لن تتم محاسبة القناصين أو مسؤوليهم الذين حوّلوا غزة إلى سجن كبير

إسرائيل لا تدفع أي ثمن سياسي لقاء قتل الفلسطينيين

صورة

خلال نهاية الأسبوع قبل الماضي، دفن الفلسطينيون موتاهم بعد أن قام الجنود الإسرائيليون بقتل نحو 18 من المحتجين الفلسطينيين، كما جرحوا مئات آخرين. وتجمع نحو 30 ألف فلسطيني بالقرب من السياج الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، وكانوا يحتجون على الحصار الخانق المفروض على أراضيهم، كما أنهم كانوا في حالة حداد على أراضي أجدادهم، التي انتزعها منهم الإسرائيليون.

عباس الرجل الذي يؤمن بعملية سلام ميتة أصلاً، ليست لديه أي فرصة لتحقيق أي تقدم فيها، وربما لم تبقَ لديه أي صدقية، في حين أن «حماس» باتت تعيش في حالة حصار شديد، كما أنها تخسر مواردها من التمويل الخارجي بصورة تدريجية.

وكما هي الحال في الكثير من الاحتجاجات التي تحدث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان معظم المحتجين الفلسطينيين غير مسلحين، ومسالمين. وكانت العائلات الفلسطينية تذهب قريباً من السياج الذي يفصلها عن إسرائيل، وتلوّح بالعلم الفلسطيني. ولكن كما هي العادة في الاحتجاجات الفلسطينية دائماً، فإنها تنتهي عادة بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص. وقال أحد سكان غزة، فايق صباغ، لمراسل صحيفة «واشنطن بوست»: «أخذت أحفادي وخرجنا في تظاهرة سلمية. وذهبنا إلى هناك لنقول لهم إن هذه الأرض لنا، ولكن ما وجدناه كان مختلفاً».

ادعت السلطات الاسرائيلية أنها فتحت النار رداً على بعض المحتجين، الذين اقتربوا كثيراً من السياج، وحرقوا الإطارات، وقذفوا الحجارة أو القذائف الحارقة. ولكن الصور التي التقطت لمكان الأحداث توضح أن الجنود الإسرائيليين كانوا يستهدفون المحتجين العزّل، بمن فيهم الذين كانوا يهربون من المكان، والذين تم قتلهم من أماكن بعيدة عبر قناصي الجيش الإسرائيلي.

وكان أحد الضحايا، وهو بدر صباغ (20 عاماً)، وهو ابن فايق، الذي قتل بعد دقائق من وصوله لمشاهدة الاحتجاج. وقال أخوه محمد لصحيفة «واشنطن بوست»: «طلب مني سيجارة، وأعطيته واحدة فنفث منها قليلاً، ومن ثم أصيب برصاصة في رأسه».

وكانت حالات القتل قد ميزت ذلك اليوم باعتباره الأسوأ في غزة منذ حرب عام 2014 بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي، التي قالت الأمم المتحدة إنه قتل فيها 1462 مدنياً فلسطينياً على الأقل. وتسلط أحداث هذه الاحتجاجات الضوء على عبثية ويأس النضال الفلسطيني، والحصانة التي تتمتع بها إسرائيل إثر قتلها للفلسطينيين.

ولم يظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية اليمينية، بنيامين نتنياهو، أي تعاطف أو ندم نتيجة أعمال القتل، إذ إنه قال: «إسرائيل تعمل بحسم وتصميم على حماية سيادتها وأمن مواطنيها». ووصف مسؤولون إسرائيليون الاحتجاج بأنه «تمويه» تقوم به حركة «حماس» من أجل قيام نشطائها باختراق السياج الحصين، وتنفيذ هجمات على الإسرائيليين. ورفض وزير الدفاع الاسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الدعوات الدولية لإجراء تحقيقات في أعمال القتل التي حدثت في غزة، وقال «تحت أي ظرف من الظروف لن يكون هناك أي تحقيق في حوادث القتل»، وأشار إلى أن الجنود الاسرائيليين كانوا يحرسون السياج وأنهم «يستحقون الثناء».

