إيران وروسيا وتركيا لن تحصل على ما تريد في سورية

بعد خمسة أسابيع من القتال، سيطر الجيش التركي والميليشيات السورية المتحالفة معه على الحدود التركية مع عفرين، وهي منطقة يسيطر عليها الأكراد في شمال غرب سورية. وحقق الهجوم البري الذي شنته أنقرة تقدماً بطيئاً، ولكن فعالاً، وتمكن من منع التدخل الخارجي أو قرار سياسي لوقف الهجوم، ومن شبه المؤكد أن يحقق هدفه المتمثل في إبعاد «وحدات حماية الشعب» الكردية عن عفرين.

ومع ذلك، فإن الهجوم التركي، المعروف باسم عملية «غصن الزيتون»، ليس مهماً لأنقرة فحسب، كما أن له تداعيات سياسية على الأطراف الخارجية الأخرى المشاركة في الحرب الأهلية في سورية.

في واشنطن، تتركز المناقشات المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة في سورية على أسئلة حول الاستراتيجية، وما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع ترجمة مكاسبها العسكرية ضد تنظيم «داعش» إلى تسوية سلمية دائمة، بشروط مواتية للمصالح الأميركية، وتميل هذه المناقشات إلى التوافق الاستراتيجي مع خصوم واشنطن. والواقع أن تدخل تركيا عبر الحدود يدل على أن الأطراف الخارجية الرئيسة للحرب غير قادرة على تحقيق أهدافها الخاصة دون أن تقدم تنازلات صعبة.

سياسة الولايات المتحدة في سورية، التي ورثها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من سلفه، باراك أوباما، صُممت أصلاً كحملة محدودة لمكافحة الإرهاب والإطاحة بـ«داعش» في الأراضي التي يسيطر عليها في شرق سورية، وهذا يتطلب من واشنطن التحالف مع «قوات سورية الديمقراطية»، وهي تجمع لميليشيات تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب»، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة متمردة نشطة في تركيا منذ ما يقرب من أربعة عقود، وبفعلها ذلك، فقد همّشت واشنطن حليفتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تركيا. وقد قام التحالف بين الولايات المتحدة وقوات الدفاع الذاتي بعمله، وهو هزيمة «داعش» في سورية. وبينما تحولت الحرب من العمليات الهجومية إلى أرض العدو، استقرت الولايات المتحدة على سياسة استخدام الأراضي التي تسيطر عليها كنفوذ لمحاولة إجبار الحكومة السورية على تقديم تنازلات في محادثات الأمم المتحدة للسلام في جنيف.

صراع مستمر مع تعنُّت الأطراف الخارجية

يتعامل كل طرف من الأطراف الخارجية في الحرب الأهلية السورية مع الصراع على أن الناتج من اللعبة «صفر»، وينسب عدم التوافق الاستراتيجي لخصمه (الذي قد لا يكون موجوداً)، ويستخدم السوريين للقتال والموت من أجل مصالح وطنية تتعارض مع أي جهود لتهدئة الصراع. وكشف التدخل التركي في عفرين عن تشققات داخل تحالف فضفاض من الدول المعادية للوجود الأميركي في شمال شرق البلاد. وأخفقت واشنطن، أيضاً، في التعامل بجدية مع الواقع على الأرض، والتفكير من خلال تنازلات يتعين اتخاذها للمساعدة في إنهاء هذه الحرب. وبغض النظر عن بعض التغييرات المهمة، فمن المرجح أن تستمر الحرب الأهلية السورية، وتقتل المزيد والمزيد من الناس.

وحاولت واشنطن أن تضيف إلى حملتها العسكرية أهدافاً سياسية قابلة للتحقيق، لكنها في هذا الصدد أشارت إلى أنها تعتزم البقاء في شمال شرق سورية في المستقبل المنظور، وهذا يتناقض مع مواقف إيران وتركيا وروسيا والنظام السوري، التي اضطرت إلى تحالفات متداخلة، وأحياناً متناقضة.

إضعاف الأكراد

وبالنسبة لتركيا، فإن الوجود الأميركي في سورية يضمن استمرار واشنطن في تدريب وتسليح قوات الدفاع الذاتي، والأهم من ذلك أن الجهود التي يقودها الأكراد لإنشاء هياكل الحكم الذاتي في سورية ــ التي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها القومي ــ لن تخضع لاتفاق أوسع يركز على السيطرة السياسية في دمشق. وللضغط على الولايات المتحدة وإضعاف الأكراد، شنت أنقرة هجومين عسكريين، هما عملية «درع الفرات»، في أغسطس 2016، وعملية «غصن الزيتون» في يناير.

وفي كلتا الحالتين، طلبت تركيا الإذن من روسيا باستخدام القوة العسكرية، خشية أن تتسبب في تصعيد غير مقصود مع قوة متفوقة. وبعد فترة من الخلاف، بعد نوفمبر 2015، عندما أسقطت تركيا مقاتلة روسية، لانتهاك مجالها الجوي، توطدت العلاقة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين. وتزامن تقاربهما مع قرار تركيا استخدام القوة العسكرية في سورية، ويتحدث الرجلان بشكل روتيني على الهاتف لتخفيف التوترات، وتنسيق جهودهما في محاولة إدارة الحرب الأهلية السورية.

وبشكل عام، يعتمد الترتيب الروسي - التركي على التعاون في محافظة إدلب السورية، وهي المنطقة النهائية لخفض التصعيد، التي أنشئت عقب محادثات أستانة. ولرصد وقف إطلاق النار المفترض بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات المعارضة المدعومة من تركيا، من المتوقع أن ينتشر الجيش التركي في 12 موقعاً في إدلب، وبالتالي، تجد أنقرة نفسها قد تعمقت أكثر في التدخل العسكري المباشر في سورية. وتسعى موسكو، بدورها، إلى العمل مع أنقرة لتحقيق تسوية سلمية، لكنها في ذلك تفعل خلافاً لمصلحة حليفين آخرين، هما طهران ودمشق.

هزيمة التمرد

ويبدو أن إيران والحكومة السورية عازمتان على إرغام القوات التركية، في نهاية المطاف، على الانسحاب من سورية، إذ يهدد استمرار وجودها بتقويض هدف الأسد في هزيمة التمرد، وإعادة تأكيد السيطرة الإقليمية الكاملة. روسيا، على ما يبدو، كانت ضد تحركات النظام في عفرين، وبالتأكيد على خلاف مع حلفائها بشأن استهداف القوات التركية المنتشرة في إدلب، وفقاً لشروط اتفاق خفض التصعيد.

وهكذا تعمل إيران وروسيا وسورية وتركيا بالتناوب وعلى أهداف متداخلة، وسيكون من الحكمة أن نعترف بأن أهدافها قد يكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، تحقيقها بالكامل. إن حملة أنقرة العسكرية مدفوعة بالمخاوف من النزعة الانفصالية الكردية، والصلة الواضحة بين الطموحات السياسية للأكراد السوريين والأتراك.

ويقلل الانقسام الداخلي بين هذه الجهات الأربع من الضغط على الولايات المتحدة، ولكن يجب على واشنطن أيضاً أن تواصل موازنة أهدافها القصيرة الأجل لمكافحة الإرهاب بجهدها الطويل الأمد لإصلاح العلاقات مع تركيا، الحليف الأطلسي، وإضافة إلى ذلك، فإن على أميركا مراعاة احتمال أن يسيطر نظام الأسد على مساحات واسعة من البلاد، على الرغم من المكاسب الأميركية في شمال شرق البلاد.

آرون شتاين - كاتب ومحلل سياسي

الأكثر مشاركة