بعد عمليتها العسكرية ضد الأكراد في عفرين

زحف تركيا نحو منبج يصطدم بجدار الواقع

صورة

تتجه مغامرة تركية في سورية نحو المجهول، إذ تواجه تحركات أميركية وروسية، والحقائق القاسية في ميدان المعركة. وكانت تركيا تنوي إنهاء العملية ضد الأكراد في عفرين بسرعة وتزحف نحو منبج، ومن ثم خطط الجيش التركي لعبور الجهة الشرقية من نهر الفرات، وتوجيه ضربات قوية للوجود الرئيس لمناطق «الحكم الذاتي الديمقراطي الكردية»، في مناطق مثل رأس العين، وتل أبيض، حيث لا يشكل الأكراد الغالبية العرقية فيها.

بالنظر إلى موقف العسكريين الأميركيين

في ما يتعلق بمنبج، والغارات الأميركية

ضد أنصار النظام السوري في دير الزور، فإن

الأميركيين سيبقون في منبج، غير أن السيناريو

الأسوأ سيكون انسحاب القوات الأميركية

من المدينة، كما فعل الروس في عفرين.

ويبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مصمم على وضع نهاية لحالة الاستقلالية التي يتمتع بها الأكراد في سورية، ولكن هذه الأخيرة وافقت أيضاً على إرسال ميليشيات داعمة للأكراد في عفرين.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد ساعدت زيارة وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، في 16 فبراير الماضي إلى أنقرة، على تحسين العلاقات مع تركية، التي كانت تتجه نحو المجهول، نتيجة قضايا مثل فتح الله غولن، ومحاكمة رجل الأعمال التركي من أصل إيراني في نيويورك،رضا ضراب، وتحالف وزارة الدفاع الأميركية مع الأكراد ضد تنظيم «داعش». وخلال زيارة تيلرسون، اعترفت الولايات المتحدة بالمخاوف الأمنية لتركيا، ووافقت على تشكيل لجنة لبحث حل مشترك في المنطقة، الذي بلا شك أسهم في تحسين مزاج العلاقة بين البلدين. وطالبت أنقرة بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردي فوراً من منبج، لكنها وافقت على المشاركة الأمنية بين الجنود الأتراك والأميركيين، وهي خطوة بناءة، على الرغم من انتقاد أردوغان لها بين الفينة والأخرى.

وتبنى تيلرسون موقفاً تصالحياً، عندما قال إن اللجنة ستجعل من منبج أهم أولوياتها، ولكن وزير الخارجية الأميركي لمّح أيضاً إلى أن الأمن المشترك ربما لا يكون فعالاً في المناطق المحررة من «داعش»، بقوله «السبب الرئيس وراء وجود جنودنا في منبج هو ضمان بقاء البلدة تحت سيطرة شركائنا»،

ولكن هذه الجملة تبدو شائكة، وتعتبر الولايات المتحدة قوات سورية الديمقراطية أحد شركائها في المنطقة، لكن تركيا تعتبرها إرهابية، وكذلك قوات حماية الشعب الكردي.

فهل تطرد واشنطن قوات حماية الشعب الكردي من منبج لقاء حل مؤقت يرضي تركية؟ أظهرت الولايات المتحدة حتى الآن أنها ستتمسك بالأراضي التي تسيطر عليها الآن في شرق الفرات، وذلك عندما خصصت وزارة الدفاع الأميركية ميزانية خاصة لقوات سورية الديمقراطية (قسد) في ميزانيتها المخصصة لعام 2019.

وفي 13 فبراير الماضي، قام تيلرسون بزيارة إلى الكويت، تحدث فيها عن أن حكومته مناوئة للنظام السوري. وثمة أحاديث في أنقرة عن أن واشنطن ستنسق معها الجهود المعادية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، فهل سيشجع ذلك تركية على التخلي عن أهدافها في شرق الفرات؟ يبدو أن ذلك غير وارد، لأن أردوغان يبدو غير مكتفٍ بالسيطرة على منبج فقط.

وعلى الرغم من دخول قوات تدعم النظام السوري إلى عفرين، يبدو أردوغان واثقاً من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيبعد الجيش السوري عن عفرين.

وعندما تحركت قافلة عسكرية تحمل مدافع مضادة للطائرات من بلدتي الزهرة ومهور الشيعيتين إلى عفرين، أدى ذلك إلى طرح احتمال أن تكون هذه الخطوة تمت من قبل سورية وإيران، اللتين لم يعجبهما الود الموجود بين تركيا وروسيا. وإذا توقف التمدد التركي في عفرين، فإن خططها المتعلقة بمنبج ستنتهي أيضاً.

ويريد الأكراد أن يظهروا أن لديهم مزيداً من الخيارات إذا قررت واشنطن وقف دعمهم. وعلى الرغم من أنهم يمقتون موسكو، لأنها سمحت للأتراك بدخول عفرين، إلا أنهم لم يترددوا في التفاوض مع دمشق.

ويشعر الأكراد بالانزعاج، لأن شعبهم وقوتهم السياسية لم يتم أخذهما في الحسبان خلال التفاوض على منبج، وقال المنسق الإعلامي لحركة المجتمع الديمقراطي الكردية، التي تهدف إلى الاستقلال الكردي، كاردو بوكاني، إن التفاوض على منبج يحمل أهمية استراتيجية للأكراد. وأضاف لموقع «المونتور» أن «مقاربة الولايات المتحدة للقضية الكردية تنطوي على تباين ما بين البيت الأبيض و(البتناغون)، إذ إن البيت الأبيض يميل إلى أنقرة، في حين أن القادة العسكريين يميلون إلى الأكراد، خصوصاً بعد عملهم مع القوات الكردية لدحر تنظيم (داعش)، وبالنظر إلى موقف العسكريين الأميركيين في ما يتعلق بمنبج والغارات الأميركية ضد أنصار النظام السوري في دير الزور، فإن الأميركيين سيبقون في منبج، غير أن السيناريو الأسوأ سيكون انسحاب القوات الأميركية من المدينة، كما فعل الروس في عفرين».

فهل يتخلى الأكراد عن هدفهم في السيطرة على منبج لحماية مكتسباتهم في شرق الفرات؟ في الوقت الحاضر يقول الأكراد إنهم لن يتخلوا عن مكتسباتهم لحماية المصالح الأميركية، ولكن الحرب الأهلية التي بدأت منذ سبع سنوات أظهرت أنه ليس هناك أي شيء مستحيل في سورية، إذ إنه لم يتوقع أحد تحالف الولايات المتحدة مع قوات سورية الديمقراطية وقوات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها تركيا حليفة لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره واشنطن أداة في يد النظام السوري، إضافة إلى أنه مدرج في قائمة الإرهاب الأميركية، فهل تخيل أحد أن تقوم قوات حليفة لإيران، التي لا يثق بها الأكراد، بالانضمام إلى قوات حماية الشعب الكردي؟

تويتر