وفي يوم السبت الماضي كان الجيش الإسرائيلي يتبجح في تغريدة له أن جنوده كانوا يتمتعون بسيطرة كاملة على الوضع، حتى أنهم يعرفون عدد الرصاصات التي أطلقوها. ولكن الجيش الإسرائيلي ألغى تلك التغريدة، بعد أن ظهرت صور للفلسطينيين المرعوبين والهاربين من الرصاص، في حين أن الجنود الإسرائيليين كانوا يطلقون عليهم النار.

وقال المتحدث باسم منظمة بتسليم اليسارية في القدس، اميت غيلوتز، والتي تراقب انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة: «هذه النتائج متوقعة لقيادة غير قانونية بشكل طبيعي، إذ إن الجنود الإسرائيليين يطلقون قذائف حية على المحتجين الفلسطينيين العزل. والأمر المتوقع أيضاً، أنه لن تتم محاسبة أي قناص أو مسؤوليهم الذين حوّلوا غزة إلى سجن كبير، عن الجرائم التي ارتكبوها».

شعور بالارتياح

يبدو أن القيادة الإسرائيلية لديها أسبابها التي تجعلها تشعر بالارتياح في تحديها للعالم، اذ إن أكبر الانتقادات تأتيها من إيران وتركيا فقط، وهي تمثل بالنسبة لإسرائيل مصدر راحة وليس إزعاجاً. وفي الأمم المتحدة تمنع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجلس الأمن من إصدار أي بيانات تدعو إلى تحقيق مستقل وشفاف، ويؤكد على حق الفلسطينيين بالاحتجاج السلمي. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيثر نويرت، إن الولايات المتحدة «شعرت بالحزن العميق» نتيجة أحداث يوم الجمعة. ولكن جاسون غرينبلات المبعوث الرئيس للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين اختصر رسالته، حيث أيد الجانب الإسرائيلي، وألقى باللوم على «حماس»، لأنها قامت «بتظاهرة عدوانية».

وفي حقيقة الأمر فقد أسهمت إدارة ترامب في تأجيج الغضب الفلسطيني، فقد دعت جميع الفصائل الفلسطينية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى الاحتجاج يومياً حتى 15 مايو، وهو اليوم الذي يعتبره الفلسطينيون، النكبة التي حلت بهم عام 1948، كما أبلغني الفلسطينيون. واضافة إلى ذلك فإن البيت الأبيض قرر أيضاً فتح السفارة الأميركية في القدس المحتلة، وهي خطوة تعزز رؤية الفلسطينيين بأن واشنطن لم تعد وسيطاً موثوقاً لعملية السلام المتوقفة منذ زمن طويل.

حلقة ضمن سلسلة صراع

وينبغي النظر هنا إلى الأحداث التي وقعت يوم الجمعة بأنها حلقة أخرى من سلسلة الصراع الطويل على السلطة بين حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. ولطالما فشلت محاولات المصالحة بين الطرفين، كما أن الجانبين أصبحا في حالة لا يحسدان عليها من الضعف. وعباس الرجل الذي يؤمن بعملية سلام ميتة أصلاً، ليست لديه أي فرصة لتحقيق أي تقدم فيها، وربما لم تبق لديه أي صدقية، في حين أن «حماس» باتت تعيش في حالة حصار شديد، كما أنها تخسر مواردها من التمويل الخارجي بصورة تدريجية. وفي الوقت ذاته أسهم الحصار والقيود المفروضة على غزة في جعل الحياة فيها لا تطاق بالنسبة للفلسطينيين. وقال أحد الشبان، وعمره 22 عاماً، لزملائي خلال الاحتجاجات يوم الجمعة: «أريد أن يصيبني طلق ناري. فأنا لم أعد أحتمل هذه الحياة».

ويمثل رد إسرائيل القاسي على الاحتجاج دعاية لمصلحة «حماس»، وإشارة الى احتمال سفك مزيد من الدماء.

ايشان ثارور  مراسل «واشنطن بوست»

تويتر