاجتماعي، بيد أنه لم يعتذر عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت، حيث صار النيكاراغويون يهتفون في الشوارع قائلين «أورتيغا وسوموزا شيء واحد»، كما أن العديد من المتظاهرين أخذوا يطالبون أورتيغا الآن بالتنحي.

تراجع

ومن الواضح أنه على الرغم من تراجع الرئيس وزوجته عن الإجراءات المتعلقة بالضمان الاجتماعي، فإن بقاءهما في السلطة فترة طويلة وسيطرتهما المطلقة تقريباً على مؤسسات الدولة، جعلتهما بعيدين عن مشاعر شعبهما، ووصل أورتيغا إلى السلطة إثر الثورة الساندينية، عندما كان محارباً ماركسياً، وعرف بالرئيس الماركسي القوي إلا أنه تنحى عن السلطة بعد خسارته في الانتخابات عام 1990، ومن ثم عاد إلى السلطة عام 2006 بعد أن تخلى عن الماركسية، وتحالف مع أعداء الأمس، وتمكن أورتيغا مع زوجته من تعزيز سلطتهما عن طريق إجراء تحالفات، والتخلص من خصومهما، عبر طرق شتى وصل بعضها إلى حد القمع.

وإضافة إلى الحكومة سيطر أورتيغا وزوجته على الكونغرس والنظام القضائي أيضاً، وبالمقابل قام أبناؤهما بإدارة إمبراطورية تجارية للعائلة عن طريق شركات علاقات عامة وشركات إعلام كانت تعمل كوزارة للاتصالات الحكومية.

وهناك العديد من المفارقات التاريخية الكثيرة في أزمات نيكاراغوا الحالية، ليس أقلها حقيقة أنه قبل 40 عاماً كان أورتيغا ثورياً شاباً تمكن من إقناع العديد من النيكاراغويين وآخرين حول العالم بأنه يشن حملة ضد سوموزا الذي كان والده وشقيقه يحكمان الدولة عن طريق حكم الأسر، والتي امتدت إلى عام 1933. وكانت المنظمة التي قادها أورتيغا تدعى «جبهة ساندينستا للتحرير الوطني»، التي كانت تحظى بدعم الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، وبعد تسلمهم السلطة تحالف الساندينون مع الاتحاد السوفييتي، وبذلوا جهوداً كبيرة لإيصال المجموعات الثورية المسلحة إلى السلطة في كل من السلفادور وغواتيمالا ودول أخرى، وعندما كان الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان في السلطة كانت نيكاراغوا إحدى جبهات الحرب الباردة.

وثمة مفارقة أخرى مفادها أنه مع أفول نجم حكم سوموزا كانت وسائل الإعلام الرئيسة المؤيدة للثورة في نيكاراغوا تملكها أسرة شامورو، لكن في عام 1978 تم اغتيال مالك صحيفة «بيرنسا» المؤيدة للثورة بيدرو جوكين شامورو كاردينال، وكانت أرملته فيوليتا عضواً في الثورة الساندنية، التي استلمت السلطة بعد الإطاحة بحكومة سوموزا، لكنها انضمت إلى معارضة أورتيغا بعد أن حول الحكومة إلى نظام ماركسي، وعندما خسر أورتيغا السلطة عام 1990 كانت فيوليتا هي التي خلفته.

اختلاف الأدوار

وتبدو الأحداث الحالية في نيكاراغو شبيهة بما حدث في انتفاضة 1979 مع اختلاف في الأدوار يقوم بها اللاعبون، ففي سبعينات القرن الماضي ثمة امرأة تدعى روزاريو مولر عملت مساعدة لبيدرو جوكين شامورو التي أصبحت زوجة أورتيغا مستقبلاً، كما أنها نائبة الرئيس الحالي. ومن الأسباب التي تجعل الاحتجاجات الدائرة في نيكاراغوا تتسم بأهمية كبيرة، أنه مع خبوّ نار اليسار السياسي في أميركا اللاتينية، بات أورتيغا يبدو كأنه آخر الناجين حتى الآن، إذ توفي زعيم فنزويلا هوغو شافيز، كما أن خلفه نيكولاس مادورو أصبحت شعبيته في الحضيض، وفي البرازيل وعلى الرغم من أن الرئيس لويز لولا داسيلفا اتسم ذات يوم بالشعبية، فإنه يقبع في السجن الآن، وفي كوبا انتهت مرحلة حكم آل كاسترو، ولم يبق حتى الآن سوى رئيس بوليفيا إيفو موراليس وأورتيغا في السلطة من أصل مجموعة القادة اليساريين الذين حكموا أميركا اللاتينية.

تويتر