تل أبيب تخشى التحوّل السلمي للمقاومة

احتجاجات غزة تجذب الاهتمام الدولي رغم القمع الإسرائيلي

صورة

انتهت تظاهرة «جمعة الإطارات» بمقتل تسعة فلسطينيين آخرين على طول السياج مع قطاع غزة، في وقت تصاعدت فيه أعمدة الدخان من المطاط المحترق، ويأتي ذلك وسط انتقادات دولية حول استخدام إسرائيل القوة المميتة. ويتحدث شباب القطاع، الآن، عن تنظيم «جمعة الزهور»، و«جمعة التابوت» وأيضاً «جمعة الأحذية» التي سيرشق فيها المتظاهرون الأحذية على الجنود للاحتجاج على الحصار الإسرائيلي طويل الأمد على الأراضي الفقيرة، ومليوني مقيم فيها.

• أعداد ضخمة من الفلسطينيين تتحرك بإرادتها، ولم يشعر الناس أنهم في احتجاج، بل في نوع من الاحتفال.

• احتفال

يلاحظ المحلل في مجموعة الأزمات الدولية التي تراقب عن كثب غزة، ناثان ثيرال، «بناء الزخم» في الأسبوع الثاني، قائلاً: «كانت هناك أعداد ضخمة تتحرك بإرادتها. لم يشعر الناس أنهم كانوا في احتجاج، شعروا أنهم كانوا في نوع من الاحتفال».

كان العديد من سكان غزة يتحدثون عن اليوم الأخير للاحتجاج، في 15 مايو، كفرصة أمام المتظاهرين لمحاولة عبور السياج إلى إسرائيل. وهذا السيناريو يعتبر كابوساً بالنسبة للسلطات الإسرائيلية، وفقاً لعيلاند، الجنرال المتقاعد، «الآلاف من الناس في مواقع مختلفة سيهاجمون السياج، من بينهم أطفال ونساء، وقد يخلق هذا تحدياً حقيقياً لنا، لأننا لا نريد إطلاق النار وقتل العشرات أو المئات من الناس»، متابعاً «وفي الوقت نفسه لا نريدهم أن يعبروا إلى إسرائيل، لأننا لا نستطيع تحمّل ذلك».

وبدلاً من فقدان الحماسة بسبب الإقبال المتواضع، الجمعة الماضية، مقارنةً بالأسبوع السابق، يبدو الفلسطينيون متحمسين بشأن الحفاظ على شكل من أشكال الاحتجاج غير العنيفة بشكل عام، حتى لو كان رد إسرائيل قاسياً عليها، وكانت الحصيلة مزيداً من القتلى الفلسطينيين. لقد وضعت الأحداث الأخيرة صراعهم مع إسرائيل مرة أخرى على جدول الأعمال الدولي.

وقال مدير مركز «بال ثينك» للدراسات الاستراتيجية (مركز أبحاث في غزة)، عمر شعبان: «اعتقد القادة في المنطقة أنهم يستطيعون إهمال القضية الفلسطينية»، متابعاً «اعتقدوا أنه صراع مستقر؛ لكنها (الاحتجاجات) تذكرهم والأميركيين والأوروبيين وإسرائيل، بأن المشكلة لاتزال قائمة. قد تبدو الأمور مستقرة، لكن لا. إن الوضع في حالة غليان».

وتدعو حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، التي تحكم غزة، دائماً إلى الكفاح المسلح. لذا بالنسبة للغزيين، التجربة المبدئية مع الاحتجاج السلمي، هي خطوة مهمة. وقد ينجحون في تحقيق شيء ما. لطالما كان الإسرائيليون، ولأسباب مختلفة، قلقين بشأن هذا التحول. وهم الآن يرون كيف انتبه العالم وهم يستخدمون قوة غير متناسبة لمنع ما يعتقدون أنه يمكن أن يكون خرقاً كارثياً في سياج غزة. ويشبّه يوسف منير، الذي يدير الحملة الأميركية لحقوق الفلسطينيين، محاولات عبور سياج إسرائيل، بمحاولات المتظاهرين الأميركيين عبور جسر «إدموند بيتوس» في «سلمى» بولاية ألاباما، منذ أكثر من 50 عاماً. وقال إنه يرى التظاهرات فرصة لتغيير استراتيجي من قبل الفلسطينيين.

