الجاسوس الروسي متهم بالتعاون المستمر مع الأمن البريطاني

محاولة اغتيال سيرغي سكريبال تذكير لـ «خونة» آخرين

صورة

تلفت قضية تسمم العميل الروسي السابق، سيرغي سكريبال إلى شيئ مهم جداً، هو التوقيت، لقد قضى الأخير سنوات عدة في سجن روسي، بعد إدانته بالتجسس، ويفترض أنه تم استجوابه من قبل زعماء التجسس السابقين، بما فيه الكفاية. ولو كانت أجهزة الأمن الروسية تريد أن ترتب له «حادث» اغتيال، خلال تلك السنوات، فقد كان من السهل جداً فعل ذلك خلال وجوده في السجن.

نظراً للتداعيات السياسية الطويلة لقتل الضابط الروسي

السابق، ألكسندر ليتفيننكو، فمن غير المحتمل أن

تخاطر أجهزة الاستخبارات بخوض مثل هذه المغامرة

دون أن تحصل على موافقة على أعلى مستوى.

ومحاولة الاغتيال، التي استهدفت الجاسوس المفترض، الأحد الماضي، في مدينة سالزبوري البريطانية، إذا كانت حقاً محاولة لتصفية عميل سابق، فإنها توضح العديد من الحقائق. والقول بأن ذلك يدخل ضمن نوع من الحيل لنيل أصوات الناخبين، قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية، التي من المؤكد أن يفوز فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يبدو غير مقنع، فالعديد من الروس قوميون، ومقتنعون بسياسة الكرملين الخارجية الجديدة التي تتسم بالعدوانية، ولكن من غير المرجح أن اغتيال جاسوس سابق، لم يسمع به إلا القليل منهم، سيفعل الكثير لرفع المشاعر الشعبية.

الأرجح أن هذه الخطوة هي رادع، يهدف إلى تذكير عناصر روسية أخرى بالمخاطر المحتملة للعمل مع وكالات الاستخبارات الأجنبية. وفي كل عام، يتحدث كبار المسؤولين الأمنيين في روسيا عن محاولات نشطة من قبل وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه)، وغيرها من الوكالات الغربية، لتجنيد الروس. ومع أن جزءاً من هذا هو دعاية للاستهلاك المحلي، إلا أنه لاشك في أن وكالات التجسس الغربية نشطة في روسيا.

وفي يناير الماضي، تم القبض على اثنين من كبار مسؤولي الأمن الرقمي في روسيا، بتهمة مساعدة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في حادثة ربطها البعض بمزاعم اختراق الانتخابات الأميركية، كما أن البريطانيين نشطوا، أيضاً، في روسيا. ومن بين القصص المثيرة تلك التي تكشفت في فضيحة «صخرة التجسس»، إذ استخدمت صخرة وهمية لنقل رسائل إلى الاستخبارات البريطانية. وفي حين أن هناك أسباباً أيديولوجية أقل مما كانت عليه خلال الفترة السوفييتية ليصبح الجواسيس الروس خونة، يمكن للوكالات الغربية تقديم حوافز مالية. وقال المدعون العامون الروس، خلال محاكمة سكريبال، في 2006، إنه تم تجنيده بالدفع نقداً، وفقاً لوسائل إعلام روسية. وكثير من الموظفين الروس، الذين يعملون في مؤسسات يكون فيها رؤساؤهم فاسدين، قد يميلون إلى التواطؤ مع الأجانب الذين يدفعون المال مقابل الأسرار.

ووفقاً لمصادر إعلامية بريطانية، فإن الجاسوس الروسي تلقى مبلغاً كبيراً من المال (نحو 100 ألف دولار) من وكالة الاستخبارات البريطانية، مقابل تزويدها بأسماء الجواسيس الروس الموجودين في بريطانيا. وعلى هذا النحو، فإن القتل الإيضاحي لخائن يمكن أن يكون تحذيراً للضباط المبتدئين بعدم اتباع المسار نفسه. وكثيراً ما أوضح المسؤولون الروس أن الخونة سيواجهون نهاية مؤلمة بطريقة أو بأخرى.

من غير المألوف استهداف الجواسيس بعد تبادلهم، وقد اعتقل سكريبال عام 2006 في روسيا، بعد أن اكتشف أمر تجسسه لحساب المملكة المتحدة، وحكم عليه بالسجن 13 عاماً، قبل أن يفرج عنه بعد أربع سنوات باتفاق لتبادل الجواسيس بين البلدين. وأحد الأسباب المحتملة لمحاولة اغتياله هو أن الجاسوس السابق تمت معاقبته على استمرار علاقته مع أجهزة الاستخبارات البريطانية، أو الاشتباه في نشاط مشبوه يقوم به. وفي ذلك يقول الخبير الأمني الروسي، مارك غيلوتي «أعتقد أنه إذا كان الروس وراء ذلك، فالأمر يبدو معقولاً، ذلك لأنهم كانوا يفترضون أن سكريبال مازال يعمل لمصلحة المخابرات البريطانية، أو غيرها من الوكالات الغربية، وليس مجرد جاسوس متقاعد». العديد من الضربات التي وجهت إلى الروس، في الخارج، تنشأ جراء الحرب المالية، ولا تأتي بالضرورة من الكرملين، مثل إطلاق النار على المصرفي جرمان غوربونتسوف، في لندن، قبل ست سنوات، واغتيال النائب الروسي دينيس فورونينكوف في كييف، العام الماضي.

ومع ذلك، فإن استهداف سكريبال يبدو أنه يدخل ضمن فئة الضربات المنظمة والمعتمدة من قبل الدولة الروسية. ونظراً للتداعيات السياسية الطويلة لقتل الضابط الروسي السابق ألكسندر ليتفيننكو، فمن غير المحتمل أن تخاطر أجهزة الاستخبارات بمثل هذه المغامرة، دون أن تحصل على موافقة على أعلى مستوى.

يذكر أن التحقيقات في مقتل الضابط الروسي السابق، في لندن، لم تنطلق إلا بعد تسع سنوات من اغتياله في 2006. وقد لقي ليتفيننكو حتفه بجرعة سم وضعت في فنجان من الشاي احتساه في العاصمة البريطانية. واتهم الضابط السابق، الذي حصل على الجنسية البريطانية، وأصبح من أشد منتقدي الكرملين، وهو على فراش الموت، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإصدار الأمر بقتله، في حين تقول السلطات البريطانية إن هناك ما يكفي من الأدلة لتوجيه الاتهام إلى ضابطين سابقين في جهاز الاستخبارات الروسي، بتنفيذ عملية القتل.

تويتر