على الرغم من تراكم الأدلة حول تورّطه في جرائم وعمليات إرهابية

الولايات المتحدة تتساهل في التعامل مع إرهاب «حزب الله»

صورة

يوم السبت الماضي.. قرر نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، لقاء قادة قمة الأميركتين، حيث كان يتعين عليه إبلاغ المجتمعين بأن الوقت قد حان لشن حملة منسقة ضد إمبراطورية «حزب الله» غير المشروعة في أميركا اللاتينية، لكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قام بإلغاء لقاء بينس، كي يشرف على رد الولايات المتحدة على الهجوم الكيماوي الأخير على سورية.

بغض النظر عن حديث نصرالله عن الطبيعة النقية

لمصادر تمويل منظمته، ثمة أدلة كثيرة تراكمت - عبر عقود من التحقيقات

في الولايات المتحدة وخارجها - تجعل إصدار تشريعات صارمة ضد

علاقة «حزب الله» بجرائم الإرهاب مسألة مهمة.


الولايات المتحدة

يمكن أن تحقق الكثير

لمحاربة الحزب، عن

طريق إقناع العديد

من الدول الأخرى،

بالاعتراف بأن «حزب

الله» يمثل تهديداً

في مجال تهريب

المخدرات، بموجب

قوانينها المحلية.

وتعين على البيت الأبيض، أولاً، أن يظهر أنه مستعد لاتخاذ زمام المبادرة، من خلال تصنيف «حزب الله»، وهو منظمة سياسية ومسلّحة مقرّها لبنان، كمنظمة إجرامية عابرة للحدود، بموجب القانون الأميركي.

ولفترة قصيرة في بداية العام الجاري، بدت عملية تنشيط ملاحقة «حزب الله» في أميركا اللاتينية، باعتبارها أولوية لوزارة العدل الأميركية. وفي ديسمبر الماضي.. اتهم تحقيق أجراه موقع بوليتيكو إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بأنها تساهلت مع «حزب الله» بهدف تشجيع إيران، الراعي الأساسي للمنظمة، على المفاوضات النووية. وعلى وجه الخصوص، كشف التحقيق أن وزارة العدل في إدارة أوباما قوضت مشروع كساندرا بصورة متعمدة، وهو عبارة عن جهود طموحة من قبل إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، لمنع «حزب الله» من تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

جدية الملاحقة

وعلى الرغم من أن مسؤولين من إدارة أوباما أكدوا أن تحقيقات بوليتيكو غير صحيحة، وأن لها دوافع سياسية، فإن هذه القصة أثارت إدارة ترامب، وجعلتها تنشر إشارات تفيد بأنها جادة بشأن ملاحقة «حزب الله». وبعد أيام من نشر تحقيق بوليتيكو، أمر المدعي العام، جيف سيسيونز، بمراجعة قرارات صادرة من وزارة العدل في إدارة أوباما، وفي 11 يناير الماضي أعلن عن إنشاء قوة مهام خاصة مشتركة، مهمتها مكافحة التمويل الإرهابي لـ«حزب الله».

لكن حتى الآن ليست هناك أي إشارات ملموسة، تفيد بأن وزارة العدل مستعدة لتنشيط مشروع كساندرا. ولم تعمد إدارة ترامب إلى تصنيف «حزب الله» كمنظمة إجرامية، على نحو يمكن أن يعتبر خطوة ذات معنى، تصنع فرقاً واضحاً بين إدارة ترامب وسلفه أوباما.

وعلى الرغم من أن قانون منع تمويل «حزب الله» الدولي، الصادر عام 2015، يستلزم أن يقرر البيت الأبيض ما إذا كان الحزب قد استوفى معايير التصنيف كمنظمة إرهابية، فإن إدارة أوباما أحجمت عن القيام بذلك. وأصدر مجلسا النواب والكونغرس تشريعاً، يسعى إلى تحفيز العمل على ملاحقة الحزب، مع إعطاء منظماته أدوات أقوى لمحاربته. لكن حتى الآن لم تتحرك الإدارة.

وعلى الرغم من وجود الكثير من التحديات، التي تشغل البيت الأبيض ووزارة العدل عن «حزب الله»، فإن القمة الأميركية تمثل الفرصة المثلى لطرح هذه القضية على الطاولة من جديد.

وحتى الآن، لم تصنف أي دولة في أميركا الجنوبية «حزب الله» كمنظمة إرهابية. ويتعين على بينس أن يثير هذه القضية في زيارته الثانية إلى القمة الأميركية، وإن كان تحقيق أي تقدم في الموضوع يبدو صعباً للغاية.

لكن الولايات المتحدة يمكن أن تحقق الكثير لمحاربة الحزب، عن طريق إقناع العديد من الدول الأخرى بالاعتراف بأن «حزب الله» يمثل تهديداً في مجال تهريب المخدرات بموجب قوانينها المحلية، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تفعل ذلك أولاً، قبل طرحه على الاخرين.