وقال منير: «هذه ليست معركة يستخدم فيها المتظاهرون البنادق. إنهم يأتون بأنفسهم وهم يواجهون سياسات القمع العنيف»، مضيفاً «يخاطر المحتجون بحياتهم لجعل الناس يتساءلون عما إذا كانت هذه السياسات مبررة». إذا سمح المجتمع الدولي بالقمع العنيف لهذه الاحتجاجات دون أي إدانة حقيقية أو تدخل لوقف القتل، يتابع مدير الحملة، فإنه سيبعث برسالة مفادها أن العالم لا يريد أي مقاومة فلسطينية سلمية أو عنيفة، وأي شيء بينهما.

اقتصاد منهار

يتعايش الغزيون مع اقتصاد في حالة انهيار؛ في حين نفد الدواء في المستشفيات، وبات تيار الكهرباء حلماً، إذ لا يتوافر إلا بضع ساعات في كل مرة. والمياه غير صالحة للشرب، ويتم ضخ مياه المجاري في البحر. وبينما كانت غزة فقيرة ومزدحمة في الأصل، فإن الحصار الذي دام 11 عاماً، قد دفعها إلى أزمة. وبدأت مسيرة العودة في 30 مارس، وكان من المفترض أن تستمر كل يوم جمعة، على مدى أسابيع. إنه يوم «النكبة»، الذي يصادف ذكرى طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين في عام 1948.

لقد شارك نحو 30 ألف شخص في تظاهرة الجمعة الأولى، وقتل 20 على يد الجنود الإسرائيليين، وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة. وأظهرت مقاطع الفيديو أن بعضهم أصيبوا بالرصاص في الظهر.

ونشرت إسرائيل، التي تسعى لتفسير استخدامها للقوة المميتة، صوراً لفلسطينيين يحاولون اختراق السور، وقالت إن آخرين ألقوا قنابل حارقة على جنودها في أحدث جولة من الاحتجاج. كما قال الجيش الإسرائيلي إنه سيحقق في مقتل مصور فلسطيني، أحد الصحافيين السبعة الذين تعرضوا لإطلاق النار.

«هذه التظاهرات جعلت صوت الشعب الفلسطيني مسموعاً، وجعلت العالم يسمع صراخه»، وفقاً للناشط في الإعلام الاجتماعي بالقطاع، أحمد أبوعرتيما، «الحصار قوة قاتلة تستهدفنا، لكننا قررنا تحويل هذا الألم إلى روح إيجابية». اقترب العديد من المتظاهرين من السياج ودخلوا في منطقة عازلة أعلنتها إسرائيل في أراضي غزة. وكثير من هؤلاء تم إطلاق النار عليهم من قبل الجنود، وفقاً لمسؤولي الصحة في غزة.

وقال الجنرال المتقاعد الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي،جيورا عيلاند، معلقاً «بالنسبة لإسرائيل فإن أي اختراق في السياج ينذر بدخول مئات الفلسطينيين، في بضع دقائق. السور ليس قوياً، كما يعتقد الناس».

ويرد منير على ذلك قائلاً: «ما يدافع عنه الإسرائيليون ليس حياة مواطنيهم؛ إنهم يدافعون عن السياج»، متابعاً «ليس هذا المعيار عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة المميتة، لمجرد قنص الناس من على بعد مئات الأمتار». وبعد يوم الجمعة الثاني من الاحتجاجات، بدا الفلسطينيون موحدين. على الرغم من أن «حماس» قامت على نحو فعال بإدارة التظاهرات بطرق عدة، إلا أن المشاركين كانوا ينتمون إلى مجموعة من الفصائل السياسية في غزة، ولم يرفعوا، في أغلب الأحيان، سوى راية واحدة، العلم الوطني الفلسطيني.

تويتر