بسبب الفساد والطائفية والتدخلات الخارجية

عائدات النفط الهائلة لم تساعد على إعادة بناء العراق بعد الغزو

صورة

نظرياً، بإمكان العراق أن يوفر 88 مليار دولار، وهو المبلغ الذي يحتاج إليه هذا البلد لإعادة الإعمار، ويمكنه أن يفعل ذلك في أقل من عام. في الفترة التي سبقت الغزو الأميركي، قبل 15 سنة، كان أحد العوامل في النقاش، هو فكرة أن الحرب ستغطي تكاليفها في وقت قصير، وفي ذلك، قال نائب وزير الدفاع الأميركي، حينها، بول وولفويتز، أمام لجنة الكونغرس في مارس 2003، يمكن أن تحقق عائدات النفط في ذلك البلد ما بين 50 و100 مليار دولار على مدار العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة، متابعاً «إننا نتعامل مع بلد يمكنه بالفعل تمويل إعادة بنائه، وقريباً نسبياً».

لكن بعد مرور عقد ونصف العقد، لم ينجح العراق بعد في إعادة البناء الكامل بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والحرب الأهلية واستيلاء تنظيم «داعش» على أجزاء كبيرة من البلاد، ولم يتمكن قط من تمويل جزء كبير من إعادة الإعمار بنفسه. وتضخ البلاد، وهي ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة «أوبك»، نحو 4.3 ملايين برميل يومياً، تصدر منها نحو أربعة ملايين برميل يومياً. هذا، مع بلوغ سعر النفط 66 دولاراً للبرميل، ينبغي أن يدر عائداً يبلغ 264 مليون دولار للبلد كل يوم. وإذا تم إنفاق جميع عائدات تصدير النفط العراقي على إعادة الإعمار، يمكن للبلاد أن تعيد البناء بالكامل، حتى بعد كل ذلك، في فترة قصيرة نسبياً. لكن الأمور ليست بهذه البساطة.

تقدر الأمم المتحدة أن 99% من عائدات العراق تأتي من النفط، وهذا يعني بالضرورة أن على النفط أن يدفع ثمن كل شيء من رواتب موظفي الحكومة، إلى مشروعات البنية التحتية والإنفاق على الدفاع، وبالنظر إلى المبالغ التي ضاعت بسبب الفساد، هناك القليل من الأموال التي بقيت لفعل أي شيء آخر.

قصة نجاح

• إذا أراد العراق أن يزدهر خلال العقود المقبلة، فسيتعين عليه استخدام عائداته النفطية لتنويع اقتصاده وتوليد مصادر دخل أخرى، وهو أمر لن يكون ممكناً إلا إذا تحوّل إلى أرض سلمية ومستقرة ذات فاعلية وبقيادة شرعية.

• تشعر أنقرة بالقلق من أن كردستان العراق المستقل يمكن أن يشجع الأكراد الانفصاليين في تركيا، وترى إيران في العراق، ذي الأغلبية الشيعية، جزءاً من دائرة نفوذها.

هذا على الرغم من حقيقة أن صناعة النفط العراقية كانت واحدة من قصص النجاح النسبية بعد الحرب، فقد أظهرت شكلاً من التحوّل الأكثر إثارة للإعجاب من أي قطاع آخر، بعد الغزو الذي انتهى إلى الإطاحة بصدام حسين، لايزال العراق ممزقاً بالطائفية وجيرانه لهم تأثير كبير في سياسته الداخلية، ومع ذلك، فإن الجماعات الإرهابية، رغم ضعفها، لاتزال قادرة على شن الهجمات، حتى مع وجود القوات الأميركية المتبقية، وكل هذه العوامل تظل عقبات قائمة بين العراق وأهداف إنتاجه النفطي، وهدفه في أن يصبح بلداً مستقراً بعد سنوات من الحرب.

ويُعتقد أن العراق يملك نفطاً أكثر من أي بلد آخر في العالم، باستثناء المملكة العربية السعودية. لكن سنوات العقوبات التي دعمتها الأمم المتحدة، والتي فرضت في أعقاب غزو الكويت عام 1990، كانت قد شلّت قطاع النفط بحلول 2003، وخلال فترة السبعينات من القرن الماضي، أنتج العراق ما يصل إلى 3.5 ملايين برميل في اليوم، واستخدمت هذه الإيرادات لرفع مستويات المعيشة بشكل كبير. لكن حرب السنوات الثماني مع إيران غيرت ذلك.