لكن الحزب يرفض هذه التهمة، ويقول زعيمه حسن نصرالله إن إيران هي المصدر الرئيس لتمويل الحزب، وإنه لا يرتكب أي فعل يتنافى مع المبادئ الإسلامية. ولكن مصاريف الحزب تزداد مع الأيام، الأمر الذي يفرض الحصول على مزيد من التمويل. ومنذ عام 2006، عندما احتاج الحزب الى التمويل لإعادة بناء لبنان إثر الحرب المدمرة مع إسرائيل، بدأ الحزب البحث عن مصادر مالية لدعم ميزانيته السنوية.

تمويل

وثمة حالات عدة، ذكرت في تقرير بوليتيكو، تؤكد تعاون الحزب مع الكارتلات الإجرامية لجمع التمويل. وفي عام 2009، وجهت وزارة العدل الأميركية التهم إلى شخص يدعى حسن هودروج وتسعة آخرين. وتضمنت جرائمهم الاتجار بالعملة المزيفة، وجوازات السفر المزورة، والبضائع الفاخرة المزيفة والمسروقة، ومحاولة الحصول على 1400 بندقية قصيرة أميركية الصنع طراز «كولت 4م». وكان هودروج، ولايزال أحد أعضاء المجلس السياسي لـ«حزب الله»، المسؤول عن الشؤون الفلسطينية. وكانت التهمة الجنائية ضد هودروج توضح أن «حزب الله» وافق ونسق واستفاد من هذه النشاطات. وتكشف أيضاً أنه بينما كان العملاء الأميركيون السريون يتفاوضون على ترتيبات نقل تلك البنادق، اتصل العميل السري المشارك بالعملية مع شخصية مهمة في الهرم التنظيمي للحزب، هو عبدالله صفي الدين، كي يسهل عقد الصفقة.

ويعتبر صفي الدين أحد أعضاء الدائرة الضيقة في الحزب، كما أنه أحد أقرباء نصرالله لأمه، ومبعوث الحزب إلى طهران. وابنه رجل الدين هشام، هو أحد أعضاء مجلس الشورى في الحزب، ويعتقد أنه خليفة نصرالله. أما نائب صفي الدين فهو أكرم بركات الذي لديه أبناء يعملون في فرع شركة بركات الخاص في أميركا الجنوبية، وتم تصنيفهم عام 2006 كإرهابيين عالميين، ومتهمين بارتكاب نشاطات إجرامية، تهدف إلى تمويل الحزب.

جرائم الإرهاب

ثمة حالات أخرى تابعة لمشروع كساندرا، توحي بأن الحزب له علاقة بجرائم الإرهاب. إحداها تتعلق بسيدة الأعمال إيمان القبيسي، التي نصب لها العملاء السريون الأميركيون فخاً، واعتقلوها عام 2015. ووجهت إليها تهمة غسل الأموال، التي تم جمعها من تهريب المخدرات، ومحاولتها تأمين الأسلحة، وقطع غيار الطائرات لـ«حزب الله» وإيران. وتحدثت إيمان عن نشاطها في إفريقيا وأوروبا، خلال لقائها مع العملاء السريين الأميركيين، وذكرت لهم أن بورتوريكو مركز شحن الكوكايين، ما يعني أن شبكة «حزب الله» الإجرامية تعمل داخل الولايات المتحدة.

وكانت القضية الأخيرة لعلي عيسى شمس، مهرب مخدرات من «حزب الله»، الذي تم نقله من باراغواي إلى الولايات المتحدة في يونيو 2017، قد أكدت ما قالته الالقبيسي عن استخدام «حزب الله» بورتوريكو لشحن الكوكايين بصورة سرية. وحسب وثائق المحكمة، فإن شمس كان يتعاون مع مهرب مقيم في الولايات المتحدة، لتهريب مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى الولايات المتحدة عبر الجو.

وثمة دولة أخرى كانت مشروعات الحزب الإجرامية فيها راسخة تماماً، هي كولومبيا، التي سيسافر إليها بينس بعد قمة الأميركتين. ويعمل «حزب الله» مع كارتلات المخدرات المحلية في كولومبيا، لإرسال شحنات تصل إلى أطنان عدة من الكوكايين إلى أوروبا والولايات المتحدة.

وهناك شبكة أيمن جمعة في كولومبيا، التي تعمل على غسل الأموال بصورة معقدة جداً، تدخل فيها تجارة السيارات المستعملة في الولايات المتحدة، وزبائن في غرب إفريقيا. وكانت الولايات المتحدة قد وجهت تهمة تهريب المخدرات إلى جمعة لكنه لايزال طليقاً. وحتى بعد انكشاف جمعة لايزال بيع السيارات المستعملة جزءاً مهماً من طرق الحزب في غسل الأموال عبر دول غرب إفريقيا. وكانت إيمان الالقبيسي قد أبلغت العملاء الأميركيين السريين عن مواقف سيارات عدة في دول غرب إفريقيا، لاتزال تعج بالسيارات الأميركية المستعملة الحديثة حتى طراز 2015.

وبغض النظر عن سماحة نصرالله، وحديثه عن الإيمان والطبيعة النقية لمصادر تمويل منظمته، ثمة أدلة كثيرة تراكمت - عبر عقود من التحقيقات في الولايات المتحدة وخارجها - تجعل إصدار تشريعات صارمة ضد علاقة «حزب الله» بجرائم الإرهاب مسألة مهمة.

كاتب «فورين بوليسي» - إيمانويل أوتولينغي

تويتر