على الرغم من المصالح المشتركة

إدارة ترامب تشعل حرباً تجارية غير مبررة مع أوروبا

صورة

منذ أن تولى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منصبه قبل أكثر من عام، لم تكن علاقة أميركا بالاتحاد الأوروبي أكثر من مجرد فكرة ثانوية. وينبغي ألا يكون هذا مفاجئاً للبعض منا، طالما ظلت وجهات نظر ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي سلبية لسنوات. فخلال حملته الرئاسية، أدلى بملاحظات عدة، تحط من قدر الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك زعمه أن الاتحاد الأوروبي تم إنشاؤه «للتغلب على الولايات المتحدة، عندما يتعلق الأمر بكسب المال». وما زاد الطين بلة هو أن ترامب رحب بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وما يجعل الأمور أسوأ من ذلك أقام ترامب علاقة صداقة وثيقة مع الزعيم اليميني المتطرف البريطاني رئيس حزب الاستقلال المناهض للهجرة، نايجل فاراج، الذي كان المرشد لترامب في شؤون الاتحاد الأوروبي، منذ أواخر عام 2016.

الحاجة إلى أوروبا قوية

سواء كان الخلاف على السياسة التجارية أو السياسة الأمنية، فإن أميركا بحاجة إلى أوروبا قوية وسليمة اقتصادياً، وقادرة على التعامل مع الولايات المتحدة. وتستطيع أوروبا والولايات المتحدة أن تواجها معاً سلسلة من التحديات المشتركة، مثل الجهود الروسية الرامية إلى تقويض الديمقراطيات الغربية، وعدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، والحاجة إلى التحضير لاقتصاد ما بعد التصنيع. ويصبح القيام بذلك صعباً بشكل متزايد، عندما تنخرط القارتان في حرب تجارية، أو عندما تثبط الولايات المتحدة الجهود الأوروبية، لبناء القدرات الدقيقة التي من المعتقد أنها تفتقر إليها. وتحتاج إدارة ترامب إلى سياسة الاتحاد الأوروبي وليس تقويضها.. إنها علاقة غير مثالية، لكنها أفضل ما هو متاح حالياً.


- التجارة ليست المجال الوحيد، الذي تتحدى فيه إدارة ترامب الاتحاد الأوروبي

- بشكل مباشر. فقد قرر الرئيس ومستشاروه اتخاذ موقف عدائي تجاه جهود

- الاتحاد الأوروبي الأخيرة، لتعزيز التعاون والتكامل الدفاعي عبر القارة.

ورغم وجهات نظر ترامب السلبية حول الاتحاد الأوروبي، لم يتضح بَعْد مدى تأثير هذه الآراء في السياسات الفعلية بين الطرفين، خلال العام الماضي.

حرب على جبهتين

وفي الأيام الأخيرة، أطلق ترامب حرباً على جبهتين مع الاتحاد الأوروبي. ففي بادئ الأمر بدا أن سياسة إدارة ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي تتصف بالإهمال لهذا الطرف. والدليل على ذلك لم يعين الرئيس بعد سفيراً لدى الاتحاد الأوروبي، ولا توجد مؤشرات إلى أن أي شخص بالبيت الأبيض في عجلة من أمره لتغيير هذا الوضع. كما ورد ذكر الاتحاد الأوروبي بالكاد في وثائق الاستراتيجية المختلفة، التي طرحتها الإدارة في الأشهر الأخيرة. واستشهدت استراتيجية الأمن القومي بالعلاقة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي مرة واحدة فقط في سياق «ضمان ممارسات تجارية عادلة ومتبادلة»، و«إزالة الحواجز أمام التنمية». وبالمثل، في خطابه الوحيد عن أوروبا، ذكر وزير الخارجية الأميركي المقال، ريكس تيلرسون، بالكاد الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع، لا يتطرق الخطاب الرسمي الاميركي إلى علاقة أميركا التجارية مع أوروبا، التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي تعد حجر الزاوية لعلاقة الولايات المتحدة مع أوروبا.

وأخيراً.. أعلن ترامب أنه سيفرض تعرفة جمركية بنسبة 25٪ على الصلب، و10٪ رسوماً جمركية على واردات الألمنيوم. لم تكن الخطوة موجهة تحديداً إلى أوروبا، حيث تستورد الولايات المتحدة الصلب والألمنيوم من دول عدة حول العالم. لكن ذلك لم يخفف صدمة صانعي السياسة الأوروبيين، الذين صُعقوا يوم الجمعة الماضي (مثل العديد من مستشاري ترامب والكونغرس)، عندما ذكر ترامب، لأول مرة، أنه سيتخذ خطوات قابلة للتنفيذ، بشأن هذه السياسة الحمائية.

وبالنظر إلى حجم وأهمية العلاقة التجارية للولايات المتحدة مع أوروبا، كان ينبغي للرئيس أن يضع صيغة خاصة لأقرب حلفاء أميركا. إلا أن ترامب لم يفعل مثل هذا الترتيب لصالح أوروبا، رغم أن البيت الأبيض سيقدم إعفاءات لكندا والمكسيك.

غضب

ويشعر مسؤولو الاتحاد الأوروبي بالغضب من كل ذلك، وهددوا باتخاذ إجراءات انتقامية، من خلال مجموعة التعرفات الجمركية الخاصة بهم. ومن الواضح أن هذا لم يرق للرئيس، الذي أطلق تغريدة قبل أيام قليلة، قال فيها: «إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في زيادة تعرفته المتضخمة بالفعل، ووضع المزيد من الحواجز على الشركات الأميركية التي تمارس أعمالها هناك، فسنقوم ببساطة بتطبيق ضريبة على سياراتهم التي تتدفق بحرية إلى الولايات المتحدة». ويتوقع كثيرون الآن أن الولايات المتحدة على وشك بدء حرب تجارية مع أوروبا، وقد يكونون على حق، ويشيرون إلى أن منظمة التجارة العالمية يمكن أن تكون مسرحاً لحل النزاعات التجارية الكبيرة بين الحلفاء الغربيين.

للأسف، إن التجارة ليست المجال الوحيد الذي تتحدى فيه إدارة ترامب الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر. فقد قرر الرئيس ومستشاروه اتخاذ موقف عدائي تجاه جهود الاتحاد الأوروبي الأخيرة، لتعزيز التعاون والتكامل الدفاعي عبر القارة. وهذا رد غريب، حيث انتقد ترامب، العام الماضي، أوروبا بأنها تسعى لتفادي الإنفاق على الدفاع وتقاسم الأعباء. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تعترف بتاريخ طويل ومعقد، في ما يتعلق بالدفاع الأوروبي. فمنذ أن وقع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، إعلان سان مالو عام 1998، الذي أقر بضرورة تطوير أوروبا قوات عسكرية مستقلة وذات صدقية، حذر الرؤساء الأميركيون، بدءاً من بيل كلينتون وجورج بوش، وانتهاء بباراك أوباما من حدوث ازدواجية لا داعي لها، مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).

لكن مع مرور الوقت، أدرك أكثر من مراقب، أولاً، أن طموحات الاتحاد الأوروبي ليست كبيرة في هذا المجال، ولا تحاول أوروبا بناء جيش أوروبي، وثانياً إن تعزيز قوات الاتحاد الأوروبي الدفاعية إذا تحققت، فإنها ستصب في مصلحة (الناتو) في نهاية المطاف. لهذا فإن نهج إدارة ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي أمر منافٍ للصواب، ويفضي إلى نتائج عكسية.

تويتر