ضعف نفوذها الاقتصادي يحدّ من قدرتها على الرد

خيارات روسيا تتضاءل مع تأجج الحرب الدبلوماسية

تسميم الجاسوس الروسي قلب الموازين ووضع موسكو في الزاوية. أرشيفية

شهدت الأسابيع الماضية جولات من عمليات الطرد الدبلوماسية بين روسيا والغرب، مع تناقص القدرة على اتخاذ المزيد من الإجراءات الرمزية، ما مهد الطريق لأشكال تصعيدية أقل قابلية للتنبؤ بها مع تنامي الخلاف بين الجانبين. ويقول فيودور لوكيانوف، الذي يترأس الهيئة الاستشارية للسياسة الخارجية والدفاعية في الكرملين، «لايزال هناك مجال لمزيد من المعارك في هذه الحرب الدبلوماسية، لكنها لن تظل حرباً دبلوماسية لفترة أطول».

جورجيا والقرم

عام 2008، عندما تجمدت العلاقات الأميركية - الروسية، في أعقاب الحرب الروسية ضد جورجيا؛ خلف هذا الوضع حالة من الفوضى في سياسة إدارة الرئيس جورج بوش الابن، تجاه موسكو، وهي حالة الفوضى ذاتها التي ورثها الرئيس باراك أوباما. وعند استيلاء روسيا بصورة غير شرعية على شبه جزيرة القرم، وبدء التدخل في أوكرانيا الشرقية، رد الغرب على هذا الإجراء بفرض عقوبات اقتصادية. وفي يوليو 2014، تم تفعيل العقوبات بأسلوب منسق، بوساطة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وحلفاء آخرين.


تيريزا ماي تحذر من احتمال فرض المزيد من

العقوبات الاقتصادية، في بلد توغلت فيه الأموال

الروسية بمستويات عالية في المجتمع البريطاني.


للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

في أحدث إجراءات الثأر بين موسكو والعواصم الغربية، بعد حادثة تسميم العميل الروسي السابق المزدوج سيرجي سكريبال وابنته في المملكة المتحدة، أعلنت موسكو قبل أيام أنها ستطرد 60 دبلوماسياً أميركياً من روسيا، رداً على إجراءات أميركية مماثلة إزاء دور موسكو المزعوم في الهجوم بغاز الأعصاب. وقد استدعت وزارة الخارجية الروسية ما يقرب من 20 من السفراء الأوروبيين، لطلب المزيد من عمليات الطرد، وخفض المزيد من الموظفين في البعثات الدبلوماسية البريطانية في روسيا.

جاءت معظم الانتقادات الأميركية لموسكو من كبار المسؤولين في الإدارة، وليس من الرئيس دونالد ترامب نفسه. ويقول كبار المسؤولين الأميركيين إنهم يعتقدون أن الحكومة الروسية ستواصل تدخلها في الانتخابات المقبلة. وقد أشارت واشنطن وحلفاؤها إلى أنهم قد يتخذون تدابير إضافية ضد روسيا، بشأن الهجوم بغاز الأعصاب، الذي تنفي موسكو أي تورط فيه.

وقال السفير الأميركي لدى روسيا، جون هنتسمان، الأسبوع الماضي، إن واشنطن قد تفكر في مصادرة الأصول الروسية في الولايات المتحدة. وكانت إدارة ترامب قد قالت، الشهر الماضي، إنها لا تخطط لفرض حظر على شراء الديون السيادية الروسية، لكن محللين ومساعدين في الكونغرس قالوا إن الإدارة قد تتخذ إجراءات لزيادة الضغط المالي على موسكو ببطء، بعد هجوم سكريبال.

وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية الذي يعمل حالياً في «أتلانيك كاونسل»، دانييل فرايد، «هناك مجال واسع للتصعيد، في ما يخص العقوبات المالية». وفي الوقت الذي قاومت الإدارة فرض المزيد من العقوبات من هذا النوع، هناك دعم من الحزبين في الكونغرس للنظر في تشريع قد يتطلب تشديد العقوبات ضد موسكو، بما في ذلك العقوبات المفروضة على ديونها، وفقاً للخبير الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، بويس زيبلبرمان.