تغير الوضع بعد عام 2003، ومع اختفاء صدام باتت إيرادات النفط يُنظر إليها على أنها محورية لإعادة بناء البلاد، وتم رفع العقوبات، ودخلت شركات عالمية مثل «إكسون موبيل»، و«توتال»، وبدأت في استخدام خبراتها لتطوير حقول النفط العراقية الضخمة، لضخ النفط، ليصل إلى الأسواق العالمية. لقد بدت عودتها إلى البلاد ومعها عودة إنتاج النفط الكبير، علامة أمل بأن النفط يمكن أن يساعد في الواقع على إعادة بناء البلاد، تماماً كما توقع وولفويتز.

لكن هذه الأهداف الاقتصادية اصطدمت بالحقائق السياسية التي واجهت العراق على الفور، وتفجر صراع طائفي وحشي عقب الغزو الأميركي، وحين بدا أن العراق سيتعافى، استولى تنظيم «داعش» على أجزاء كبيرة من البلاد وأهمها الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بالإضافة إلى المراكز الحضرية الأخرى. في نهاية المطاف، هزم العراقيون، بدعم من الجنود الأميركيين والأكراد، المسلحين في الخريف الماضي، لكن العديد من المناطق التي شهدت القتال دُمِّرت مرة أخرى، وسيتعين إعادة بنائها مرة أخرى.

النفط يزعزع الاستقرار

وبالفعل، فإن مسألة عائدات النفط نفسها تساعد على تغذية عدم الاستقرار، ومن أبرزها معركة بغداد مع حكومة إقليم كردستان بشأن النفط في شمال العراق. المنطقة الكردية في شمال شرق العراق لها حكومتها الخاصة، التي تعمل بشكل مستقل عن الحكومة المركزية العراقية في بغداد، وقد جذب النزاع بالفعل كلاً من تركيا وإيران، وكل منهما يدعم الفصائل السياسية المتنافسة في حكومة إقليم كردستان، ولكن لا أحد منهما يريد رؤية وطن كردي مستقل في شمال العراق، وتشعر أنقرة بالقلق من أن كردستان العراق المستقل يمكن أن يشجع الأكراد الانفصاليين في تركيا، وترى إيران في العراق، ذي الأغلبية الشيعية، جزءاً من دائرة نفوذها.

صوت الأكراد لمصلحة الاستقلال، الخريف الماضي، في استفتاء حاولت بغداد على الفور إبطاله من خلال استعادة السيطرة على كركوك الغنية بالنفط. وينظر الأكراد إلى هذه المنطقة على أنها ملك لهم، بعد أن أجبروا «داعش» على الخروج من المنطقة، بعد أن فرت القوات العراقية من هناك في 2014. وحاولت الولايات المتحدة التوسط في النزاع، مع نجاح محدود، وما زاد الطين بلة، في وقت سابق من هذا الشهر، أقر البرلمان العراقي ميزانية تقطع حصة حكومة إقليم كردستان من الميزانية الوطنية إلى 12.5% بعد أن كانت 17%، وهذا يعني انخفاضاً في عائدات النفط لحكومة إقليم كردستان، على الرغم من العائدات الكبيرة على أراضي حكومة إقليم كردستان.

لكن، كما كتب جون كاسيدي في صحيفة «نيويورك» في يوليو 2003 «الحقيقة القاسية هي أن عائدات النفط وحدها لا يمكن أن تحوّل العراق إلى دولة خليجية ثرية»، مضيفاً «إذا أراد العراق أن يزدهر خلال العقود المقبلة، فسيتعين عليه استخدام عائداته النفطية لتنويع اقتصاده وتوليد مصادر دخل أخرى، وهو أمر لن يكون ممكناً إلا إذا تحول إلى أرض سلمية ومستقرة ذات فاعلية وبقيادة شرعية».

هذه المقولة هي ذات صلة الآن كما كانت قبل 15 عاماً.

كريسناديف كلامور - كاتب سياسي ومحلل شؤون الشرق الأوسط

تويتر