من جانبه، قال رئيس مركز كارنيغي في موسكو، ديميتري ترينين، إن «افتقار روسيا إلى النفوذ الاقتصادي في الخارج سيحد من قدرة الكرملين على الرد بالمثل، ما قد يدفعها إلى الانتقام بطرق أكثر خطورة، مثل تصعيد المواجهة في سورية أو في الفضاء الإلكتروني»؛ متابعاً: «أتوقع أن تتحرك روسيا ضد الولايات المتحدة، حيث تؤلمها أكثر من غيرها.. لا أعرف ما هذه الإجراءات، ولكن سيتم تصميمها لتكون غير متماثلة ومؤلمة».

ومع تدهور العلاقات بين روسيا والغرب، يوضح ترينين، يمكن لأميركا أن تمارس المزيد من الضغوط على أوروبا لتخفيض استهلاكها من الغاز الروسي، وأن تعلق خطط بناء خط أنابيب آخر، من شأنه تعميق اعتمادها على الغاز الروسي.

وتراجعت علاقات روسيا مع الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، إلى أدنى مستوياتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أعقاب اتهامات روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016. وحشد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الدعم الشعبي، متفاخراً بترسانة نووية يمكن أن تخترق حتى الدفاعات الأميركية المضادة للصواريخ.

أمرت السلطات الروسية برحيل أكثر من 80 موظفاً دبلوماسياً أميركياً وموظفين آخرين بداية العام الماضي، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على روسيا في أواخر 2016. وصعد كلا الجانبين من العقوبات والعقبات مع تصاعد المواجهات بشأن التدخل الروسي المزعوم في شؤون الغرب، ونفي روسيا الشديد. وكانت موسكو منعت الوصول إلى العديد من الممتلكات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، رداً على إغلاق واشنطن القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو.

وفي أحدث التحركات، أعلنت روسيا إغلاق القنصلية الأميركية في سانت بطرسبورغ، أكبر وجود رسمي لها خارج موسكو، بعد أن أمرت واشنطن بإغلاق القنصلية الروسية الأقل أهمية نسبياً في سياتل.

وكانت موسكو تتوقع أن تغلق الولايات المتحدة قنصليتها في نيويورك. وحذرت رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي، من احتمال فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، في بلد توغلت الأموال الروسية فيه بمستويات عالية. ويقول المحللون إن أي خطوات ضد المصالح المالية لروسيا قد تدفع موسكو للرد، حيث يوجد لديها نفوذ، كما هو الحال في سورية، أين يوجد لدى كل من روسيا وأميركا قوات تدعم أطرافاً متنازعة. وفي الشهر الماضي، وفي مواجهة مباشرة نادرة، قتلت غارة جوية أميركية عدداً غير محدد من العاملين الروس في شرق سورية الغني بالموارد.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، صعد قائد القوات المسلحة الروسية، الجنرال فاليري جيراسيموف، لغة الخطاب، محذراً من أن روسيا سترد بالقوة إذا تعرضت حياة جنودها في سورية للتهديد.

في هذه الأثناء، يكتنف الغموض موقف الرئيس الأميركي إزاء موسكو، وقد تأجج الجدل بسبب بعض تعليقاته، والأدلة التي كشف عنها تحقيق المحامي الخاص في حملة ترامب في روسيا قبل انتخابات عام 2016. وبعد تسمم سكريبال، تعرض الرئيس لانتقادات واسعة لتهنئته بوتين على الفوز بإعادة انتخابه في تصويت، اعتبره العديد من المراقبين المستقلين غير نزيه.

ورداً على هذا الانتقاد، قال ترامب إنه بحاجة إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع بوتين، لأن الولايات المتحدة وروسيا يتعين عليهما التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك - مثل كوريا الشمالية وسورية وإيران - على الرغم من تصاعد التوترات. وكتب على «تويتر»، قائلاً، إن «التوافق مع روسيا (وغيرها) أمر جيد، وليس شيئاً سيئاً».

تويتر